زياد الدريس الذي انتصر على سونيا

29 ديسمبر 2016

زياد الدريس.. تجربة طويلة في "اليونسكو"

+ الخط -

لا أدري إن كان الدكتور زياد الدريس في أثناء وجوده في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) طوال السنوات العشر التي مضت قد وجد سونيا، بطلة رواية غازي القصيبي "دنسكو"، أم أنها كانت المتخيّل الوحيد فعلا في تلك الرواية، وبالتالي، فات عليه أن ينتقم منها، بعد أن أفسدت عليه خطة السفير الوزير والشاعر والروائي في الوصول إلى "اليونيسكو".
كان القصيبي، الخارج من معركة ترشحه لرئاسة "اليونيسكو" بخسارةٍ موجعةٍ، حوّلها إلى رواية أكثر وجعاً لاحقاً، قد أخبر الدريس، عشية سفر الأخير إلى باريس لتسلم منصبه الدبلوماسي هناك، بأن كل ما ورد في الرواية حدث فعلاً، وعندما مازحه الدريس بأنه ذاهبٌ، إذن، لتعقب الآنسة سونيا، والأخذ بثأر القصيبي منها، اعترف مبتدعها بأنها غير موجودة، لا في "يونيسكو"، ولا في باريس كلها، ولا في أي مكان آخر.
لكن الدريس الذي خاب أمله في إطار المزاح واجه الجد كله، عندما ذهب إلى هناك. وأنا الآن، بعد تتبع إنجازات الرجل الدؤوب، متأكّدة أنه وجد الكثير مما وممن يمكن أن تمثله شخصية سونيا الفانتازية على أرض الواقع الذي عركه عقداً كاملاً، وخرج منه بعبر كثيرة، ليثبت، مجدداً، أن وجود الرجل المناسب في المكان المناسب هو السر الأول في نجاح أي مهمةٍ، مهما كان نوعها ومكانها وزمانها أيضا.
وإذا كان القصيبي قد خاض معركته المناسبة في سبيل كرسي الثقافة والعلوم والفنون والآداب، تحت مظلة الأمم المتحدة في الوقت غير المناسب، فإن الدريس ذهب إلى أداء مهمته التي أصبحت لاحقاً مهماته المناسبة، في الوقت المناسب تماما، فكانت النتيجة نجاحاً باهراً تعدّى حدود المنظمة التي ما زال بعضهم ينظر إليها باعتبارها إحدى منظمات الفشل الأممي. وبالتالي، لا داعي لأي مجهود أو أموال تبذل فيها.
حسناً.. في السنوات العشر التي تنوعت فيها مهمات الإعلامي والباحث والأديب السعودي، زياد الدريس، اتضح أنها أهم بكثير مما يعتقد أصحاب المنطق الانسحابي، وأنّ كثيراً، أو قليلاً، من الجهد الحقيقي في مثل هذه المنظمات، يمكن أن ينتج عنه الكثير من الضوء تجاه قضايانا في نظر العالم كله.
وإذا كان منصب المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية في منظمة اليونيسكو يخصه، ويخص السعودية وحسب، فإن مناصبه وأدواره الأخرى في سياق هذه المنظمة تخصنا كلنا نحن العرب، ذلك أن الدريس الذي يغادر غداً الجمعة مكتبه في المنظمة الأممية في باريس، متجهاً إلى الرياض، سيترك، أيضاً، كما يبدو، رئاسة الخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية في "اليونيسكو"، والإشراف على الاحتفالية السنوية باليوم العالمي للغة العربية، بعد أن أشرف على آخر احتفاليةٍ لها قبل أيام.
ومن المؤكد أن جميع المعنيين بالثقافة العربية الراهنة، والمتابعين لشؤونها وشجونها، على الصعيد الدولي، لاحظوا النقلة الكبيرة التي أحدثها وجود زياد الدريس في منصبه، أو مناصبه، الإدارية والثقافية في باريس، فهو لم يكن موظفاً عادياً من فئة عشرات الموظفين العرب الذين تعج بها ردهات "اليونيسكو" ومكاتبها على مر السنين الماضية، بل حاول دائماً أن يحدث ذلك الفرق اللافت في توثيق كثير من المواقع والفنون والآداب التراثية السعودية والعربية والإسلامية في سجل التراث الإنساني رسمياً، بالإضافة إلى دوره الكبير في تكريس عروبة أماكن ورموز فلسطينية كثيرة محتلة، في مقدمتها ما فعله وراء الكواليس في إقرار ملكية العرب والمسلمين القدس تاريخياً عبر قرار أممي، لم تفق إسرائيل من صدمته حتى الآن!
في تغريداته الوداعية، قال الدريس؛ "سأبدأ بالعمل على كتابة وتوثيق تجربة "يونيسكو"، والإنجازات التي حققها زملائي وأنا، في خدمة قضايا وملفات وطنية وعربية وإسلامية وإنسانية. كما سأكتب عن الصعوبات التي واجهتها، والإخفاقات التي وقعت فيها خلال تجربتي اليونيسكية، فالطريق في "اليونيسكو" لم تكن دائما سالكة".. وهذا يعني أننا بانتظار الجزء الثاني من رواية "دنسكو"، وستكون المهمة صعبة جداً أمام من سيخلف الرجل الكبير في مناصبه ومعاركه وانتصاراته العظيمة على سونيا ورفاقها من الواقعيين والخياليين، في طريقه التي لم تكن سالكة أبداً.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.