لا يمكن للزعيم السياسي والحزبي المغربي "المعتزل" المحجوبي أحرضان، أن ينبس ببنت شفة من دون أن يثير كلامه سجالاً أو جدلاً، فالرجل من نوع القيادات المثيرة للجدل بطبعه، ويحمل خلف ظهره مساراً سياسياً حافلاً سواء إبان فترة الحماية الفرنسية، أو بعد مرحلة الاستقلال، طابعاً تاريخ البلاد بحضوره في محطات حكومية وسياسية كبرى، قبل أن يخلد في السنوات القليلة الأخيرة إلى "الراحة" والاهتمام بلوحاته التشكيلية التي يرسمها.
ولد المحجوبي أحرضان في عام 1921 ببلدة والماس الأمازيغية في جبال الأطلس، أتى إلى مرونة السياسة من صرامة الجيش، فهو عسكري التكوين والتدريب، إذ تخرّج من المدرسة العسكرية في مدينة مكناس عام 1940 بدرجة ضابط، وعمل قائداً في منطقته بعد تعيينه من طرف الجيش الفرنسي حينها، ثم ما لبث أن انتسب إلى الحركة الوطنية لمقاومة الاستعمار. التكوين العسكري لأحرضان صاغ شخصية صريحة غير مهادنة في كثير من الأحيان، لكنه صاغ أيضاً شخصية مناورة، تمتاز بالذكاء والدهاء. وهي كلها سياقات وعوامل ذاتية وموضوعية، دفعت بالرجل ذي الملامح الصارمة، الممتزجة بلسان أمازيغي فكاهي وساخر، إلى التقرّب من أصحاب القرار أيام الملك الحسن الثاني.
مسار "النضال والمقاومة" لأحرضان، الملقّب بـ"الزايغ"، نسبة إلى كتابه الشهير بالعنوان نفسه الذي ضمّنه سيرته وروايته للعديد من الأحداث الكبرى التي عرفها المغرب قبل الاستقلال وبعده، اتسم خصوصاً بانتسابه إلى مجلس المقاومة وشغله لمنصب في جيش التحرير الذي تم تفكيكه مباشرة بعد الاستقلال، بيد أن الرجل تعرض لاتهامات التخوين والتعاون مع الجيش الفرنسي بالنظر إلى منصبه العسكري السابق. أما المسار الحزبي لهذا الزعيم فقد تميّز بأنه كان وراء تأسيس حزب الحركة الشعبية بعد استقلال المغرب، بمعية الراحل عبد الكريم الخطيب، مع سعي الرجلين إلى سحب البساط من تحت رجل حزب الاستقلال، الذي كان مسيطراً على المشهد الحزبي في أواخر الخمسينيات وسنوات الستينيات من القرن الماضي.
وبعد تأسيس الحزب الجديد عام 1959 بسبع سنوات فقط، ظهرت الخلافات بين الصديقين التي انتهت بانقسام الحزب وتشرذمه، فخرج الخطيب تاركاً أحرضان متزعماً للحركة الشعبية، على أنه أسس حزب الحركة الشعبية الدستورية، الذي تحول في ما بعد إلى حزب العدالة والتنمية الحالي. وظل أحرضان الزعيم الأوحد لحزب الحركة الشعبية طيلة عقدين من الزمن، من دون منافسة، ولكونه تمكن من شغل العديد من المناصب الحكومية الرفيعة في عهد الملك الحسن الثاني، إلى أن حلّ عام 1986 فأُقيل الرجل في المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية، وتم تعويضه بامحند العنصر، الذي لا يزال إلى اليوم أميناً عاماً للحزب.
وأدى سياق تغيير قيادات الأحزاب ومحاولة "تشبيبها" في الثمانينيات من القرن الماضي، فضلاً عن بوادر إصلاحات في المشهد السياسي والحزبي بالبلاد، كما رغبة الحزب في تغيير قيادته، وشغل أدوار هامة في خريطة الانتخابات التشريعية لسنة 1987، للاستغناء عن خدمات وكاريزما أحرضان التي بدأت بالتآكل تاركة الفرصة لقيادات حزبية تخلفه. وعادت أسرة الحركة الشعبية إلى توحيد الصفوف بعد الانشقاقات الكثيرة التي شهدتها، من قبيل انشقاق حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية برئاسة محمود عرشان، وفي عام 2006 توحّدت الأحزاب المنشقة عن الاتحاد في حزب واحد هو الحركة الشعبية، تم فيه منح أحرضان منصباً شرفياً ورمزياً وهو رئيس الحزب، بينما العنصر ظلّ أميناً عاماً للحزب.
أما في المسار السياسي للرجل، فقد كان حافلاً بشكل لافت، فهو أحد القلائل الذين شاركوا في ثمانية أحزاب في مناصب وزارية مختلفة، أولها أنه تبوأ منصباً بات غير متاح حالياً، وهو منصب وزارة الدفاع في الفترة بين عامي 1961 و1964، وحالياً المنصب هو لملك البلاد لكونه، وفقاً للدستور، القائد الأعلى للقوات المسلحة. وبعد منصب وزير الدفاع، عُيّن أحرضان في قطاعات وزارية عدة في الحكومات التي قادها محمد عصمان وكريم العمراني وعبد المعطي بوعبيد وآخرون، أبرزها منصب وزير الفلاحة، ووزير دولة مكلفاً بالدفاع، ووزير للبريد والمواصلات، ثم وزير للدولة.
أحرضان من وجهة نظر مؤيديه، هو رجل دولة استثنائي عاصر عدداً من الملوك والحكومات، واستطاع الدخول إلى السلطة آتياً من أصول غير أصول العائلات الفاسية والرباطية المعروفة بحسبها ونسبها، لكن وفق معارضيه، هو سياسي مستفيد من مكاسب الانتخابات، وأن حزبه ليس سوى ديكور للحكومات المتعاقبة من دون أن تكون له رؤية أو استراتيجية واضحة يدافع بها عن الأمازيغية، بحسب رؤيته.