دلّ إصدار الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف بن راشد الزياني، في ساعة متأخرة من مساء الخميس- الجمعة، بياناً يجدد فيه تأكيد دول الخليج "دعم مصر ومؤازرتها بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي"، على أن القاهرة، وبالقيادة نفسها، ضربت أخماساً في أسداس يوم الخميس، بعد إشهار الزياني بياناً رفض فيه اتهام دولة قطر بـ"دعم الإرهاب"، من جانب مصر على لسان مندوبها في جامعة الدول العربية.
وكانت وسائل إعلام مصرية، مقرّبة من السلطات، قد انشغلت ساعات طويلة بالبيان الأول، في محاولة منها لاستكشاف ما إذا كان يعكس موقفاً خليجياً عاماً، أو أنه تعبير عن انزعاج تقليدي لدى الأمانة العامة لمجلس التعاون، أو فقط مجرّد رأي شخصي للزياني.
وجاء البيان الثاني ليكشف أن سابقه أحدث قلقاً شديداً لدى دوائر عليا في الحكم في مصر، وتركها في حيرة ما إذا كان ذلك يعني أن مزاجاً خليجياً جديداً قد استجدّ تجاه الرئيس السيسي، وأدائه السياسي، بعد "الدلال" الغزير الذي أغدق عليه، قبيل وصوله إلى الرئاسة وبعدها.
اقرأ أيضاً: سقوط جديد للدبلوماسية المصرية من بوابة ليبيا
اقرأ أيضاً: "شمّاعة" قطر و"شرشحة" أذرع الإعلام
مع العلم أن بيان الزياني الأول، جاء داعماً للدوحة، في مواجهة الاتهام المصري الرسمي غير المسبوق، والذي استدعت قطر، على إثره، سفيرها من القاهرة للتشاور، بعد ذيوع تسريبات هاتفية للسيسي، حين كان وزيراً للدفاع في بلاده، قبل أشهر من إمساكه بالرئاسة، تفوّه فيها بشتائم تجاه دول الخليج وقياداتها.
في المقابل، جاء البيان الثاني للزياني على إثر شيوع القلق المصري يوم الخميس، والذي وصل إلى حدّ يُمكن حسبانه ذعراً في أوساط الحكم في القاهرة، من ألا تكون اتصالات السيسي بقادة الخليج أجدت نفعاً. وكان الرئيس المصري، اتصل في اليوم التالي لإذاعة التسريب، بالملك سلمان وملك البحرين الشيخ حمد بن سلمان آل خليفة، وأمير الكويت صباح السالم الصباح، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في محاولة لتطويق آثار التسريب، الذي ترك آثاراً نفسية شديدة السلبية لدى شعوب دول الخليج تجاه السيسي والسلطة المصرية.
تراكمت المخاوف المصرية حتى وقت متأخر من ليل الخميس- الجمعة، خشية من "شيء ما" يحدث، أو سيحدث، بشأن رعاية السعودية، تحديداً، نظام السيسي، فكانت جولة من اتصالات كتومة، نشطت فيها القاهرة، لاستجلاء الأرضية التي يقف عليها بيان الزياني.
مع العلم أن بيان الزياني لم ينبئ، في الأصل، بانعطافة خليجية حادة تجاه السلطة في مصر، وإنما رفض اتهامات شديدة السوء تجاه دولة عضو في مجلس التعاون، وترأس دورته الحالية، أطلقتها القاهرة على لسان مسؤول رفيع، يمثلها في جامعة الدول العربية. وشدد بيان الزياني على حقّ قطر الذي تجيزه لها آليات العمل في الجامعة، عندما تحفظت على بندين في بيان صدر في ختام اجتماع المندوبين العرب في الاجتماع المخصص لليبيا، يوم الأربعاء.
ولا يجد المتفحص في هذا التحفّظ، أن الدوحة حادت عن البديهي والمعلوم، بل دلّت مواقف أعلنتها دول عربية عدة كالجزائر وتونس مثلاً، على أن "قطر لا تحمل السلم بالعرض"، ولم تتخذ موقفها بغرض تأزيم العلاقات مع القاهرة، إنما لتأكيد مبدأ أن "طلب رفع حظر بيع السلاح إلى ليبيا تطلبه حكومة وطنية هناك، غير قائمة حالياً، وللتذكير بوجوب التشاور المسبق بين الدول العربية، قبل قيام إحدى الدول الأعضاء بعمل عسكري منفرد على دولة عضو أخرى".
وجاء التحفظ في معرض طلب القاهرة مباركة عمليتها العسكرية، التي استهدفت مدينة درنة في ليبيا، بغرض ضرب تنظيم "داعش" هناك، ولم يتم التأكد من نجاح هذه العملية، بل شوهد على إثرها، على قنوات التلفزة، قتلى وجرحى مدنيون، بينهم أطفال، سقطوا ضحايا تلك الضربة.
وأثمرت اتصالات يوم الخميس بياناً ثانياً للزياني، ذكرت فيه مصادر قطرية لـ"العربي الجديد"، أن "الدوحة لا تراه ينفي البيان الأول، وإنها لا تعترض على أي دعم لمصر وأمنها واستقرارها". وجاء في البيان الجديد أن "دول المجلس تقف مع مصر وشعبها في محاربة الإرهاب وحماية مواطنيها في الداخل والخارج، وتأييد كل ما تتخذه من إجراءات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية في ليبيا، بعد العمل البربري لداعش بذبح 21 مصرياً".
ويمكن حسبان هذه العبارات ترضية مهمة للقاهرة، وتطميناً لها بأن المساندة الخليجية، والسعودية أساساً، لنظام السيسي، باقية على حالها. غير أن ذلك لا يعني توجّهاً من أجل إلزام قطر بخيارات لا تريدها. ويعني في الوقت نفسه، أن الفجوات المستجدة بين الرياض والقاهرة يمكن معالجتها، وإن بآليات متعددة، إعلامياً وسياسياً ومالياً. فالمراجعة وإعادة الحسابات وتنويع الرهانات، أمور واردة. أما الفجوات المتتالية بين الدوحة والقاهرة فتزداد اتساعاً، ما يعني أن معالجتها مرهونة بمفاجآت ومتغيرات ومستجدات غير منظورة حالياً.
اقرأ أيضا: "التعاون الخليجي" يندّد باتهام مصر لقطر بدعم الإرهاب