ظل التحذير من شرب "الدواء القاتل" في الفيلم المصري الشهير "حياة أو موت" قبل نحو 62 عاماً عالقاً في أذهان العديد من الأجيال المتلاحقة منذ ذلك التاريخ، لكن المشهد السينمائي قد يتبدل إلى واقع خلال أيام قليلة، ولكن الدواء لن يكون هو القاتل وإنما سعره، الذي يحول دون وصول شرائح كثيرة من المصريين إليه في ظل قفزات غير مسبوقة.
ويترقب المصريون زيادة في أسعار نحو 15% من الأدوية المصنعة محلياً و20% من المستوردة، بنسب تتراوح بين 30% و50%، وذلك بعد أن توصلت الحكومة وشركات الأدوية إلى اتفاق حول ذلك خلال الأسبوع الماضي.
وتأتي هذه الزيادة بعد نحو ستة أشهر فقط على قرار الحكومة زيادة أسعار 7200 صنف تقل أسعاره عن 30 جنيهاً بنسبة 20%، ما يزيد من معاناة الفقراء، الذين يتجاوز عددهم وفق البيانات الحكومية 32 مليون شخص، بينما تشير البيانات غير الرسمية إلى وصولهم لأكثر من 45 مليوناً من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 92 مليون نسمة.
ويعاني الكثير من المصريين من موجة الغلاء غير المتوقفة خلال الأشهر الأخيرة وعدم مقدرة أعداد كبيرة على الحصول على رعاية طبية وأدوية مدعومة، في ظل النظام الحالي، الذي يتجه بقوة إلى خصخصة القطاع الطبي ونفض يده من الإنفاق عليه.
واتفقت الحكومة مع شركات الأدوية على زيادة أسعار الأصناف المحلية التي يقل سعرها حالياً عن 50 جنيهاً بنسبة 50%، وزيادة التي تتراح أسعارها بين 50 و100 جنيه بنسبة 30%، والتي تتراوح بين 100 إلى 150 جنيهاً بنسبة 40%، في حين يتم زيادة جميع الأصناف المستوردة بنسبة 30%.
ويقول مصدر مسؤول في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، إن ممثلي الشركات الأجنبية أقنعوا مسؤولين كباراً في الدولة بضرورة زيادة أسعار الأدوية بالنسب التي تم الاتفاق عليها.
وجاء الاتفاق على زيادة أسعار الدواء رغم تأكيد وزير الصحة أحمد عماد، في تصريحات لفضائية "دريم" المحلية في السابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن هامش الربح لدى شركات الدواء الكبيرة يصل إلى 400%.
وتقول شركات الأدوية إن تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية منذ الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أثَّر بالسلب على نشاطها، لاسيما بعد أن قفز سعر صرف الدولار الأميركي إلى أكثر من الضعف منذ ذلك الحين.
ويقول مسؤولون في قطاع الأدوية إن الزيادات المزمع تطبيقها على أسعار الأدوية، يستفيد منها عدد صغير من الشركات الأجنبية الكبرى، مشيرين إلى أن زيادة الأسعار لن تحل أزمة نقص الأدوية في الأسواق مستقبلاً خاصة الأكثر طلباً.
اقــرأ أيضاً
وبحسب محمد غنيم، عضو شعبة الأدوية في الاتحاد العام للغرف التجارية، فإن "شركات الأدوية اجتمعت 10 مرات خلال الأيام الماضية مع وزارة الصحة، وتم تقديم أكثر من مقترح للزيادة، لكن الوزارة تبنت رأي الشركات الأجنبية وتجاهلت باقي الآراء".
ويقول غنيم لـ"العربي الجديد": "الشركات ستتجه إلى زيادة أسعار الأدوية الأكثر مبيعاً وليس الأدوية الخاسرة، حتى تحقق أكبر نسبة ربح"، مشيراً إلى أن الشركات الأجنبية تبالغ بالأساس في تسعير أدويتها وبالتالي ستكون هي المستفيد الأكبر من عمليات الزيادة في الأسعار.
