بعد أسابيعَ قليلة من تكريمه في الجزائر، بمناسبة ستينية اندلاع ثورة التحرير، وسنتين بعد الاحتفاء الذي حظي به في مهرجان وهران للسينما العربية، لوحت الجزائر لأحد أبنائها بالاختيار المخرج الفرنسي رينيه فوتييه، صديق الثورة الجزائرية ونصير استقلال البلد.
افتتن رينيه مبكّراً بالفن السابع، الأمر الذي قاده إلى التعمّق في أبجدياته من خلال معهد الدراسات السينمائية. وقد التفت إلى المعاناة التي يحياها الإنسان في المستعمَرات المختلفة، ومنها الجزائر التي كانت بلاده قد احتلتها عام 1830، وحوّلتها إلى جحيم منسي، ساهم حتى الفنانون في التعتيم عليه، خصوصاً المشتغلين منهم في ميدان السينما الصامتة، مثل جاك فيدر وجان رينوار.
تعرّض فوتييه للكثير من المضايقات الأمنية حين ظهر شريطه "الجزائر تحترق"، في السنوات الأولى من ثورة التحرير التي انطلقت عام 1954. وقد ألحقه بفيلم "الجزائر أمة"، ضارباً عرض الحائط اعتبار فرنسا الرسمية الجزائر شطراً من أراضيها؛ ما جرّه إلى المحاكم بتهمة المساس بالأمن القومي الفرنسي.
وحين اقترفت فرنسا مجزرتها في ساقية سيدي يوسف على الحدود الجزائرية التونسية، في الثامن من شباط/ فبراير 1958، ظنّت أنها ستمرّ في صمت، لكن رينيه فوتييه أنجز شريط "ساقية سيدي يوسف" بالاشتراك مع ألبير آليمون، بطلب من فرانز فانون وعبان رمضان أحد قياديي جبهة التحرير.
الفيلم أثار انتباه الرأي العام العالمي إلى الجرائم الفرنسية في الجزائر، وكان عرضه مدعاة إلى مظاهرات تنديد حدثت داخل فرنسا نفسها؛ ما عزّز الشراكة بين فوتييه وآليمون، فأنجزا معاً شريطاً وثائقياً أسمياه "جيش التحرير الوطني في القتال".
لم يترك رينيه فوتييه التزامه الجزائري، بعد الاستقلال الوطني عام 1962، إذ أقدم على إنشاء "المركز السمعي البصري" في الجزائر ووضع خبرته الفنية والتقنية، تحت تصرّف الشباب الجزائريين الراغبين في ممارسة فن السينما، فكان ذلك نواة لتشكّل جيل من السينمائيين الجزائريين الذين تجاوزوا فخاخ السينما الكولونيالية.
عام 1966 غادر صديق السينما الجزائرية إلى فرنسا، ليجد نفسه محاصراً في المشهد الفرنسي، بالنظر إلى سوابقه في الوقوف إلى جانب الجزائريين، ومن ثمار هذا الحصار منع عرض أفلامه التي حصدت جوائز مهمة فيما بعد، مثل الجائزة الدولية للنقد في مهرجان "كان" عام 1972، والذي فضح من خلاله نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا.
رحيل فوتييه ترك أثره في الجزائر سيما بين السينمائيين والمثقفين. وكان واضحاً في الصحافة الجزائرية التقدير الذي تكنّه البلد لفنان شجاع قطع مع الاستعمار وعرف قدر الجزائر فعرفت قدره.