زلزال جديد في كرمانشاه

27 نوفمبر 2018
وسط الدمار (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -

في تمام الساعة الثامنة وسبع دقائق من مساء الأحد الماضي، اهتزّت محافظة كرمانشاه الواقعة غربيّ إيران، ولا سيّما مناطقها القريبة من الشريط الحدودي مع العراق، بعدما كان أهلها قد اختبروا هزّات عدّة منذ ضربها زلزال عنيف قبل عام واحد، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017. وهو الأمر الذي زاد من خوف سكان تلك المناطق، على الرغم من أنّ الزلزال الأخير الذي وقع قبل يومَين والذي بلغت حدّته 6.4 درجات على مقياس ريختر، لم يخلّف قتلى وفقاً لما أعلن المعنيّون حتى ظهر أمس الاثنين، إنّما تسبب في إصابات مختلفة لأكثر من 770 شخصاً. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا" أنّ الزلزال الذي شعر به سكان مناطق أكثر بعداً مثل إيلام وتبريز وأروميه والذي وصل تأثيره إلى العراق المجاور، كان مركزه في نقطة تقع على مسافة 17 كيلومتراً من منطقة سربل ذهاب، الأكثر تضرراً من زلزال العام الماضي. وتبعد تلك النقطة 18 كيلومتراً عن منطقة قصر شيرين الحدودية و33 كيلومتراً عن غيلان غرب، وكلها واقعة في محافظة كرمانشاه.

بحسب مركز الرصد والمسح الجيولوجي في البلاد، فإنّ هزّات أرضية ارتدادية عدّة تبعت الزلزال، زادت عن 160 هزة حتى ظهر أمس الإثنين. وقد زادت حدّة هزّات عدّة عن خمس درجات على مقياس ريختر، الأمر الذي اضطر سكان تلك المناطق إلى المبيت في العراء وتحمّل البرد القارس. وهي التجربة نفسها التي لم ينسها السكان هناك، إذ إنّهم ما زالوا حتى اليوم في مساكن مؤقتة. يُذكر أنّ زلزال العام الماضي أدّى إلى مقتل نحو 600 شخص وجرح آلاف آخرين، بينما خرّب 15 ألف وحدة سكنية. وذاك الزلزال العنيف ذاته، ربّما يكون هو سبب عدم وقوع عدد كبير من الضحايا هذه المرّة. يقول معنيّون في مراكز الهلال الأحمر الإيراني وإدارة الطوارئ، إنّ ما حصل يؤكّد أنّ المنازل المرمّمة أو المبنية حديثاً قادرة على مقاومة الزلازل. لكنّ مطّلعين آخرين على الوضع يرون أنّ سكن الناس في منازل مؤقتة مسبقة الصنع وفّرتها الحكومة لهم، ساهم في الحدّ من الإصابات البشرية التي وقع معظمها في خلال فرار السكان وليس نتيجة بقائهم تحت الأنقاض.

يشرح البروفسور المتخصص في الجيولوجيا والزلازل، بهرام عكاشه، لـ"العربي الجديد" أنّ "الزلزال الأخير لا يُصنَّف في الغالب هزّة ارتدادية ناتجة عن زلزال العام الماضي"، لافتاً إلى أنّ "تلك المناطق تقع على تصدّعات زلزالية رئيسة ما زال معظمها نشطاً منذ تحرّك الصفائح في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي". يضيف عكاشه الملقّب بـ"والد علم الزلازل" في إيران، إنّ "زلزال العام الماضي أثّر ربّما على نشاط صدع آخر"، منتقداً طريقة التعامل مع الحالات والكوارث الطبيعية بهذه الطريقة. وأكّد أنّ "مؤسسة الطوارئ التي أسّسها بنفسه قبل أكثر من عقدَين من الزمن، استُحدثت خصّيصاً بغرض التوعية"، مضيفاً أنّ "خوف السكان من تبعات الزلازل هو ما يخلق لديهم مزيداً من الحذر والوعي للتعامل مع الكوارث".