ويضيف أن هناك شركات لديها أكثر من 400 مستحضر دوائي وأخرى لديها 60 أو 20 مستحضراً فقط، وبالتالي تحديد نسبة الأدوية التي تنطبق عليها زيادة الأسعار بنحو 15% كحد أقصى للمنتجات المحلية و20% للمستوردة سيكون ظالماً.
ويقول: "مشكلة مصر تتعلق بالتسعير العشوائي للأدوية، مما تنتج عنه مكاسب خرافية لبعض الشركات وظلم كبير لشركات أخرى".
ويكشف أن أكثر من 25% من الأدوية المباعة في مصر يجب أن تنخفض أسعارها، ونحو 60% تستطيع الاستمرار بهذه الأسعار دون زيادة، ونحو 15% من الأدوية تحتاج زيادة عاجلة، مشيراً إلى أن الشركات الأجنبية تستحوذ على 60% من مبيعات السوق بحساب الأرباح، لكنها تبيع نحو 20% من المنتجات فقط.
وبحسب محمد زاهر، البالغ من العمر 64 عاماً، فإنه مثل الكثير من المصريين كان يعمل حرفياً وليس له معاش أو تأمين صحي، بينما يعاني وزوجته من أمراض مزمنة تحتاج إلى أدوية بشكل دوري بينما لا يجد سبيلاً لذلك سوى بتكافل بعض الأقارب والجيران.
ويقول زاهر "كنا نشاهد في التلفزيون فيلم عماد حمدي، الذي يتم تحذيره من شرب دواء قاتل لاحتوائه على مادة غير سليمة، لكننا اليوم معرضون للموت بسبب أسعار الدواء".
ويبلغ عدد مصانع الأدوية في مصر نحو 150 مصنعاً، منها 18 مصنعاً للشركات الأجنبية العالمية "مالتي ناشيونال"، و14 مصنعاً حكومىاً، والباقي قطاع خاص، بخلاف المكاتب التجارية المملوكة للشركات الأجنبية، التي تستورد دواء تام الصنع أو يصنع لدى المصانع الموجودة في مصر لحسابها.
ويقول مجدي جنيدة، عضو غرفة صناعة الأدوية لـ"العربي الجديد"، إنه يجب إعادة تسعير جميع الأدوية الموجودة في مصر، على أن يتم استثناء الأصناف الرابحة وزيادة أسعار الخاسرة.
ويضيف جنيدة أنه تم تقديم مقترح بإعادة تسعير المنتج الأصلي، بما يتناسب مع الوضع الحالي، ثم يتم تسعير الأصناف المماثلة والبدائل المحلية، على أن تقل عن السعر المستورد بنسب معقولة، مشيراً إلى أن شركات بعينها ستستفيد من الاتفاق الأخير بين الحكومة وشركات الأدوية، مما سيعمق الأزمة مستقبلاً ويدعو إلى تدخل جديد من الدولة في غضون أشهر قليلة.
وأكد تقرير حديث للمركز المصري للحق في الدواء، اختفاء أكثر من ألفي صنف دوائي بـ 19 محافظة، بعضها لأمراض مزمنة، مثل الضغط والسكر والكبد، بالإضافة إلى المحاليل الطبية وأدوية الأورام والصرع والقلب وأنواع الأنسولين ومشتقات الدم، وبعض أنواع الخيوط الجراحية، والإبر الدقيقة وأدوية التخدير، مشيراً إلى أن 77% من المستحضرات الناقصة ليس لها بدائل.
ويقول محمد فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن السوق يشهد نقصاً شديداً في جميع أنواع الأدوية المتداولة.
