زلزال إيران المدمر... مناطق منكوبة في كرمانشاه

طهران

فرح الزمان شوقي

avata
فرح الزمان شوقي
14 نوفمبر 2017
C73B2518-6220-40A3-AEE3-1BE7644307D5
+ الخط -
الزلزال الذي كان مركزه في حلبجة شمالي العراق، مساء الأحد، وشعر بهزاته الارتدادية سكان الكويت وتركيا والسعودية وصولاً إلى لبنان، كانت حصيلة خسائره الأكبر في كرمانشاه الإيرانية بالذات

ليلة طويلة أمضاها سكان المناطق الغربية في إيران وعلى رأسها محافظة كرمانشاه التي ضربها زلزال الحدود العراقية ــ الإيرانية، مساء الأحد الماضي، فخلّف أضراراً واسعة ظهرت نتائجها تدريجياً وجعلت المنكوبين على قناعة بأنّ ليلتهم الأولى هذه لن تكون الأخيرة.

ارتفعت أرقام القتلى والجرحى بشكل مضطرد، منذ ساعات فجر الإثنين، مع أنها بدأت بأرقام لا تتجاوز عدد أصابع كلتا اليدين، وهو ما جعل بعضهم يستبعد وقوع عدد كبير من الإصابات كون المناطق المتأثرة حدودية، لكنّ هؤلاء كانوا على خطأ، فالزلزال الذي كان مركزه في مدينة حلبجة العراقية، استمر أربع دقائق تقريباً وشعرت به مناطق واسعة من إيران، فاهتزت أقاليم عدة على الخط الممتد من شمال غرب البلاد إلى جنوب غربها، وكانت مناطق قصر شيرين وسربل ذهاب الواقعتين في محافظة كرمانشاه الأكثر تضرراً.



وصفت مؤسسة الرصد الجيولوجي في إيران هذا الزلزال بالأضخم والأعنف في تاريخ المناطق الغربية من إيران، وقال خبراء فيها إنّه لو ضربها في ساعة متأخرة من الليل، لكانت حصيلة الخسائر البشرية أعلى بكثير، إلاّ أنه وقع في التاسعة تقريباً بحسب التوقيت المحلي، فكان عدد لا بأس به من السكان خارج منازلهم.

تحرك سريع
لدى الإيرانيين خبرة في التعاطي مع الهزات الأرضية، كون البلاد تقع على خطوط وتصدعات زلزالية عديدة، لكنّ الثغرات تنشأ أحياناً في مدى سرعة إيصال المساعدات إلى المنكوبين وهو ما قد يزيد من حجم الخسائر بمرور الوقت. لوحظ تحرك المسؤولين بسرعة منذ اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال الذي وصلت قوته إلى 7.3 درجات على مقياس ريختر، فرقم من هذا القبيل يعني أنّ الأمور لن تكون بخير طالما أنّها ضربت مناطق سكنية.

بدوره، عقد وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، اجتماعاً طارئاً، ليل الأحد، مع المعنيين في مديريات الطوارئ والكوارث الطبيعية، وطلب المساعدة من قوات الحرس الثوري والجيش الإيراني وحتى قوات التعبئة المعروفة باسم الباسيج بشكل رسمي، ولطالما كان للحرس بالذات الخبرة الجغرافية في تلك المناطق الحدودية مع العراق، والتي يسكن في بعض أنحائها أكراد إيران. وكان قائد الحرس محمد علي جعفري من السباقين في الوصول إلى كرمانشاه، وقسّم المهام بين المؤسسات العسكرية بتوزيع المناطق على قواتها، لتبدأ بإزالة الأنقاض وانتشال العالقين تحتها.




ومن المفترض أن يصل الرئيس، حسن روحاني، إلى تلك المناطق المنكوبة، اليوم الثلاثاء، بحسب ما أعلنت المواقع الرسمية الإيرانية، لكنّه أرسل عدداً من الوزراء قبله لمتابعة الأمور عن كثب، فضلاً عن ذهاب نواب من لجان برلمانية للإشراف على الوضع. جاء هذا بعد رسالة رسمية وجهها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، إلى كلّ الجهات الحكومية والعسكرية طالباً منها حشد قواتها لمساعدة المتضررين.

مساعدات إنسانية
أثار الزلزال الضخم ذعر الإيرانيين في مناطق عديدة من البلاد، لكنّ ما حدث في محافظة كرمانشاه التي دخلت في فصل الشتاء جرّ سكانها إلى العراء. اختبر هؤلاء العديد من الهزات الارتدادية التي تفاوتت في قوتها إذ تجاوز بعضها أربع درجات على مقياس ريختر. وذكرت هيئة المسح الجيولوجي أنّه حتى ظهر أمس الإثنين وقع أكثر من 146 هزة ارتدادية في كرمانشاه وحدها.