ويتابع عكاشه أنّ "كيفية التعامل مع الزلزال في أثناء وقوعه أمر مهمّ جداً، وهي تؤثّر كذلك على عدد الضحايا والإصابات"، مشيراً إلى "ضرورة التوعية، لا سيّما أنّ إيران بلد نشط زلزالياً". ويتحدّث عن العاصمة طهران التي يتوقّع "اختفاءها ودمارها بشكل كبير، عاجلاً أم آجلاً، إذ إنّها تقع كذلك على تصدّعات زلزالية". ويكمل أنّ "هزّة تزيد حدّتها عن سبع درجات على مقياس ريختر كفيلة بالتسبب في دمار واسع"، قائلاً إنّه "على الرغم من الزلازل المتكررة في مناطق مختلفة من البلاد فإنّ السكان ما زالوا لا يعرفون كيفية تعاملهم مع الأمر".

بعد وقوع الزلزال، فضّل كثيرون المبيت في العراء، بينما توجّه عدد كبير إلى محطات الوقود تخوّفاً من نقص محتمل فيه. وقد أتى ذلك في حين انقطع التيار الكهربائي وشبكة الاتصالات عن بعض القرى والمناطق الواقعة في كرمانشاه لساعات، قبل أن يعيد المعنيّون وصلهما. في سياق متصل، بيّنت المشاهدات مشكلة انعكست على المياه في بعض القرى، وقد أكّد مستشار محافظ كرمانشاه، مهرداد سالاري، وفقاً لما نقلته وكالة "تسنيم" للأنباء أنّ المياه عكرة وغير صافية في تسعة تجمعات قروية تشمل 149 قرية صغيرة، ما يعني أنّها غير صالحة للشرب. وقد دعا المستشار المواطنين إلى استخدام المياه المعدنية التي توزّع عليهم إلى حين حلّ مشكلة أنابيب المياه.

يبدو ممّا هو حاصل اليوم، أنّ فرق الإنقاذ والطوارئ استفادت من تجربة العام الماضي. في ذلك الحين، اشتكى المواطنون في المناطق المنكوبة من قلّة المعونات ومن عدم تغطية احتياجاتهم، مشيرين إلى أنّ المساعدات التي كانت تصلهم في الغالب من مواطنين إيرانيين يقطنون في محافظات ثانية أكثر من تلك التي قدّمتها الجهات الرسمية. أمّا هذه المرّة، فقد سارع المعنيون إلى متابعة الملفّ، وكلّف الرئيس الإيراني حسن روحاني محافظ كرمانشاه هوشنغ بازوند ووزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي بذلك. وبدورهما أجريا الاتصالات اللازمة، مؤكدَّين عقد اجتماع طارئ مع المعنيّين على الأرض قريباً. كذلك شكّلت وزارة الطرقات لجنة طوارئ ثانية لتقديم اللازم.




من جهته، قال بازوند إنّ قوات من الجيش والحرس الثوري الإيراني تقدّم المساعدات إلى المتضررين في المناطق المنكوبة، مؤكداً وجود مشكلة في تأمين مياه الشرب لبعض القرى، في حين أشار إلى أنّ فرق الإنقاذ أرسلت صهاريج مياه لتلك المناطق كذلك، فضلاً عن إعادة تأمين تغذيتها بالكهرباء والغاز. وشدّد بازوند على عدم وجود أيّ نقص في الاحتياجات الطبية الخاصة بمعالجة المصابين الذين تلقوا بمعظمهم إسعافات أولية، في حين يُعالج 40 شخصاً فقط في المستشفيات. أمّا الهلال الأحمر فأكد إرسال أربعة آلاف حزمة من المعونات الغذائية إلى تلك المناطق، وهي ذاتها التي ما زال بعض سكانها ينتظرون حلّ مشكلات تسبّب فيها زلزال العام الماضي.
المساهمون