بسبب العديد من العوامل، يجد الكثير من السعوديين والسعوديات أبواب زواجهم من مواطنيهم مقفلة. ينظرون إلى الخارج علّهم يحظون بشريك الحياة الذي سيؤمّن الحياة السعيدة لهم، لكن، دون ذلك مشاكل كبيرة أيضاً.
عانى فيصل الهذيلي كثيراً من أجل الزواج. رفضت طلبه 13 عائلة تقدّم لخطبة بناتها، بسبب ضعف راتبه الشهري، ووجود سوابق جنائية عليه. لكنّه اليوم ينتظر مولوده الأول من زوجته المغربية التي تزوجها قبل ثلاثة أشهر. لم يجد فيصل حلاً "لإتمام نصف دينه" سوى طرق باب سماسرة الزواج من الخارج، بعدما تعذّر عليه الزواج بسعودية. يفسر الهذيلي لـ"العربي الجديد": "كان أمامي خياران، إمّا الزواج من الخارج من دون موافقة رسمية، أو البقاء عازباً إلى الأبد، فدخولي إلى السجن ستة أشهر في قضية تعاطي حشيش سدّ كلّ الأبواب في وجهي داخل البلاد".
الهذيلي ليس حالة شاذة، فعلى الرغم من القيود الصارمة التي تفرضها السعودية على زواج مواطنيها من الخارج، إلّا أنّ تقارير وزارة العدل تؤكد زيادة هذا النوع من الزواج في الأعوام الخمسة الماضية. كذلك، فإنّ التقرير الرسمي للعام 2015 أظهر أن المواطنات بتن ينافسن المواطنين في الزواج من أجانب. فقد بلغ عدد عقود زواج السعوديات بغير السعوديين في العام الماضي فقط 3352 عقداً. وبلغ عدد عقود زواج السعوديين بغير السعوديات 3596 حالة. كذلك، تُظهر تقارير غير رسمية أنّ الأرقام أعلى بكثير من الرسمية، لعدم حصول غالبية المتزوجين على رخص زواج رسمية.
شروط معقدة
لا يبدو زواج السعوديين من غير السعوديات بسيطاً. يتطلب الأمر ألّا يقلّ عمر مقدم الطلب عن ثلاثين عاماً، تتقلص إلى 25 في حال وجود صلة قرابة بين الزوج والزوجة الأجنبية. أما من سبق له الزواج فلا يسمح له بالزواج من أجنبية إلّا إذا أثبت بتقارير طبية أنّ زوجته الحالية مصابة بعاهة أو مرض يحول دون المعاشرة الزوجية، أو أن يكون مطلقاً أو أرمل. وكذلك، أن يكون صاحب الطلب موظفاً له دخل شهري. أما الشرط الأصعب فقد كان إثبات صاحب الطلب أنّه غير قادر على الزواج بسعودية، ومع أنه أُلغي قبل عامين، إلّا أنّ كثيرين تضرروا منه في السنوات الثلاثين الماضية.
وفي شروط خاصة، يُمنع زواج السعودي بغير سعودية، والسعودية بغير سعودي إذا كان المتقدمون بالطلب من الوزراء وشاغلي المرتبة الممتازة، أو من أعضاء السلك القضائي في وزارة العدل، وديوان المظالم، وكتّاب العدل، أو موظفي الديوان الملكي ومجلس الوزراء، وأعضاء مجلس الشورى، أو موظفي وزارة الخارجية الدبلوماسيين والإداريين، أو من الموظفين العاملين خارج السعودية أو عناصر القوات المسلحة في وزارة الدفاع والطيران، والحرس الوطني، وقوات الأمن الداخلي، سواء أكانوا ضباطاً أم أفراداً، أم من العاملين في المباحث والاستخبارات العامة من عسكريين أو مدنيين.
كذلك، يُمنع جميع الطلاب الذين يدرسون في الخارج، سواء أكانوا مبتعثين من قبل الحكومة أم يدرسون على حسابهم الخاص، وأيضاً رؤساء مجالس الشركات المساهمة والأعضاء المنتدبون للشركة. ويُمنع أيضاً موظفو وزارة الدفاع والطيران ووزارة الداخلية والحرس الوطني بجميع قطاعاتها من المدنيين، وأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام، وموظفو الجمارك.
ويشترط للحصول على الإذن بالزواج موافقة من وزير الداخلية أو من يفوّضه، على أن تكون الزوجة من جنسية إحدى الدول العربية والإسلامية، وللضرورة من جنسيات أخرى "وفقاً للضوابط الشرعية". كذلك، يشترط ألّا يكون الطرف غير السعودي من الجنسيات "غير المرغوب فيها" لأسباب تتعلق بشخصيته أو جنسيته أو ديانته، ويشمل ذلك الأشخاص المنتمين إلى المعتقدات التي لا تقرها الشريعة الإسلامية. كذلك، يُمنع تماماً الزواج من بنغلادشية وبورمية وتشادية وباكستانية من أصول بورمية.
وفي حال مخالفة الطرف السعودي لأيّ من هذه الشروط يجري تحويله إلى محاكمة المتزوج تأديبياً لدى ديوان المظالم، ويمنع من توثيق الزواج من قبل الجهات المختصة السعودية، كما تمنع الزوجة أو الزوج غير السعودي من دخول البلاد، ويصار إلى إنهاء إقامته (إقامتها) إذا كان مقيماً داخل السعودية.