بالتزامن مع هذا، نشرت الوكالات الإيرانية، أنّ سبعين ألف نسمة في حاجة إلى خيم للإيواء وإلى مساعدات إنسانية، غذائية ودوائية. ويتعاضد المواطنون الإيرانيون عادة في التعامل مع حوادث من هذا القبيل، فقد توجه عدد من سكان العاصمة طهران إلى المستشفيات للتبرع بالدم، بعدما أطلقت مستشفيات كرمانشاه نداء عاجلاً، كما توجه عدد من الممرضات المتطوعات ليرافقن طواقم من الهلال الأحمر إلى المناطق المتضررة.

بدوره، يؤكد المستشار العمراني لمحافظ كرمانشاه مجتبى نكردار، أنّ إحصاء الأضرار البشرية والمادية ليس بالأمر السهل، مشيراً إلى أنّ الأولوية تتعلق بإخراج العالقين من تحت الأنقاض، مرجحاً ارتفاع أرقام الضحايا حتى خلال الأيام القليلة المقبلة. وفي حديثه إلى "العربي الجديد" يضيف نكردار أنّ الجميع يركز الآن على إزاحة المباني المهدمة "بعد إنقاذ العالقين ستكون هناك مجموعات لتقييم الخسائر المادية، خصوصاً أنّ سبع مناطق تضررت بشكل كبير".

آثار تاريخية لم تسلم
بالرغم من أنّ المسؤولين هرعوا إلى المناطق المنكوبة، لكنّ مشكلات أخرى ناجمة عن الزلزال تسببت بشكاوى من المواطنين. وخلال مقابلات مع التلفزيون المحلي، قال بعضهم إنّه يشعر بالبرد الشديد بسبب مبيته في العراء، وأشاروا إلى حاجتهم إلى وسائل التدفئة والأغطية وخيم الإيواء. بدورها، أكدت وكالات إيرانية منها "مهر" و"إيسنا" أنّ الخيم الموزعة لا تكفي لتغطية احتياجات المتضررين ممن فقدوا منازلهم أو حتى من اضطروا إلى البقاء خارجها بسبب الهزات الارتدادية.

فور حدوث الزلزال، انقطع التيار الكهربائي عن عدد من المناطق، وعاد إلى بعضها فحسب. كذلك، قطع الغاز الممدد عبر أنابيب عن كلّ مباني كرمانشاه وحتى بعض مناطق إيلام، وأكدت وزارة الطاقة أنّ هذا الأمر بالذات متعمد، لأجل الحفاظ على سلامة المواطنين ومنع وقوع أيّ انفجارات، إلا أنّه قد يزيد الحاجة إلى مصادر التدفئة.



واشتكى مواطنون أيضاً من تلوث مياه الشرب، وحاجتهم إلى زجاجات مياه معدنية، وأكدت الإدارة العامة لشركة المياه في كرمانشاه حصول أضرار في شبكة نقل الماء ما أدى إلى اختلاطها بالتربة أو حتى بأنابيب الصرف الصحي، وهذا ما سيزيد الوضع سوءاً، ويتطلب حلولاً سريعة، لمنع حصول أمراض أو رفع مستوى الاحتياجات الإنسانية. فضلاً عن كلّ هذا، عانت بعض المناطق من عدم توفر الخدمات الطبية، فقد تهدم مستشفى سربل ذهاب إثر الزلزال، واضطرت فرق الإنقاذ لنقل المصابين من تلك المنطقة وغيرها من القرى البعيدة التي لا تتوافر فيها خدمات طبية متقدمة إلى مستشفيات مدينة كرمانشاه، التي أعلنت بدورها حالة طوارئ، وهو ما استدعى أن يبادر الحرس الثوري إلى تشييد مستشفيين ميدانيين في الهواء الطلق لتقديم الإسعافات الأولية، فضلاً عن تجهيز 600 سرير في مستشفيات العاصمة طهران، لنقل المصابين الأكثر تضرراً إليها بالطائرات.

كذلك، أدت انهيارات جبلية إلى قطع الطريق الواصل بين مدينة كرمانشاه وسربل ذهاب، وهو ما أخّر وصول المساعدات أيضاً. وتوجه عدد كبير من المواطنين من الأماكن المحيطة إلى المناطق الأكثر تضرراً لتفقدها، وهو ما أدى إلى ازدحام شديد عرقل حركة فرق الإنقاذ مؤقتاً. ترافق هذا وارتفاع أسعار تذاكر الطيران من طهران إلى كرمانشاه، وهو ما تسبب في انتقادات شديدة على المواقع الإيرانية لمن يستغلون أوضاع سكان تلك المناطق أو حتى من يريدون الاطمئنان عليهم.

وبالتزامن وارتفاع عدد الضحايا، أكدت مؤسسة الموروث الثقافي في كرمانشاه لوكالة "فارس" أنّ خمسة مواقع تاريخية قد تضررت بشكل كبير، ثلاثة منها تقع في قصر شيرين، وواحد في سربل ذهاب، والآخر في دالاهو. وهو ما ذكّر الإيرانيين بما حدث في زلزال مدينة بم التاريخية، الذي وقع عام 2003 وتسبب في مقتل 26 ألف شخص ووقوع أكثر من 30 ألف إصابة، كما كان كفيلاً بأن تفقد المدينة طابعها وشكلها التاريخي الشهير.

