صباح اليوم، استيقظ العالم العربي على خبر وفاة الفنانة الفلسطينية ريم بنا، بعد معاناة طويلة عاشتها مع مرض السرطان. نهاية الصراع الذي خاضته بنّا بشجاعة فائقة منذ عام 2009 كان صادماً، وإن متوقعاً، خصوصاً بعد بيان أصدرته عائلتها على لسان شقيقها فراس، تبلغ فيه جمهور الفنانة الفلسطينية أن حالتها الصحية تدهورت فجأة، وأنها كما كانت منذ 9 سنوات، تقاوم المرض. لكن هذه المرة كانت الكلمة الأخيرة للورم الخبيث، فرحلت ريم في أحد مستشفيات مدينتها الفلسطينية، الناصرة.
وكما انتهت الحكاية في الناصرة، فإنها بدأت هناك أيضاً، حيث ولدت ريم بنّا، يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 1966، وهي ابنة الشاعرة الفلسطينية المعروفة زهيرة صباغ. أحبت بنّا الموسيقى والغناء منذ صغرها، حيث شاركت منذ أن كانت في العاشرة من عمرها بالاحتفالات التي كانت تقام في المدرسة المعمدانية التي تلقت فيها تعليمها، كما أنها شاركت أثناء طفولتها في العديد من المهرجانات والمناسبات الوطنية التي كانت تقام في الناصرة. بعد أن تخرجت من المدرسة الثانوية قررت أن تحترف الغناء، فسافرت إلى موسكو للدراسة في المعهد العالي للموسيقى.
اقــرأ أيضاً
عام 1985 وقبل أن تكمل العشرين من عمرها، أصدرت بنّا ألبومها الأول "جفرا". كانت وقتها مقيمة في العاصمة الروسية، وهي الإقامة التي استمرّت حتى عام 1991. ثمّ عام 1986، وهي مستمرة في دراستها الأكاديمية، أصدرت ألبومها الثاني "دموعك يا أمي". أثناء الدراسة والعمل على الألبومين تعرفت ريم بنّا على الموسيقي الأوكراني ليونيد أليكسيانكو، الذي تشاركت معه بالعديد من التجارب الموسيقية، وتزوجت منه سنة 1991، وأنجبت منه بيلسان والتوأم قمران وأورسالم، قبل أن تنفصل عنه سنة 2010. ومنذ ذلك الوقت رسمت بنا شخصيتها الفنية، من خلال تخليها عن الزخرفة في الأداء الشرقي والميل نحو الإيقاعات الغربية والإلكترونية، الذي لم يؤثر على رغبتها بتسخير فنها لحفظ التراث الفلسطيني.
لكن قبل النجاح الكبير، نعود إلى موسكو، هناك أنهت عام 1991 دراستها الأكاديمية، تزوّجت، وعادت مع زوجها إلى فلسطين، الناصرة تحديداً، لتطلق سنة 1993 ثالث ألبوماتها الذي حمل عنوان "الحلم". بعد ذلك بدأ مشروع بنّا في حماية التراث اللامادي، حيث بدأت بمشروع تهدف فيه إلى تسجيل أغاني الأطفال التي ترددها الجدات، وانتقلت إلينا بالتواتر الشفوي ولم تتم أرشفتها. فخصصت لهذه الأغاني ألبومي "قمر أبو ليلة" (1995) و"مكاغاة" (1996). وفي تلك المرحلة حصلت بنا على العديد من الجوائز والألقاب الشرفية، منها: "سفيرة السلام" في إيطاليا سنة 1994، درع "مسرح إبسن القومي" في النرويج سنة 1996، درع "ألما- أتا" في "المهرجان العالمي للأغنية ــ صوت آسيا" في كازاخستان سنة 1996 وأيضاً "شخصية العام" في تونس سنتي 1997 و1998.
لم تحيد بنا نفسها يوماً عن القضية الفلسطينية، ولكن أغانيها أخذت منحى جديداً مع بداية الألفية الثالثة، ابتداءً من ألبوم "وحدها بتبقى القدس" سنة 2001، الذي انتقدت فيه تحويل القضية الفلسطينية إلى "ترند" وموضة فنية شائعة، لتؤكد أن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني يسموان فوق تلك الحالة التي تظهر بها القضية في الفن العالمي. وفي سنة 2005 أصدرت ألبوم "مرايا الروح" الذي قدمته للأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، لتبدأ باستخدام صوتها للإضاءة على قضايا مهمشة. وفي سنة 2006 أصدرت ألبوم "لم تكن تلك حكايتي" الذي أهدته للشعبين الفلسطيني واللبناني بالتزامن مع عدوان تموز/يوليو الذي شنّه الاحتلال الإسرائيلي على لبنان.
