زيادة في المحروقات والسجائر بتونس... والبقية تأتي

04 يوليو 2017
مخاوف من زيادة أسعار الطاقة بتونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -







لم تكن نهاية الأسبوع سعيدة للتونسيين بعد أن أمطرتهم الوزارات بسلسلة بيانات رسمية بشأن الزيادة في أسعار المحروقات والسجائر، في انتظار ما تُخلفه هذه القرارات من ارتفاع في كلفة المعيشة.

وأعلنت وزارات الطاقة والتجارة والمالية قبل يومين عن تعديل في أسعار المحروقات باستثناء غاز الطهو والنفط المسال، فضلا عن زيادة لا تقل عن 6% في أسعار مختلف أصناف السجائر المحلية والموردة.

ويترقب التونسيون في قادم الأيام حملة زيادات ستطاول السلع المعيشية والخدماتية من نقل وكهرباء وماء وغيرها بسبب تداعيات الزيادة في أسعار الطاقة، خاصة أن الحكومة لم تستثن في تعديل تعريفة أسعار المحروقات السولار، أكثر المواد استخداما في كل الأنشطة الاقتصادية، رغم المطالب الملحة بدعمه من قبل مهنيي الصناعة والزراعة.

ويجمع المهتمون بالشأن الاقتصادي على أن قطار الزيادات يخفي قطارات أخرى، نظرا لما سيترتب عن تعديل سعر المحروقات من زيادة في أسعار المواد الأساسية ومعدلات التضخم، فضلا عن مزيد هروب التونسيين نحو المحروقات والسجائر المهربة في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الحرب الشاملة على التهريب والتجارة الموازية.

وتحاول الحكومة التونسية تغطية العجز للموازنة حيث لم تشفع لها القروض التي تحصلت عليها لتحقيق ذلك، في ظل غياب الحوكمة الرشيدة والأعباء الكبيرة على المالية العمومية، نتيجة كتلة الأجور الضخمة وتعطل جزء من آلة الإنتاج المحلي المرتبطة أساسا بالطاقة والفوسفات.

وقال الخبير المالي محمد صالح الجنادي إن الحكومة تواصل سياسة الترميم التي دأبت عليها الحكومات السابقة في غياب حلول جذرية ومستدامة لخفض وارداتها الطاقية، وعجز الميزان الطاقي وفق تصريحه لـ "العربي الجديد".

ودعا الخبير الاقتصادي والمالي إلى ضرورة توسيع طاقة مصفاة النفط الوحيدة في البلاد، والتفكير في الاستثمار في مصفاة ثانية لخفض الواردات الطاقية المتضخمة بفعل انزلاق سعر الصرف وتواصل انزلاق الدينار المحلي.
وتتوقع تونس أن يزيد عجز الميزانية في 2017 إلى 5.9%، مقارنة مع توقعات سابقة لعجز نسبته 5.4% بسبب ارتفاع قيمة واردات الطاقة وهبوط قيمة الدينار.

في المقابل، يتوقع عضو غرفة أصحاب محطات بيع الوقود، محمد صادق البديوي، أن تؤثر الزيادة في سعر المحروقات على مبيعات القطاع المنظمة، مشيرا إلى أن هذه الزيادة تخدم مصالح المهربين.

وقال البديوي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن القطاع المنظم فقد أكثر من 70% من رقم معاملاته في المحافظات الجنوبية، ونحو 50% في بقية المحافظات، بسبب انتشار ظاهرة بيع المحروقات المهربة من ليبيا والجزائر، مشيرا إلى أن الزيادة الجديدة التي فرضتها الحكومة ستفاقم من ظاهرة إقبال التونسيين نحو البنزين المهرب، فيما يواصل القطاع المنظم تخبطه في مأزق ارتفاع الضرائب المفروضة عليه وتراجع مردوده.
ولا يتوقع المهتمون بالشأن الاقتصادي مصيرا لقطاع التبغ أحسن من مصير تجارة المحروقات، معتبرين أن الزيادة في الأسعار تزيد من الإقبال على السجائر المهربة وإحكام أباطرة القطاع القبضة عليه، في الوقت الذي تراهن فيه الحكومة على رفع إيراداتها المباشرة من الضرائب الموظفة على السجائر.

وتعد السجائر من المصادر الرئيسية للضرائب المباشرة في تونس، كما تصنف ضرائبها من بين الأعلى في العالم، بحسب منظمة الصحة العالمية، حيث يوفر بيع السجائر المحلية لخزينة الدولة التونسية عائدات مالية مهمة، تأتي من الضرائب غير المباشرة الموظفة على التبغ والمقدرة بنحو 76%.

وأبرمت تونس اتفاقية مع المنظمة العالمية للصحة، تنص على رفع أسعار السجائر سنوياً بنسبة لا تقل عن 10%، وذلك بهدف تحفيز المدخنين على الإقلاع عن التدخين، لا سيما الأطفال والمراهقين.

وتفيد إحصاءات حديثة للمعهد الوطني للإحصاء الحكومي، بأن الفرد التونسي يخصص أكثر مصاريفه للإنفاق على السجائر، حيث يقدر معدل إنفاقه على التدخين أكثر من 70 ديناراً شهرياً (36.5 دولاراً)، بينما يخصص 53 ديناراً (27.6 دولاراً) لمصاريف التعليم.
وتعاني تونس منذ سنوات من تراجع إيراداتها من ضرائب التبغ بسبب تفشي استهلاك السجائر المهربة، التي تباع على الأرصفة رغم الحملات الكبيرة التي قادتها مصالح الأمن والجمارك لتجفيف منابع التهريب التي تحتكر أكثر من 23 بالمائة من إجمالي رقم معاملات بيع السجائر، بحسب بيانات رسمية لمصالح الجمارك.

وتسعى تونس لإعادة فرض هيمنتها على سوق السجائر عبر تنويع العرض المحلي حيث رفعت وكالة التبغ الحكومية إنتاجها في السنة الماضية بنسبة 25%، فضلا عن تحسين وارداتها من المادة الأولية بهدف المحافظة على جودة النوعية.

وتأتي سلسلة الزيادات في الأسعار، التي أعلنت عنها الحكومة في إطار سلسلة الإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد الدولي على تونس لمراجعة الدعم.
وتستعد الحكومة قريباً لعرض مشروعها لمراجعة منظومة الدعم على الأحزاب والمنظمات، بحسب ما أكده وزير المالية بالنيابة محمد فاضل عبد الكافي، الذي أكد أن المنظومة الحالية غير منصفة ولا تمكّن مستحقي الدعم من التمتع بها، مؤكدًا غياب أي نية للزيادة في أسعار المواد الغذائية على المدى القصير.

دلالات
المساهمون