تحايل
اضطر كثير من السعوديين الذين ارتبطوا بزوجات من خارج البلاد من دون حصولهم على موافقة السلطات إلى التحايل على الأنظمة والقوانين لإدخال زوجاتهم إلى البلاد. أهم هذه الطرق استقدام زوجاتهم تحت مسمّيات خادمات أو عاملات مشاغل. وهو ما لجأ إليه فيصل الباهلي الذي يقول إنّه لم يجد حلاً آخر: "ما زلت في الثامنة والعشرين، ولا يُسمح لي بالزواج من الخارج. تزوجت بطريقه غير نظامية، ودفعت مبلغ 5 آلاف دولار أميركي للمحامي لإكمال الأوراق في المغرب، ثم استقدمت زوجتي كعاملة في صالون تجميل. هذا الحل مؤقت، وأحاول تصحيح وضعي قبل مجيء طفلي الأول، فعدم الحصول على الموافقة الرسمية يعني أنني لا استطيع تسجيله في الأحوال المدنية، كما أنني قد أخضع للمحاكمة وترحيل زوجتي إلى بلادها. هو أمر أخشى من التفكير في وقوعه".
في حاله مشابهة، يحاول عبد العزيز العبدلي المتزوج من سورية منذ سبعة أعوام، أن يحصل على الموافقة الذهبية التي تمكّنه من تسجيل أبنائه الأربعة. لكن، لأنّه يعمل في إحدى الوظائف التي لا يُسمح لأصحابها الزواج من غير سعوديات لا يبدو قادراً على الحصول عليها. يقول العبدلي لـ"العربي الجديد": "تزوجت من سورية قبل اندلاع الحرب هناك، من دون أن أحصل على موافقة رسمية، فالشروط في ذلك الوقت كانت بالغة الصعوبة، وفي كلّ مرة كنت أتقدم بطلب لتصحيح وضع زواجي كان يرفض لأنني موظف في الجمارك. لم أجد حلاً سوى استقدام زوجتي كعاملة. نعيش كأي أسرة عادية، لكن لا أستطيع إدخال أبنائي إلى المدرسة لعدم حصولهم على أوراق ثبوتية".
البعض وجد حلاً سحرياً لتسجيل أبنائه، لكنه غير قانوني. من هؤلاء أبو بدر الذي سجل أبناءه من زوجته المغربية باسم زوجته السعودية، كخيار يسمح لهم بالتعليم والعلاج كأي طفلين سعوديين آخرين، بيد أنّ هذا الحل يهدد أبا بدر وزوجتيه بالسجن خمسة أعوام بتهمة التزوير في أوراق رسمية في حال اكتشافهم.
ولا تقتصر المعاناة على الرجال السعوديين، فمعاناة السعوديات أكبر. هن ممنوعات من استقدام أزواجهن إلّا كسائقين. كذلك، فإنّ القوانين لا تسمح للزوج الأجنبي بالعمل في غير مهنته المسجلة على بطاقة الإقامة، وهو ما يجعله غير قادر على الإنفاق على زوجته.
تكاليف أكبر وضوابط
يلجأ كثير من السعوديين إلى الزواج من الخارج بحجة أنّ التكاليف أقل، لكنّ دراسة سعودية لمجموعة من الباحثين أكدت أنّ تكاليف الزواج بغير السعوديات، تفوق على المدى الطويل تكاليف الزواج بالسعوديات، وأنّ الزواج من الخارج أحد أسباب زيادة نسبة العنوسة بين الفتيات السعوديات.
عرضت الدراسة التي أشرفت عليها جمعية "أواصر"، سلبيات الزواج العشوائي من الخارج، من خلال شهادات بعض الأزواج السعوديين. وفيها تعرض هؤلاء لابتزاز مستمر من قبل الزوجة وذويها الذين يرون في هذا الزواج صفقة أو مشروعاً يجب أن يدرّ عائداً لا يتوقف. شملت الدراسة أكثر من 100 مواطن سعودي تزوجوا من الخارج، وأكدت أنّ الكثير من الزوجات يتغير سلوكهن وطريقة معاملتهن لأزواجهم ما إن يحصلن على الجنسية السعودية.
إلى ذلك، تحاول السعودية الحدّ من الزواج غير المرخص، من خلال تهديد المأذونين بسحب ترخيصهم في حال عقد زواج من دون موافقة رسمية. وتحاول بعض الجهات الرسمية استصدار تشريعات جديدة تعاقب المتزوجين بغير موافقة، بغرامات كبيرة وعقوبات. كذلك، أفتى المستشار السابق في الديوان الملكي الدكتور عبد المحسن العبيكان أنّ زواج السعودي من الأجنبية المقيمة من دون تصريح "حرام ولا يجوز شرعاً لما فيه من مخالفة لولاة الأمر". مع ذلك، فإنّ هذه الخطوات لم تكن كافية للحد من زيادة عدد الزيجات من خارج السعودية.
على صعيد الجنسيات، وبحكم التقارب القبلي بين سكان المناطق الجنوبية في السعودية، والشمال اليمني، يفضل السعوديون والسعوديات الزواج من أقاربهم في اليمن. وبحسب تقرير وزارة العدل، حلّت اليمنيات على قمة الجنسيات المفضلة للرجال عام 2015. وجاءت السوريات في المرتبة الثانية، والفلسطينيات في الثالثة، ثم الباكستانيات، فالمصريات، والأردنيات. كذلك، فضلت السعوديات الزواج من يمنيين أولاً، ثم كويتيين، فسوريين، وقطريين، ومصريين.