زرقة البحر الهاربة صوب القمم

28 ابريل 2015
+ الخط -
فتحت عيني، صباح السبت، على ربيع يتلصص عبر النافذة؛ يظهر ويختفي، حسب ما يسمح به ضباب القنيطرة، في صباحات الكسل الثقيلة. أين أدركه جليّاً فصيحاً، وبكل بلاغة الورود حين تغري بمُلك الله البهي؛ بالأرض حينما تصير أميرة للغواية؟

من لا يقرأ كتاب الأرض المغربية، في الربيع، لن يقرأ كتاباً أبداً.

ويهجس الهاجس: إن لم تسرع الخطى فلن تلحقها أبداً، وهي مستوية بين أنفة قرنين جبليين أشمين، وسكرى بين  ذراعين ريفيتين قويتين. إن لم تدرك زرقة البحر هذه، الهاربة من بحر تطوان، فلن تكون لك أبداً؛ أنت الذي قطعت العهد، ذات عبور مستعجل، بالعودة لمنازلة هذه الصاعدة إلى عل؛ هذه "السيزيفية" التي لا يتدحرج لها صخر أبداً. لن تنتظرك في السفح، لأنها كنسر عمر أبي ريشة؛ حتى وهو يموت لا يرضى بغير القمم قبراً..

ودونك أيها المُسرع الخطى، صوب غواية شفشاون، سهل الغرب؛ يستقبلك برحابة صدر، وشساعة لا نهاية لها، تلقي في وجهك بكل السكر وقصبه وشمندره. ذلول هذا السهل، أو لسان الغرب الأخضر، حيث تتمنى لو كنت ضمن قطعان الأبقار تقاسمها البهجة، والضحك من حكاية السبع العجاف في صحاري الأهرام.

سهل الغرب، سهل الفتيات الملثمات؛ ليس هروباً من النور، كالداعشيات، وإنما غيرة على الجمال الغرباوي من أن تلفحه شمس الحقول، وصوناً لعسيلته من النحل المشاكس، والأعمش، حد عدم التمييز بين فتاة ووردة.

بدءاً من جماعة "المقرن" تشيعك الملثمات، زرافات ووحدانا؛ منتصبات على قارعة الطريق، في انتظار الراحلة والرحلة صوب خصب مغربي أسطوري؛ في عام الخير هذا؛ عام السنابل ،تطاول قامات الرجال؛ ودواوين البساطة الشعرية الطبيعية، حينما تَنْظُم على أخف البحور وأعذبها. 

تعبر سوق أربعاء الغرب، بورصة القمح المغربية، ونوار الشمس والتوت البري؛ وفي ذهنك السياسي، تتهيأ جغرافية المنطقة الخليفية، بكل تاريخها الاستعماري الإسباني؛ بدءاً من معركة تطوان؛ وما تلاها من تذويب ممنهج لكل أنفة وكبرياء معركة وادي المخازن؛ على خلفية قرون الحضارة التي أبدعتها العبقرية المغربية والعربية في الأندلس.

تأبى على طوبوغرافية المنعرجات، المتدرجة من السهل إلى الممتنع، الصاعدة من السهل صوب الجبل، إلا أن أنسى التاريخ؛ أو قل افتح جِرابه، وأتغافل عنه ليتسلل عائداً الى كهوفه؛ ويتركني أتشمم عبق هذه التلال التي تبدو وكأنها اشتعلت شيباً. حقول تلية تقدم لك زهر القزبور الأبيض هدية، وتمضي إلى مخالطة مساحات من الفول والحمص والعدس؛ وكأنها تتآمر على شهر الصيام القادم، وترتب أحوال إفطاراتنا فيه؛ متحلقين حول "الحريرة" سلطانة رمضان.

ألم أقل لكم إننا لن نجوع فيها ولن نعرى أبداً؟ 

6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)