رينيه غينون.. رحلة إلى عبد الواحد يحيى

15 نوفمبر 2019
رينيه غينون
+ الخط -

بغض النظر عن الحمولات التي شُحن بها مصطلح الاستشراق منذ العمل المرجعي الذي أصدره إدوارد سعيد في 1979، فإن تعريف المستشرق يقتصر على باحث غربي جعل موضوعه الحضارات الشرقية. غير أن نفس التعريف سيكون مثار سؤال مع عدد من هؤلاء الباحثين ومنهم بالخصوص الفرنسي رينيه غينون (1886 -1951)، والذي بدأ مستشرقاً لينتهي إلى "شرقي"، حيث أنه قرّر أن يصبح عبد الواحد يحيى بعد أن أعلن إسلامه، أي أنه جعل من موضوعه حياتَه.

تمرّ اليوم ذكرى ميلاد غينون، والذي يمثّل بالتأكيد حلقة أساسية في علاقات الشرق بالغرب في العالم المعاصر، وهو الذي بدأ مساره من الرياضيات والفلسفة، ولعلّ هذين المُنطلقين هما اللذان أكسباه قراءة نقدية للواقع المعرفي الغربي دفعه إلى البحث أبعد منه، ومنه نظره صوب الشرق، واتخذ له مدخلاً إلى محاولة دراسة التصوّف باعتباره ظاهرة تبرز في كل الحضارات، وفي الوقت نفسه تحمل خصوصية كل واحدة منها.

كان أوّل احتكاك له بـ"الشرق" حين ذهب لتدريس الفلسفة في الجزائر بداية من 1917، قبل أن ينتقل في 1921 إلى القاهرة، والتي خاض فيها رحلة معرفية وروحانية في آن قادته إلى اعتناق الإسلام، وقد رفض العودة إلى فرنسا رغم دعوات كثير من أصدقائه الذين أثّر فيهم أيما تأثير، وبدأت تصوّراته حول الإسلام تضرب تلك الصور المكرّسة في الغرب، حتى أنه إلى اليوم يُعتبر أحد أكثر المؤثّرين في تطوير هذه الصورة، بل وأيضاً إرساء تقاليد معرفية جديدة في فهم الإسلام كظاهرة حضارية لا يزال أثرها في الحياة الأكاديمية الفرنسية إلى اليوم.

كان غينون يحظى باحترام الحياة الثقافية الفرنسية على الرغم من المغامرة الفكرية والروحية التي خاضها، علماً أن شخصيات أخرى دخلت في مسارات شبيهة أقصيت تماماً من الفضاء الفكري مثل غوستاف لوبون وروجيه غارودي، غير أن ذلك لم يكن يعني أنه أكثر من مصدر موثوق في فترة كان فيها الإسلام مجهولاً في بلاد موليير ولا يحمل الفرنسيون عنه - في بداية القرن العشرين - إلا بقية من أخبار حملة نابليون على مصر.

"شخصية ثقافية غير قابلة للتصنيف"، هكذا يصف الكاتب فيليب فور رينيه غينون في تقديم أحد مؤلفات الأخير، "أزمة العالم الغربي"، وهو في ذلك محق إلى حد كبير. 



دلالات
المساهمون