خلافاً للفنانين الذين اشتغلوا على موضوعة الحرب، مستلهمين من الواقع العنيف عناصر لأعمالهم، تختار التشكيلية ريم يسوف (1979) مفردات لوحاتها من عالم الطفولة ووداعته لتعبر عن احتجاجها على المقتلة السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات. قد لا تبدو المهمة سهلة، أي أن تكون اللوحة المخرَجة بشكل "رقيق" مبنية على ذاكرة مشحونة بصور العنف والموت، وأن تستعيض الفنانة عن الصراخ بالهمس لتعبّر عن غضبها.
طائرات ورقية، سنونو، رسائل بريدية، أطفال؛ هي المفردات الأساسية التي تؤلّف عالم يسوف المتخيل. تجتمع كل هذه العناصر، أو بعضها، في فضاء اللوحة لترفع من رمزيتها، كما في أحد أعمالها الأخيرة المعروضة حالياً في "غاليري أوروبيا" في باريس بعنوان "نسائم باردة".
يتمركز في وسط هذه اللوحة، بشكل مائل، جسد صغير لطفلة ترفع ذراعيها معلنة حالة من الطيران، ترافقها في رحلتها طيور السنونو. في الخلفية، تتجاور كتل لونية بأحجام مختلفة، تفصلها عن بعضها خطوط دقيقة وشفافة.
تستخدم يسوف قلم الفحم لرسم حدود عناصرها، ثم تضع بشكل تدريجي ألوانها على شكل طبقات شفافة من الأكريليك. في السابق، لجأت إلى ألوان صريحة وحارة، كما في لوحة تعود إلى عام 2009 نشاهد فيها امرأة تستعد للنهوض، بطريقة استعراضية، من على الأريكة، تستقر خلفها كتلة من اللون الأحمر الصريح. لتقتصر ألوانها لاحقاً على الأبيض والأسود والرمادي، إضافةً الى تدرجات الترابي والبني الذي يذكّر بألوان جبال القلمون المطلة على مدينة دير عطية، مسقط رأس الفنانة وخزّان ذكريات طفولتها.
الطفولة موضوعة جديدة في تجربة يسوف، ظهرت ملامحها الأولى في العام الأول من الانتفاضة السورية. كان انشغال الفنانة آنذاك ينصب على علاقة الأشخاص والعناصر بظلالها، مع حضور مميز لعنصر "القط" بوصفه شاهداً على حياة الشارع اليومية وصديقاً للطفل الذي أصبح، بسبب تطور الأحداث العنيفة، الموضوعة الرئيسية.
تعتبر يسوف أن من واجبها التذكير بمأساة الأطفال في سورية. لذلك، تبدو أعمالها بمثابة رسائل إنسانية موجهة للعالم: "أحاول، من خلال اللوحة، أن أوصل أفكاري لأي إنسان. أعتبر عملي نوعاً من الدفاع عن حياة الأطفال". قد يكون لجوؤها إلى هذه الموضوعة حمايةً للذاكرة القديمة أيضاً: "في حالة الخوف والعجز نعود، بشكل غير واعٍ، إلى مرحلة الطفولة".
وإذا اعتبرنا أن "نسائم باردة"، الذي يستمر حتى 23 كانون الثاني/ يناير المقبل، امتداداً لتجربة يسوف الجديدة، المجسّدة في معرضين فرديين سابقين، فإن ما يميز هذا المعرض، عدا عن حضور عناصر جديدة، كالسلّم والوردة والوشاح، هو النزوع أكثر نحو التجريب، خصوصاً على صعيد التأليف اللوني، مع الحفاظ على مفهوم اللوحة/ الرسالة. كتبت الفنانة في الكلمة المرافقة للمعرض: "لن أرسم خطاً بل كلمةً على ورقة بيضاء، ليحملها طيري الصغير إلى قلوبٍ تنتظر...".