وشكل مجلس النواب (البرلمان) نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لجنة لتقصي حقائق أزمة نقص الأدوية، دون أن تجتمع، إذ رفض رئيس المجلس، علي عبد العال، مطالب اللجنة بزيادة عدد أعضائها، أو تنظيم زيارات ميدانية إلى مصانع ومخازن الدواء، ودعا رئيسها، محمد العماري، في اجتماع مُغلق، الأسبوع الماضي، إلى تجميد عملها، دون أن يكشف أسباب هذا القرار، وفق مصادر برلمانية.
وكان وكيل لجنة الصحة في البرلمان، أيمن أبو العلا، قال في تصريحات صحافية مرخراً، إن النواب يسمعون بأخبار تحريك أسعار الدواء عبر وسائل الإعلام دون أخذ رأيهم، أو الاستماع إلى مقترحاتهم، في إطار سياسة فرض الأمر الواقع، معلناً تبرؤ اللجنة من قرار الحكومة حال تمرير زيادة الأسعار.
اقــرأ أيضاً
كما قالت نقابة الصيادلة في بيان لها يوم الأربعاء الماضي، إنها أرسلت خطاباً، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي لمطالبته بمنع زيادة أسعار الدواء، والتي تأتي للمرة الثانية في عام واحد.
وطالبت النقابة بتشكيل لجنة تحت إشراف رئاسة الجمهورية، تضم جميع الأطراف المعنية بصناعة الدواء في مصر، والمتخصصين في عملية تسعير الدواء، مشيرة إلى أن هناك "محاولات مستميتة، لإبعادها عن شأن الدواء تصنيعاً وتوزيعاً وإخراجها من المعادلة رغم أن القوانين تجعل لها اليد الطولى في هذا الأمر".
وحذرت من أن إقرار زيادة الأسعار "من داخل غرف مغلقة بعيدة عن أعين المختصين" وعمن أناط بهم القانون المساهمة في توفير الدواء بسعر عادل للمريض لا يصب في مصلحة المصريين.
في المقابل، يرى عاملون في صناعة الدواء، أن تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية والذي أدى إلى انخفاضه بأكثر من 100% مقابل الدولار الأميركي أدى إلى ارتفاع المواد الخام التي تعتمد عليها المصانع المحلية بنسبة كبيرة.
وقفز سعر صرف الدولار من نحو 8.88 جنيهات في المصارف قبل تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى ما يقارب 20 جنيهاً مطلع الأسبوع الحالي.
ويقول مجدي علبة، الرئيس السابق لغرفة صناعة الدواء في اتحاد الصناعات، إن مصر تستورد نحو 95% من مستلزمات إنتاج الأدوية، وتستورد نحو 20% من الأنواع تامة الصنع.
ويضيف علبة لـ"العربي الجديد" أن أهم التحديات التي تواجه صناعة الدواء في مصر هي التسعير الجبري للمستحضرات الدوائية، خاصة في ظل تذبذب سعر الصرف وعدم استقراره عند نقطة محددة، والمشكلة الثانية هي صعوبة تسجيل المستحضرات في وزارة الصحة مما يحد من تنوع الأصناف.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط من أجل زيادة الأسعار، بدأت السوق تشهد بوادر أزمة جديدة في ألبان الأطفال التي سبق أن شهدت نقصاً حاداً قبل أشهر قليلة، وأثارت جدلاً كبيراً حول استيراد الجيش لهذه المنتجات.
ويقول محمد فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، في تصريحات خاصة، إن أزمة نقص لبن الأطفال ظهرت مجدداً، فضلاً عن ارتفاع سعره، موضحاً أنه تم رفع أسعار ألبان "فرانس ليت" المعروفة باسم "تحيا مصر"، والتي استوردها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، إلى 43 جنيهاً للعبوة بدلاً من 30 جنيهاً.
وكان أحمد فاروق، الأمين العام لنقابة الصيادلة، قال في تصريحات صحافية قبل أيام، إن زيادة أسعار ألبان الأطفال وصلت إلى 50%، مشيراً إلى أن الألبان المدعمة التى توزع من قبل منافذ وزارة الصحة توجد بكميات ضعيفة لا تكفي احتياجات السوق.
