زكي ناصيف: مساحات مفتوحة في برّية حميمة

09 مارس 2016
(1916 - 2004)
+ الخط -

تفتقر الموسيقى العربية إلى من يكتب سيرتها بشكل احترافي ويؤرخ لأهلها من مغنين ومؤلفين موسيقيين، مثلما يفتقر تاريخ الفن العربي عموماً إلى مثل هذه المبادرات. ربما يكون إلياس سحاب واحداً من القلّة التي اهتمت بدراسة تاريخ الموسيقيين العرب، وسيقدّم قراءة موسّعة حول الملحن والمطرب اللبناني زكي ناصيف في أمسية تتزامن مع ذكرى رحيله الثانية عشرة، يشهدها فضاء "ة مربوطة" في بيروت يوم الجمعة 11 من الشهر الجاري.

مائة عام تمرّ على ولادة ناصيف (1916 - 2004)، أحد أفراد "عصبة الخمسة"، في ضيعة مشغرة التي ستغني فيروز عن قمرها لاحقاً في موال من تأليف سعيد عقل. إلى جانب ناصيف، تألفت "عصبة الخمسة" من الأخوين رحباني وفيلمون وهبه وحليم الرومي وتوفيق الباشا، وقد استلهموا اجتماعهم من الحركة التي أطلقها خمسة من الموسيقيين الروس أطلقوا عليها The Mighty Handful.

كان الخمسة قد وضعوا هدفاً واضحاً، اختلفت طرقهم في الوصول إليه، وإن كانوا قد تعاونوا في كثير من الأغاني والمسرحيات لتحقيقه، وهو التخفّف من أثر الموسيقى المصرية وإبراز الموسيقى اللبنانية وموسيقى بلاد الشام بالعموم، والاستعانة بالتراث اللبناني والبدوي أيضاً لتحقيق منجز موسيقي يحمل هوية المنطقة ويخرج من القالب المألوف للتخت الشرقي آنذاك.

جميعهم ريفيون، لكن ناصيف بالذات لم يكن يحمل مزاج الرحابنة المتأثر بالموسيقى الأوروبية، ولم يكن يشبه مزاج فيلمون الساخر، وهو حتماً لا يشبه الباشا مؤلف السيمفونيات المتأثر بالتراث الموسيقي الأندلسي، ولا الرومي الذي ظلّت مسحة من الموسيقى المصرية تظهر في أعماله مع اهتمام خاص بتلحين الموشّحات.

كان مزاج ناصيف مستمداً من والدته التي ظل صوتها وهي تغني وتملأ البيت مواويل وعتابا وأغاني ريفية وبدوية يغذّي مزاجه الموسيقي، فظل مخلصاً لأغاني الريف بفرحها وحزنها، هو الذي غنى في عزّ الحرب الأهلية "راجع يتعمّر لبنان"، وهو الذي داعبت أغنيته "اشتقنا كتير يا حبايب" عواطف وحنين المغتربين والمنفيين والمهجّرين.

ورغم أن ناصيف صاحب صوت رقراق، يجمع بين قوة صوت وديع الصافي وعذوبة صوت نصري شمس الدين، إلى جانب عمقه ورنّته البرية التي تشبه غناء الرعاة بصوت نقي في مساحات مفتوحة، إلا أنه لم يصل إلى شهرة هؤلاء. أغلب الظن أن مرد ذلك عدم بقائه تحت خيمة الرحابنة التي ذبل كل من لم يقف تحتها.

مرّ ناصيف بطفولة ليست سهلة وانقطع عن دراسته ليساعد والده في عمله في دباغة الجلود، لكنه سيجد من يكتشف قوة صوته وموهبته، فيدرس الموسيقى في "الجامعة الأميركية" في بيروت، التي تُخصّص اليوم مقعداً باسمه لدراسة الموسيقى، كما عمل في السياسة أيضاً، فانتمي إلى "الحزب القومي السوري الاجتماعي"، ولحن له أناشيد مستلهمة من أفكار أنطون سعادة.

سيغيب ناصيف لسنوات طويلة، قبل أن ينهي سيرته الموسيقية مستثمراً كل رقته ومعرفته الموسيقية ومزاجه البدوي عام 1994 ليقدّم مجموعة من الأغنيات لفيروز، صدرت تحت عنوان "فيروز تغني زكي ناصيف".


اقرأ أيضاً: فيلمون وهبي: خفّة الارتجال التي تُحتمل

دلالات