سنة 2007 أصدرت ريم بنّا ألبوم "مواسم البنفسج" الذي تضمن مجموعة من أشعار الحب من فلسطين، لتعود وتضيء على الأغاني والأشعار العاطفية الفلسطينية، التي أهملت بعد أن اقترنت الأغنية الفلسطينية بالسياسة في تلك الأعوام. وفي سنة 2009 أصدرت ألبوم "نوار وبيسان" لتعود به إلى أغاني الأطفال مرة أخرى، وأهدت الألبوم إلى الأطفال اللاجئين الفلسطينيين أينما كانوا.
كانت أعمال بنّا تتأرجح بين الحب والوطنية، وكانت ترى أنهما خطّان يتلاقيان دوماً، ولا يمكن أن يفترقا. سنة 2009 أصيبت بنا بسرطان الثدي، ولكنها رفضت الاستسلام للمرض، فقدمت مجموعة من أفضل أعمالها في مرحلة المرض، فأصدرت سنة 2010 ألبوم "صرخة من القدس" وسنة 2012 أوبريت "بكرا"؛ وفي سنة 2013 أصدرت آخر ألبوماتها وأفضلها، الذي حمل عنوان "تجليات الوجد والثورة" والذي اختزل فلسفتها الفنية، التي لم تبعد فيها يوماً العواطف الإنسانية عن الثورة، كما تميز الألبوم بالنزعة الصوفية، حيث تضمن الألبوم قصائد للحلاج. وحازت بنّا في نفس السنة على جائزة "ابن رشد" للتفكير الحر.
لم تتردّد بنّا في إعلان مواقفها السياسية بشكل واضح، ليس فقط في ما يخص القضية الفلسطينية، لكن أيضاً في مساندتها لثورات الربيع العربي. وبينما كانت أصوات الفنانين المتضامنين مع الشعب السوري تخفت، بقيت هي من القلائل الذين عبروا عن موقفهم بحرية حيث قالت إن نظام بشار الأسد نظام إرهابي يقتل شعبه، كاتبة بشكل واضح ومباشر عام 2016 على صفحتها على "فيسبوك": "بشار الأسد سفّاح ومُجرم وقاتل الأطفال.. النظام الأسدي أكثر نظام مُجرم ومتخلّف في الوطن العربي.. عار على الذين يستمرّون بصمتهم.. في كل لحظة تمرّ ولا نتحرّك.. يُقتل فيها مئات السوريين.. أما بالنسبة لموضوع المؤامرة.. فهو أكبر مؤامرة كونية على فلسطين وعلى سورية.. هذا موقفي.. حتّى لو ستتم مُقاطعتي ومنعي وحرماني من دخول أي بلد عربي".
في تلك السنة، أجبر السرطان ريم على التوقف عن الغناء، بسبب إصابة أحد أوتارها الصوتية بالشلل، لكنها ظلت تقاوم المرض وحدود الجسد وتحاول ألا تتوقف، فاستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير والاستمرار بصورة مختلفة. لكن فجر اليوم، لمرة أخيرة غلبها المرض، فرحلت.
وكما انتهت الحكاية في الناصرة، فإنها بدأت هناك أيضاً، حيث ولدت ريم بنّا، يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 1966، وهي ابنة الشاعرة الفلسطينية المعروفة زهيرة صباغ. أحبت بنّا الموسيقى والغناء منذ صغرها، حيث شاركت منذ أن كانت في العاشرة من عمرها بالاحتفالات التي كانت تقام في المدرسة المعمدانية التي تلقت فيها تعليمها، كما أنها شاركت أثناء طفولتها في العديد من المهرجانات والمناسبات الوطنية التي كانت تقام في الناصرة. بعد أن تخرجت من المدرسة الثانوية قررت أن تحترف الغناء، فسافرت إلى موسكو للدراسة في المعهد العالي للموسيقى.
عام 1985 وقبل أن تكمل العشرين من عمرها، أصدرت بنّا ألبومها الأول "جفرا". كانت وقتها مقيمة في العاصمة الروسية، وهي الإقامة التي استمرّت حتى عام 1991. ثمّ عام 1986، وهي مستمرة في دراستها الأكاديمية، أصدرت ألبومها الثاني "دموعك يا أمي". أثناء الدراسة والعمل على الألبومين تعرفت ريم بنّا على الموسيقي الأوكراني ليونيد أليكسيانكو، الذي تشاركت معه بالعديد من التجارب الموسيقية، وتزوجت منه سنة 1991، وأنجبت منه بيلسان والتوأم قمران وأورسالم، قبل أن تنفصل عنه سنة 2010. ومنذ ذلك الوقت رسمت بنا شخصيتها الفنية، من خلال تخليها عن الزخرفة في الأداء الشرقي والميل نحو الإيقاعات الغربية والإلكترونية، الذي لم يؤثر على رغبتها بتسخير فنها لحفظ التراث الفلسطيني.