لكن هالة الماسخ، رئيسة قطاع الرعاية الأساسية في وزارة الصحة والسكان، نفت وجود أزمة بشأن ألبان الأطفال، مؤكدة أن الوزارة توفر العبوات المدعمة بأسعار مخفضة، ولا دخل لها بقرار ارتفاع أسعار الألبان المستوردة، فهى تخرج عن إطار التسعيرة الجبرية.
وبحسب الماسخ، فإن وزارة الصحة توزع الألبان من خلال منافذها البالغ عددها 1005 منافذ في وحدات الرعاية الصحية الأساسية والأمومة والطفولة بجميع المحافظات، مشيرة إلى أن الدولة تدعم ألبان الأطفال الصناعية بنحو 450 مليون جنيه سنوياً، ويتم صرفها عن طريق بطاقة ذكية للتحكم فى عملية التوزيع وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.
اقــرأ أيضاً
وتأتي هذه الزيادة بعد نحو ستة أشهر فقط على قرار الحكومة زيادة أسعار 7200 صنف تقل أسعاره عن 30 جنيهاً بنسبة 20%، ما يزيد من معاناة الفقراء، الذين يتجاوز عددهم وفق البيانات الحكومية 32 مليون شخص، بينما تشير البيانات غير الرسمية إلى وصولهم لأكثر من 45 مليوناً من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 92 مليون نسمة.
ويعاني الكثير من المصريين من موجة الغلاء غير المتوقفة خلال الأشهر الأخيرة وعدم مقدرة أعداد كبيرة على الحصول على رعاية طبية وأدوية مدعومة، في ظل النظام الحالي، الذي يتجه بقوة إلى خصخصة القطاع الطبي ونفض يده من الإنفاق عليه.
واتفقت الحكومة مع شركات الأدوية على زيادة أسعار الأصناف المحلية التي يقل سعرها حالياً عن 50 جنيهاً بنسبة 50%، وزيادة التي تتراح أسعارها بين 50 و100 جنيه بنسبة 30%، والتي تتراوح بين 100 إلى 150 جنيهاً بنسبة 40%، في حين يتم زيادة جميع الأصناف المستوردة بنسبة 30%.
ويقول مصدر مسؤول في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، إن ممثلي الشركات الأجنبية أقنعوا مسؤولين كباراً في الدولة بضرورة زيادة أسعار الأدوية بالنسب التي تم الاتفاق عليها.
وجاء الاتفاق على زيادة أسعار الدواء رغم تأكيد وزير الصحة أحمد عماد، في تصريحات لفضائية "دريم" المحلية في السابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن هامش الربح لدى شركات الدواء الكبيرة يصل إلى 400%.
وتقول شركات الأدوية إن تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية منذ الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أثَّر بالسلب على نشاطها، لاسيما بعد أن قفز سعر صرف الدولار الأميركي إلى أكثر من الضعف منذ ذلك الحين.
ويقول مسؤولون في قطاع الأدوية إن الزيادات المزمع تطبيقها على أسعار الأدوية، يستفيد منها عدد صغير من الشركات الأجنبية الكبرى، مشيرين إلى أن زيادة الأسعار لن تحل أزمة نقص الأدوية في الأسواق مستقبلاً خاصة الأكثر طلباً.
وبحسب محمد غنيم، عضو شعبة الأدوية في الاتحاد العام للغرف التجارية، فإن "شركات الأدوية اجتمعت 10 مرات خلال الأيام الماضية مع وزارة الصحة، وتم تقديم أكثر من مقترح للزيادة، لكن الوزارة تبنت رأي الشركات الأجنبية وتجاهلت باقي الآراء".
ويضيف أن هناك شركات لديها أكثر من 400 مستحضر دوائي وأخرى لديها 60 أو 20 مستحضراً فقط، وبالتالي تحديد نسبة الأدوية التي تنطبق عليها زيادة الأسعار بنحو 15% كحد أقصى للمنتجات المحلية و20% للمستوردة سيكون ظالماً.
