يجمع المعرض متعدّد الوسائط ما بين أعمال الفيديو والتركيب والتصوير والرسم واللوحات والأداء، ويدمج جوابرة فيه عنصر الخيط في جميع الأشكال الفنية، حيث نجد لوحات مرسومة على الخيوط أو أعمالاً تركيبية منفذّة باستخدامها.
تبدو الخيوط في تجربة جوابرة (1976) الجديدة كأنما هي استعارات للأحلام غير المغزولة أو القابلة للغزل، أو للزمن المتجمّد حيناً والمكسور أحياناً كثيرة. وهي أيضاً تعكس تبادلات الهشاشة والقوة وعلاقتهما الجدلية وكيف تستطيع الخيوط عبر تكرارها وتراصّها في الوقت نفسه أن تحيك حالات من القوة.
الفنان في حديثه عن أعماله الجديدة، خص "العربي الجديد" بشهادته عن هذه التجربة، إذ يعود جوابرة إلى مقولات الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، صاحب "شاعرية أحلام اليقظة"، في تأويله للزمن والعلاقة معه: "في سياق بحثه الفلسفي في الزمن واستناداً إلى مقولات اللحظة والديمومة يقول باشلار: "نحن نموت ونحيا في الزمن، لأن الزمن لحظات معلقة بين عدمين": عدم الماضي وعدم الحاضر".
ويضيف جوابرة: "هو بحث عن مفهوم الزمن ومدى واقعيته المنطقية وقدرته على التأثير فينا، ومدى هذا التأثير على المحيط الإجتماعي والإنساني".
ويتابع "وفي تناول قضية الأسرى الفلسطينيين كعمل تجريبي لهذه المعاني الحسية والإنسانية تبيّن مدى صحة نظرية روبنال حول قيمة اللحظة في مفهوم الزمن، وعلاقتها بالفرد وشخصانيتها شبه المطلقة للقياس، وأن الماضي والحاضر ما هما إلا أفكار يمكن تخيلها بعيداً عن علاقتها بالزمن اللحظي القائم".
يرى جوابرة "إن ما يمكن استنتاجه من حالة اللافعل هذه، هو العامل الزمني الخاص والشخصي الذي يكّون في النهاية حالة تراكم شخصية تنتج شعوراً متناغماً وغامضاً حول سلوك إنساني يتسم بالتوحد والتشابه ويبقى من خلالها الزمن الواقعي المفقود تبعاً للحالة الشرطية لهذه الظروف اجتماعية كانت أم سياسية، ويبقى عامل الإثبات للوجود الفردي هو العامل الزمني الخاص والناتج عن الشخص نفسه فيما سيقدّمه من فعل إنساني عبر الكتابة أو الفن أو الموسيقى في اللحظة، ومن خلال تركيب هذا اللاتناهي يشكّل وحدة جديدة لا ترضخ للشروط المكانية لها".
أما النموذج التشكيلي الأقرب بصرياً لهذه الحالة من تركيب اللاتناهي، فهو بحسب جوابرة "الزخرفة الإسلامية التي لا تتبع المنطق الواقعي، عملية التكرار لشكل معين يفرز شكلاً جديداً تكون مركزيته الخطوط أو المساحات التي بُني الشكل اعتماداً عليها".
ويضيف "في الأعمال المقدّمة، لا يمكن قياس الزمن ولا الإمساك به إلا من خلال الخيوط التي تُنسج على القماش أو الخشب مشكّلة نقطة إنطلاق هشة لبناء العمل، وفي حال فقد الخيط ماهيته وقوته، فإن العمل نفسه يصبح غير موجوداً".
متابعاً "في العزلة التجريبية التي قمتُ بها، فإن الزمن (اللحظة) كان عاملاً مهماً في مفهوم حيزي الوجودي، من دون الانتباه للديمومة كحالة رفض للزمن، ومن خلال اللعب مع الزمن فإن الخيوط تفرض شروطها الحسية عبر تحويل الزمن من شيء غير مرئي إلى إفراز بصري يكون الخيط زمناً يمكن قياسه ومشاهدته، لا سيما وأن بناء الأعمال الفنية اعتمدت على الزمن الفعلي والتنفيذي اللحظي لإنتاجها. وينتهي الزمن بانتهاء تركيبها وبنائها او استخدامها".
بالنسبة للفنان الفلسطيني المولود في مخيّم العرّوب عام 1976، فإن "السؤال الأجدر والذي تجب مناقشته يتعلّق بالزمن ما بين اللحظة والديمومة، وكيف يمكن توظيفهما معاً وتحويلهما إلى وحدات بصرية تعكس هشاشتهما وضعفهما أو العكس، والقدرة على بنائها لتكوين "القوة" عبر تكرارها وتراصّها في الوقت نفسه. الخيط كان في مواجهة هذه النظرية التي خلقت أعمالاً متنوعة ما بين الجماليات والتوظيف المفاهيمي لهذه المصطلحات".