زيارة إلى "الدار المشروكة"

01 سبتمبر 2020
يسلّط الفيلم الضوء على المرأة العاملة في المنازل (Getty)
+ الخط -

 

رغم ضعف المنتوج التلفزيوني المغربي وركاكاته، حرص هذا الجهاز، منذ أعوام، على جعل الأفلام التلفزيونية تُشكّل جزءاً من برنامجه السنوي. ورغم فقر هذه الأفلام، يسعى باستمرار إلى تحسين مردود إنتاجه، بحرصه على اختيار نخبة من السينمائيين، ممن يضطلعون بأفكارٍ تلفزيونية ورؤى جمالية، تُساعدهم على تجاوز هذه المحنة الإبداعية، التي تجعل المُشاهد المغربي يهرب إلى قنواتٍ تلفزيونية أجنبية، لتحقيق بعض المُتع البصرية، أمام هول الحياة اليومية ورتابتها.

بالتالي، كان على التلفزيون المُراهنة على هؤلاء السينمائيين، ممن يمتلكون مشروعاً جمالياً، وعلى كُتّاب سيناريو محترفين، لديهم خيال واسع ينغمس في التحوّلات الاجتماعية التي تُلمّ بالواقع المغربي، كالمخرج محمد عبد الرحمن التازي، في فيلمه التلفزيوني "الدار المشروكة" (2019)، الذي يكشف فيه واقع المرأة الخادمة في منازل الناس، عبر قصّة الفتاة رحمة (نسرين الراضي) التي تعمل في منزل يقطنه 3 شباب، أستاذ ومهندس ومعلوماتيّ. ذات يوم، تكتشف رحمة أنّها حامل، من دون أنْ تعرف "مُسبِّب" الحمل، فتتّهم المُهندس (عمر لطفي)، بعد اشتباكٍ بينهما، ينتهي بمقتلها، فيضطر الأستاذ والمعلوماتيّ مُساعدته إلى التخلّص من الجثة، برميها في البحر.

ثم يبدأ المُحقّق (رشيد الوالي)، رفقة مساعديه، البحث لمعرفة القاتل، بعد شكوك في صديقها الأول عامل البناء، الذي كان سبب حملها لا قتلها، بحسب نتائج التحاليل، فيقع المُهندس في فخّ الشرطة لتسرّعه وارتباكه، بعد اعترافه بأنّه القاتل. ثم ينتهي الفيلم.

على مستوى الموضوع، سلّط محمد عبد الرحمن التازي ضوءاً على ظاهرة مهمة، استفحلت منذ تسعينيات القرن الـ20 في المجتمع المغربي، تتمثّل بالمرأة الخادمة، وبما تُواجهه من مكرٍ وعنفٍ وتسلّط، بأشكالٍ مُختلفة، كالضرب والاغتصاب والقهر النفسي، بالإضافة إلى ما تُحدثه عائلة الخادمة، التي تدفعها إلى العمل من أجل المال، وعوامل أخرى تكتسح الواقع المغربي، لكنّها تصبّ في حيّزٍ واحدٍ: حجم العنف واختلافه، ذاك المُمارَس على المرأة الخادمة وكرامتها.

الأشكال المُختلفة لهذا العنف تناولته أفلام سينمائية وتلفزيونية مغربية مختلفة، كاشفةً حقيقته وواقعه والعوامل العديدة التي تُساهم في تفاقمه، مع مقاربات مُتباينة، يُدين بعضها المجتمع المدني إذْ عليه البوح بهذه الحقائق للحدّ منه، ويُدين بعضها الآخر المؤسّسة الاجتماعية وجبروتها أمام الفقر والتهميش، اللذين يجعلان عائلات كثيرة تدفع أطفالاً ونساءً إلى العمل في الشوارع والبيوت، ما يجعلهم يُعانون تسلّط الأسر البورجوازية وتفكيرها.

لم يستطع محمد عبد الرحمن التازي الخروج من هذه الوقائع، المألوفة في التلفزيون المغربي، ولا تقديم حلولٍ ناجعة لتجاوز هذه الظاهرة، أو على الأقلّ لفهم حيثياتها وخفاياها، وإنتاج صُوَرٍ فنية وجمالية ترقى بالموضوع عن الصُوَر المُتداولة، فتجعله يحظى بتفكيرٍ جديد ومُقاربة جمالية لا يسقطان في فخّ التشويق، الذي يتأسّس عليه الفيلم، إلى درجة أنه يجعل صُوره رتيبة، أمام نجاح الممثلين نسرين الراضي ورشيد الوالي في تأدية دوريهما، رغم مطبّات في السيناريو، كما في بنية شخصية العميل، التي يكاد المُشاهد لا يعثر لها على تبريرٍ، كحال مشاهد الطبيبة (سامية أقريو)، التي تبدو كوميدية، من دون استجابتها لمنطق الحكاية والسرد. مَشاهد كهذه وكغيرها نشاز أو حشو بصريان، لا علاقة لهما بأطوار الحكاية البوليسية للفيلم.

المساهمون