ويقول: "مشكلة مصر تتعلق بالتسعير العشوائي للأدوية، مما تنتج عنه مكاسب خرافية لبعض الشركات وظلم كبير لشركات أخرى".
ويكشف أن أكثر من 25% من الأدوية المباعة في مصر يجب أن تنخفض أسعارها، ونحو 60% تستطيع الاستمرار بهذه الأسعار دون زيادة، ونحو 15% من الأدوية تحتاج زيادة عاجلة، مشيراً إلى أن الشركات الأجنبية تستحوذ على 60% من مبيعات السوق بحساب الأرباح، لكنها تبيع نحو 20% من المنتجات فقط.
وبحسب محمد زاهر، البالغ من العمر 64 عاماً، فإنه مثل الكثير من المصريين كان يعمل حرفياً وليس له معاش أو تأمين صحي، بينما يعاني وزوجته من أمراض مزمنة تحتاج إلى أدوية بشكل دوري بينما لا يجد سبيلاً لذلك سوى بتكافل بعض الأقارب والجيران.
ويقول زاهر "كنا نشاهد في التلفزيون فيلم عماد حمدي، الذي يتم تحذيره من شرب دواء قاتل لاحتوائه على مادة غير سليمة، لكننا اليوم معرضون للموت بسبب أسعار الدواء".
ويبلغ عدد مصانع الأدوية في مصر نحو 150 مصنعاً، منها 18 مصنعاً للشركات الأجنبية العالمية "مالتي ناشيونال"، و14 مصنعاً حكومىاً، والباقي قطاع خاص، بخلاف المكاتب التجارية المملوكة للشركات الأجنبية، التي تستورد دواء تام الصنع أو يصنع لدى المصانع الموجودة في مصر لحسابها.
ويقول مجدي جنيدة، عضو غرفة صناعة الأدوية لـ"العربي الجديد"، إنه يجب إعادة تسعير جميع الأدوية الموجودة في مصر، على أن يتم استثناء الأصناف الرابحة وزيادة أسعار الخاسرة.
ويضيف جنيدة أنه تم تقديم مقترح بإعادة تسعير المنتج الأصلي، بما يتناسب مع الوضع الحالي، ثم يتم تسعير الأصناف المماثلة والبدائل المحلية، على أن تقل عن السعر المستورد بنسب معقولة، مشيراً إلى أن شركات بعينها ستستفيد من الاتفاق الأخير بين الحكومة وشركات الأدوية، مما سيعمق الأزمة مستقبلاً ويدعو إلى تدخل جديد من الدولة في غضون أشهر قليلة.
وأكد تقرير حديث للمركز المصري للحق في الدواء، اختفاء أكثر من ألفي صنف دوائي بـ 19 محافظة، بعضها لأمراض مزمنة، مثل الضغط والسكر والكبد، بالإضافة إلى المحاليل الطبية وأدوية الأورام والصرع والقلب وأنواع الأنسولين ومشتقات الدم، وبعض أنواع الخيوط الجراحية، والإبر الدقيقة وأدوية التخدير، مشيراً إلى أن 77% من المستحضرات الناقصة ليس لها بدائل.
ويقول محمد فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن السوق يشهد نقصاً شديداً في جميع أنواع الأدوية المتداولة.
وشكل مجلس النواب (البرلمان) نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لجنة لتقصي حقائق أزمة نقص الأدوية، دون أن تجتمع، إذ رفض رئيس المجلس، علي عبد العال، مطالب اللجنة بزيادة عدد أعضائها، أو تنظيم زيارات ميدانية إلى مصانع ومخازن الدواء، ودعا رئيسها، محمد العماري، في اجتماع مُغلق، الأسبوع الماضي، إلى تجميد عملها، دون أن يكشف أسباب هذا القرار، وفق مصادر برلمانية.
