تواجه شركة "هواوي" الصينية، عملاقة الاتصالات والتكنولوجيا في العالم، ضغوطاً غربية هائلة تقودها واشنطن، على خط الصراع التجاري والاستثماري بين الولايات المتحدة والصين. فمن وراء هذه المجموعة الضخمة؟
إنّه رين تشنغفاي، الذي زرع بذرة إمبراطورية "هواوي" عام 1987، بصفتها وكيل مبيعات لشركة أخرى مقرّها هونغ كونغ، وبرأسمال لا يتجاوز 3500 دولار فقط، قبل أن يؤسّس عام 1990 عملها الخاص بالبحوث والتسويق، مستهدفاً الفنادق والشركات الصغيرة.
حُلم تشنغفاي تطوّر بخطى متسارعة، فبدأ من خلال شركته يُقدّم حلولاً لخدمات الهاتف المحمول عام 1997، موسّعاً نطاق عمله الجغرافي من الأرياف باتجاه المدن الكبرى، إلى أن حصد عام 1999 نحو 100 مليون دولار من الأسواق العالمية، قبل أن يفتتح سنة 2001 مراكز بحوث في الولايات المتحدة ويضم شركته إلى الاتحاد الدولي للاتصالات.
تعزيز حضور الشركة الناشئة انعكس بطبيعة الحال على حجم أعمالها، إلى أن بلغت مبيعاتها الدولية 552 مليون دولار، عام 2002، قبل أن تصنّفها "بزنس ويك" كواحدة من أكثر الشركات تأثيراً في العالم سنة 2008.
قدرة تشنغفاي على الابتكار ومواكبة متطلبات سوق الاتصالات مدّت أذرع "هواوي" في كافة اتجاهات الكرة الأرضية، إلى أن أصبحت الآن تنشط في الكثير من الدول، إضافةً إلى الصين، ومن أبرزها: أستراليا، بيلاروسيا، البرازيل، كندا، ألمانيا، اليابان، كازاخستان، ماليزيا، المكسيك، ميانمار، روسيا، جنوب أفريقيا، إسبانيا، سويسرا، تايلاند، تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، أوزبكستان وفيتنام.
استطاع إمبراطور الأعمال، المهندس المولود في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1944، أن يوفر فرص عمل لحوالى 180 ألف شخص ينشطون حالياً في شركته، التي أصبح لديها 13 مركز ابتكار مشتركا، و14 مركزاً أو معهداً للبحوث والتنمية، إلى أن حصدت عام 2017 عائدات بقيمة 92.5 مليار دولار.
وتشير تقديرات الشركة إلى بلوغ عائداتها 100 مليار دولار العام الماضي 2018، وهي تُعد الآن أكبر مصنّع لمعدّات الاتصالات، وثاني أكبر صانع للهواتف الذكية المحمولة في العالم.
لكن النجاح والتوسّع وإن كان يؤكد عبقرية الرجل، إلا أنه خلق له خصوماً يتصدّرهم حالياً الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي تحاول إدارته الضغط على الحكومة الصينية من خلال الضغط على تشنغفاي، الذي اعتُقلت ابنته في كندا بتأثير مباشر من واشنطن، في الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، لاتهامها بالتحايل المصرفي والإلكتروني فيما يتصل بانتهاك العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة على إيران.
تشنغفاي يسعى حالياً إلى التصدّي للحملة التي تُشن ضد أعماله، وكان له مؤخرا تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي"، اعتبر فيه أن اعتقال ابنته، المديرة المالية للشركة، منغ وان تشو، يُخفي خلفه دوافع سياسية، وقال: "أولاً، أعترض على ما قامت به الولايات المتحدة. هذا النوع من التصرفات ذو الدوافع السياسية غير مقبول".
وتنخرط حكومة بكين في التضامن مع مواطنها الملياردير، حيث قالت وزارة الخارجية الصينية، في فبراير/شباط الماضي، إن انتقاد نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، شركة "هواوي" "خاطئ ومغرض".
وكانت الخارجية الصينية ترد على قول بنس أمام "مؤتمر ميونخ للأمن"، زاد فيه الضغط على شركات الاتصالات الصينية، مثل "هواوي"، ودعا الحلفاء إلى تجنب التعامل معها، بذريعة أن القانون الصيني يلزمها بمنح بكين إمكانية الدخول على الشبكات والاطلاع على البيانات.
ولعل الذرائع الأمنية المعلنة تنطلق، إضافة إلى تضارب المصالح الاقتصادية، من خلفية الرجل الذي انضم بعد الانتهاء من دراسته الثانوية إلى جامعة تشونغتشينغ في الستينيات، قبل أن ينضم إلى "معهد أبحاث جيش التحرير الشعبي الصيني" للعمل كخبير تقني عسكري في وحدة أبحاث تكنولوجيا المعلومات.
وتقول واشنطن إن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين يمكن أن يستخدم معدات هواوي للتجسس على دول أخرى أو التسبب باختلال في شبكاتها للاتصال.
ومنعت الإدارة الأميركية مجموعة هواوي المتخصصة في تكنولوجيا الجيل الخامس من المشاركة في نشر شبكة الجيل الخامس في الولايات المتّحدة، محذرة من مخاطر ذلك على أمنها القومي. وتحضّ واشنطن حلفاءها الغربيين على اتخاذ إجراءات مماثلة.
وفي الأسابيع الماضية، أطلقت هواوي حملةً إعلامية مكثفة للدفاع عن سمعتها. وخرج مؤسس الشركة، المتكتّم عادةً، إلى العلن أكثر من مرة وعقد مقابلات عديدة مع وسائل إعلام غربية.
وهواوي شركة رائدة عالمياً في مجال الاتصالات. غير أن سيطرتها على هذا القطاع تزيد من مخاوف الولايات المتحدة التي تريد أن تبقى في الطليعة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وفي أغسطس/آب الماضي تفوقت هواوي على آبل لتصبح ثاني أكبر بائع للهواتف الذكية بعد سامسونغ الكورية الجنوبية. وفي الربع الثاني من عام 2017 باعت الشركة أكثر من 54 مليون هاتف محمول في أنحاء العالم ما يعادل 15% من حجم سوق الهواتف المحمولة في العالم.