ويبدو أن هذه الحقبة ستظل ملهمة لشدة تعقيدها وتأثيرها وما تحمله من رموز تاريخية واجتماعية، فقد صدرت مؤخراً عدة أعمال أكاديمية وتاريخية وأدبية؛ من بينها رواية "أولاد الناس: ثلاثية المماليك" للكاتبة والأكاديمية المصرية ريم بسيوني.
استلهمت أستاذة الأدب واللغة في جامعة يوتا الأميركية عملها بعد أن زارت مسجد السلطان حسن الواقع في الدرب الأحمر في حي القلعبة بالقاهرة القديمة، وكان هناك من يلقي قصيدة البردة التي كُتبت في العصر المملوكي، وباندفاع الباحثة قررت أن تعرف المزيد عن السلطان حسن المملوكي المعروف بأنه قُتل شاباً، بعد أن أنفق معظم أموال الخزينة لبناء هذا المسجد الأيقوني.
منذ صدور الرواية في طبعتها الثانية، التي استغرقت صاحبة "بائع الفستق" في تأليفها ثلاثة أعوام بين بحث وكتابة، وهي موضع نقاش في ندوات وأمسيات ثقافية مختلفة، من بينها تلك التي تُقام عند الواحدة والنصف من بعد ظهر غدٍ السبت في مسجد ومدرسة السلطان، تحت عنوان "في صحبة الأدب والتاريخ" يشارك فيها نشوى الحوفي من دار "نهضة مصر" (الناشر)، وأستاذ الآثار الإسلامية في جامعة القاهرة جمال عبد الرحيم، بحضور الكاتبة.
عادت الباحثة إلى العديد من المصادر التاريخية من بينها كتابات ابن بطوطة عن رحلته إلى القاهرة في عهد الناصر محمد، وتقول إن هذه المصادر تكشف عن التقدم العمراني والاجتماعي في تلك الفترة، والهوية المملوكية هي واحدة من أهم المواضيع التي تتطرق إليها الرواية.
كما عادت إلى عقود الزواج خلال فترة المماليك، والتي تكشف إلى أي حد كان هناك اختلاط في الزواج بين المماليك والمصريين، لتبني العلاقات المتخيّلة على علاقات حقيقية، وترسم شخصيات نسائية قوية تصفها بالقول "إن من يهلك ويحارب هم النساء وليس الرجال"، واصفة حياة المرأة خلال الحروب وصراعات الساسة والجيوش.
أما عنوان العمل "أولاد الناس" فهو مصطلح كان يطلقه المصريون على أبناء المماليك الذين عاشوا في القلعة، ويُقصد بهم الجنود، وليس المماليك في طبقة الحكام وقادة المحاربين.
صاغت بسيوني كل هذا في شخصيات مختلفة الطبقات والخلفيات والهويات، ومعظمها شخصيات حقيقية، مما وضع ثقلاً إضافياً على الكاتبة من حيث اللعب في منطقة تتأرجح بين التاريخ والتخييل، وتناولت في عمل ضخم الحروب والأحداث والتغيرات الاجتماعية والعلاقات الشخصية وقصص الحب وصراع الحكم، وانتهى العمل بنهاية دولة المماليك وانتصار العثمانيين.
يتعدّد الرواة في الرواية؛ إذ يأتي الجزء الأول على لسان رجل كبير هو جد جوزفين التي ستكون راوية الجزأين الثاني والثالث، ولا يعرف القارئ عن حياة جوزفين الكثير سوى أنها امرأة عادت إلى مصر لتبحث في خلفيات الهوية المصرية.
تستكشف الرواية كيف كانت علاقة السلطة بالدين في تلك الحقبة، والسلطة بالشعب، والمماليك مع المصريّين، وتنأى عن القوالب النمطية التي صورتها وبنتها الأعمال الدرامية والسينمائية التي قدمتهم عادة كبرابرة.