وكان وكيل لجنة الصحة في البرلمان، أيمن أبو العلا، قال في تصريحات صحافية مرخراً، إن النواب يسمعون بأخبار تحريك أسعار الدواء عبر وسائل الإعلام دون أخذ رأيهم، أو الاستماع إلى مقترحاتهم، في إطار سياسة فرض الأمر الواقع، معلناً تبرؤ اللجنة من قرار الحكومة حال تمرير زيادة الأسعار.
كما قالت نقابة الصيادلة في بيان لها يوم الأربعاء الماضي، إنها أرسلت خطاباً، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي لمطالبته بمنع زيادة أسعار الدواء، والتي تأتي للمرة الثانية في عام واحد.
وحذرت من أن إقرار زيادة الأسعار "من داخل غرف مغلقة بعيدة عن أعين المختصين" وعمن أناط بهم القانون المساهمة في توفير الدواء بسعر عادل للمريض لا يصب في مصلحة المصريين.
في المقابل، يرى عاملون في صناعة الدواء، أن تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية والذي أدى إلى انخفاضه بأكثر من 100% مقابل الدولار الأميركي أدى إلى ارتفاع المواد الخام التي تعتمد عليها المصانع المحلية بنسبة كبيرة.
وقفز سعر صرف الدولار من نحو 8.88 جنيهات في المصارف قبل تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى ما يقارب 20 جنيهاً مطلع الأسبوع الحالي.
ويقول مجدي علبة، الرئيس السابق لغرفة صناعة الدواء في اتحاد الصناعات، إن مصر تستورد نحو 95% من مستلزمات إنتاج الأدوية، وتستورد نحو 20% من الأنواع تامة الصنع.
ويضيف علبة لـ"العربي الجديد" أن أهم التحديات التي تواجه صناعة الدواء في مصر هي التسعير الجبري للمستحضرات الدوائية، خاصة في ظل تذبذب سعر الصرف وعدم استقراره عند نقطة محددة، والمشكلة الثانية هي صعوبة تسجيل المستحضرات في وزارة الصحة مما يحد من تنوع الأصناف.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط من أجل زيادة الأسعار، بدأت السوق تشهد بوادر أزمة جديدة في ألبان الأطفال التي سبق أن شهدت نقصاً حاداً قبل أشهر قليلة، وأثارت جدلاً كبيراً حول استيراد الجيش لهذه المنتجات.
ويقول محمد فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، في تصريحات خاصة، إن أزمة نقص لبن الأطفال ظهرت مجدداً، فضلاً عن ارتفاع سعره، موضحاً أنه تم رفع أسعار ألبان "فرانس ليت" المعروفة باسم "تحيا مصر"، والتي استوردها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، إلى 43 جنيهاً للعبوة بدلاً من 30 جنيهاً.
وكان أحمد فاروق، الأمين العام لنقابة الصيادلة، قال في تصريحات صحافية قبل أيام، إن زيادة أسعار ألبان الأطفال وصلت إلى 50%، مشيراً إلى أن الألبان المدعمة التى توزع من قبل منافذ وزارة الصحة توجد بكميات ضعيفة لا تكفي احتياجات السوق.
لكن هالة الماسخ، رئيسة قطاع الرعاية الأساسية في وزارة الصحة والسكان، نفت وجود أزمة بشأن ألبان الأطفال، مؤكدة أن الوزارة توفر العبوات المدعمة بأسعار مخفضة، ولا دخل لها بقرار ارتفاع أسعار الألبان المستوردة، فهى تخرج عن إطار التسعيرة الجبرية.
وبحسب الماسخ، فإن وزارة الصحة توزع الألبان من خلال منافذها البالغ عددها 1005 منافذ في وحدات الرعاية الصحية الأساسية والأمومة والطفولة بجميع المحافظات، مشيرة إلى أن الدولة تدعم ألبان الأطفال الصناعية بنحو 450 مليون جنيه سنوياً، ويتم صرفها عن طريق بطاقة ذكية للتحكم فى عملية التوزيع وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.