لكن قبل النجاح الكبير، نعود إلى موسكو، هناك أنهت عام 1991 دراستها الأكاديمية، تزوّجت، وعادت مع زوجها إلى فلسطين، الناصرة تحديداً، لتطلق سنة 1993 ثالث ألبوماتها الذي حمل عنوان "الحلم". بعد ذلك بدأ مشروع بنّا في حماية التراث اللامادي، حيث بدأت بمشروع تهدف فيه إلى تسجيل أغاني الأطفال التي ترددها الجدات، وانتقلت إلينا بالتواتر الشفوي ولم تتم أرشفتها. فخصصت لهذه الأغاني ألبومي "قمر أبو ليلة" (1995) و"مكاغاة" (1996). وفي تلك المرحلة حصلت بنا على العديد من الجوائز والألقاب الشرفية، منها: "سفيرة السلام" في إيطاليا سنة 1994، درع "مسرح إبسن القومي" في النرويج سنة 1996، درع "ألما- أتا" في "المهرجان العالمي للأغنية ــ صوت آسيا" في كازاخستان سنة 1996 وأيضاً "شخصية العام" في تونس سنتي 1997 و1998.
لم تحيد بنا نفسها يوماً عن القضية الفلسطينية، ولكن أغانيها أخذت منحى جديداً مع بداية الألفية الثالثة، ابتداءً من ألبوم "وحدها بتبقى القدس" سنة 2001، الذي انتقدت فيه تحويل القضية الفلسطينية إلى "ترند" وموضة فنية شائعة، لتؤكد أن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني يسموان فوق تلك الحالة التي تظهر بها القضية في الفن العالمي. وفي سنة 2005 أصدرت ألبوم "مرايا الروح" الذي قدمته للأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، لتبدأ باستخدام صوتها للإضاءة على قضايا مهمشة. وفي سنة 2006 أصدرت ألبوم "لم تكن تلك حكايتي" الذي أهدته للشعبين الفلسطيني واللبناني بالتزامن مع عدوان تموز/يوليو الذي شنّه الاحتلال الإسرائيلي على لبنان.
سنة 2007 أصدرت ريم بنّا ألبوم "مواسم البنفسج" الذي تضمن مجموعة من أشعار الحب من فلسطين، لتعود وتضيء على الأغاني والأشعار العاطفية الفلسطينية، التي أهملت بعد أن اقترنت الأغنية الفلسطينية بالسياسة في تلك الأعوام. وفي سنة 2009 أصدرت ألبوم "نوار وبيسان" لتعود به إلى أغاني الأطفال مرة أخرى، وأهدت الألبوم إلى الأطفال اللاجئين الفلسطينيين أينما كانوا.
كانت أعمال بنّا تتأرجح بين الحب والوطنية، وكانت ترى أنهما خطّان يتلاقيان دوماً، ولا يمكن أن يفترقا. سنة 2009 أصيبت بنا بسرطان الثدي، ولكنها رفضت الاستسلام للمرض، فقدمت مجموعة من أفضل أعمالها في مرحلة المرض، فأصدرت سنة 2010 ألبوم "صرخة من القدس" وسنة 2012 أوبريت "بكرا"؛ وفي سنة 2013 أصدرت آخر ألبوماتها وأفضلها، الذي حمل عنوان "تجليات الوجد والثورة" والذي اختزل فلسفتها الفنية، التي لم تبعد فيها يوماً العواطف الإنسانية عن الثورة، كما تميز الألبوم بالنزعة الصوفية، حيث تضمن الألبوم قصائد للحلاج. وحازت بنّا في نفس السنة على جائزة "ابن رشد" للتفكير الحر.
لم تتردّد بنّا في إعلان مواقفها السياسية بشكل واضح، ليس فقط في ما يخص القضية الفلسطينية، لكن أيضاً في مساندتها لثورات الربيع العربي. وبينما كانت أصوات الفنانين المتضامنين مع الشعب السوري تخفت، بقيت هي من القلائل الذين عبروا عن موقفهم بحرية حيث قالت إن نظام بشار الأسد نظام إرهابي يقتل شعبه، كاتبة بشكل واضح ومباشر عام 2016 على صفحتها على "فيسبوك": "بشار الأسد سفّاح ومُجرم وقاتل الأطفال.. النظام الأسدي أكثر نظام مُجرم ومتخلّف في الوطن العربي.. عار على الذين يستمرّون بصمتهم.. في كل لحظة تمرّ ولا نتحرّك.. يُقتل فيها مئات السوريين.. أما بالنسبة لموضوع المؤامرة.. فهو أكبر مؤامرة كونية على فلسطين وعلى سورية.. هذا موقفي.. حتّى لو ستتم مُقاطعتي ومنعي وحرماني من دخول أي بلد عربي".
في تلك السنة، أجبر السرطان ريم على التوقف عن الغناء، بسبب إصابة أحد أوتارها الصوتية بالشلل، لكنها ظلت تقاوم المرض وحدود الجسد وتحاول ألا تتوقف، فاستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير والاستمرار بصورة مختلفة. لكن فجر اليوم، لمرة أخيرة غلبها المرض، فرحلت.