تحذيرات لطهران
في تغريدات لصحافيين إيرانيين على موقع "تويتر"، نشر هؤلاء صوراً لمبانٍ حديثة تهدمت بفعل الزلزال، ومنهم من كتب أنّ على مهندسي طهران الوقوف على أطلال كرمانشاه علهم يتعظون ويراعون مواصفات البناء. عن هذا الأمر يقول عضو الهيئة العلمية في مركز تحقيقات ودراسات الزلازل الدولي، فريبرز ناطقي، لـ"العربي الجديد" إنّ الصور الآتية من كرمانشاه تدلّ على أنّ معظم المباني هناك إسمنتية أو استخدم القرميد في بنائها، وهي مواد تتسبب بالضرر في حال وقوع زلزال تبلغ شدته خمس درجات على الأقل. يضيف أنّ هناك مبانيّ مرتفعة شيدتها جمعيات سكنية، منها ما هو حكومي، تضررت بشدة، وأنّ هناك مباني غيرها أقل في عدد طوابقها انهارت كذلك، وكلّ هذا يعود إلى عدم مراعاة المعايير المطلوبة في هندسة البناء في المناطق الزلزالية كما يقول.

يضيف ناطقي، أنّ بعض الأبراج التي ليس من المفترض أن تتضرر بهذه الطريقة، زينت واجهاتها بمواد إسمنتية، وهو ما جعلها تنهار على المارة، فقدرة تحمّل البناء باتت أقل، منتقداً عدم مراعاة القواعد الرئيسية طالما أنّ إيران تقع جغرافياً على تصدعات زلزالية. يوضح أنّ تشييد مبانٍ بالاعتماد على هندسة الزلازل الخاصة، يجعل الأضرار طفيفة على الأقل.

هذا الكلام وما يشبهه، جعل كثيرين يقفون مجدداً عند احتمال وقوع زلزال في العاصمة طهران، التي تقبع فوق ستة تصدعات زلزالية رئيسية وستين تصدعاً فرعياً. يشير ناطقي إلى أنّ هذه المدينة كانت تتعرض لزلزال مدمر مرة كلّ 180 عاماً تقريباً: "زلزال كرمانشاه لا يعني أنّ ذاك التصدع الغربي يرتبط بتصدعات طهران، لكنّه على الأقل يجب أن يدق ناقوس الخطر علّه يقلل من الأضرار المتوقعة في العاصمة".

هذا الخطر الكامن الذي يحدق بعاصمة يسكنها 14 مليون نسمة تقريباً، يثير قلق المتخصصين المتخوفين من قدرة السلطات على التعامل مع الأمر في حال وقع زلزال تبلغ شدته ست درجات على الأقل، فهناك مناطق تقع في جنوب العاصمة تكثر فيها المباني القديمة، ناهيك عن تشييد مبان جديدة في مناطق تقع بالقرب من التصدعات. يترافق هذا وتقارير نشرها مجلس مدينة طهران البلدي في وقت سابق، تؤكد احتمال سقوط ثلاثة آلاف مبنى في طهران، إذا ما ضربها زلزال أو حتى حريق ضخم، ليكون مصيرها كمصير برج "بلاسكو" التجاري الذي شبّ فيه حريق ضخم تسبب بانهياره بالكامل، مطلع العام الجاري، ووضع المسؤولين أمام اختبار صعب، فطالت فترة عمليات الإنقاذ كثيراً وهو ما فتح عليهم نار الانتقادات.
دلالات

ذات صلة

الصورة
مبنى تعرض للقصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت، 26 سبتمبر 2024 (Getty)

سياسة

أطلق الاحتلال الإسرائيلي اسم "ترتيب جديد" بعد إعلانه اغتيال حسن نصر الله ملوحاً بالتصعيد أكثر في لبنان وموجهاً رسائل لإيران وحركة حماس
الصورة
محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران/13 فبراير 2021(Getty)

سياسة

اغتيل رئيس جهاز المباحث في قضاء خاش، حسين بيري، بعد تعرضه لإطلاق نار من قبل مسلحين، وقد تبنت ذلك جماعة "جيش العدل" البلوشية المعارضة.
الصورة
رد حزب الله وإيران | لافتة وسط بيروت، 6 أغسطس 2024 (Getty)

سياسة

تواصل إسرائيل الوقوف على قدم واحدة في انتظار رد إيران وحزب الله على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، والقيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر في بيروت.
الصورة
مقاتلة إسرائيلية من طراز أف 35 / 29 يونيو 2023 (Getty)

سياسة

قالت وسائل إعلام عبرية إن إسرائيل تستعد لرد مشترك "حتمي" من قبل إيران وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وجرت مناقشات لعدد من السيناريوهات "الصعبة".
المساهمون