ريم الكيلاني: أغنية عربية في الخريف الإنكليزي

لندن

كاتيا يوسف

avata
كاتيا يوسف
20 أكتوبر 2016
608C0A19-657C-4195-9764-4838910464CA
+ الخط -

"الشهباء"، كانت الكلمة الأولى التي نطقت بها الفنّانة الفلسطينية ريم الكيلاني، بعد أن اعتلت خشبة مسرح "تابرناكل" في العاصمة البريطانية لندن، في حفلها الذي أُقيم مؤخراً ضمن فعاليات الدورة السابعة من "مهرجان نور"، مع فرقتها الموسيقية التي تضمّ كلّاً من برونو هاينِين على البيانو، وريان تريبيلكوك على الكونترباص، وأنتونيو فوسكو على الإيقاعات.

ومن سبق له أن حضر حفلةً للكيلاني، يعرف أن أمسياتها لا تشبه تلك التي عهدناها لفنّانين آخرين، فأُمسياتها عرضٌ من الفن الساخر والمؤلم، مع جرعات كبيرة من تفاؤل الإرادة.

كان هناك ازدحام في الحضور مثلما هو الازدحام في المشاعر والموسيقى والأغاني التي تروي حكايات مدن عربية تتألّم.

مزيجٌ تحرّك فيه صوت الفنانة، المؤدّية المحترفة، بين التصرّف الغنائي، وبين حرصها على إعادة إحياء أغانيَ تراثية بخصوصية هويتها، وكذلك مغامرتها في إعادة التوزيع الموسيقي للأغاني؛ هذه هي عادتها وهكذا تبني علاقة وطيدة مع الموسيقى باختلاف أنواعها، لا سيما التراثية منها؛ إذ تقف الكيلاني بالقرب من التراث الموسيقي الشرقي، ويستهويها الجاز والبلوز إلى درجة كبيرة. من هنا، تأتي هذه الخلطة التي تتمتّع صاحبتها بصوت شديد الذكاء والتمكّن والحرية.

افتتحت الكيلاني الأمسية بقطعة موسيقية اكتفت فيها بالألحان لتروي تراجيديا حلب، رغم أن الفنانة أرادت أن تحتفي بالحياة والموسيقى، لكن المشهد الدامي لهذه البقعة من العالم أصبح يزاحم الحياة على موسيقاها.

جولة في المدن العربية المقهورة، أخذت ريم جمهورها إليها من خلال الأغاني، فعبرت من سورية إلى مصر، حيث عادت إلى أغان من التراث النوبي المنسي، وانتقلت إلى أداء الأغنية الأردنية التي دخلت التراث الفلسطيني أيضاً، "حيّد عن الجيش يا غبيش"، وتروي قصة حب حقيقية بين الشابة حسنة وحبيبها غبيشي. كما قدّمت كيلاني "يا طالعين الجَبَل"، وهي الأغنية اللي كانت النسوة من مدينة الناصرة ومدن الجليل الفلسطيني يغنينها لرجالهن في السجون العثمانية وهن يطلعن الجبل في طريقهن إلى زيارة أزواجهن. هنا، وما إن تبدأ الفنانة في رواية تاريخ الأغنية للحضور قبل غنائها، حتى تتوقّف لتقول: "نعم فلسطين كانت موجودة قبل عام 1948".

تضيف: "كلّما أذهب إلى فلسطين أعود مريضة. جمالها يؤلمني"، قبل أن تغني "لما أحبّها"، وهي أغنية كتبتها حين رقدت في المستشفى في بلدها المحتل.

في حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول الكيلاني: "انظري من حولك إلى العالم العربي"، مفسّرةً ما يقف خلف الحزن الذي طغى على أمسيتها، لتكمل: "على الرّغم من الحزن، هناك دافع للحياة. لذلك أحتفل بها، لكنني أعجز عن إنكار الواقع". أمّا الصمت الذي اعتكفت فيه حين عزفت مقطوعة "حلب"، فتقول إنه يشبه "صمت العالم إزاء المدينة السورية".

ثمّة شيء خاص في طريقة تأدية كيلاني للأغاني، يجذب الحضور الأجنبي والعربي، وعن ذلك تقول: "كلّ فنّان مميّز، حتى أولئك الذين لا تعجبنا أعمالهم"، لكن لا شك أن ثقافتها المزدوجة وإدراكها للموسيقى الغربية والحكايات، هي التي تجذب الجمهور الأجنبي.

وُلدت الكيلاني في مانشيستر البريطانية عام 1963، ونشأت في الكويت ثم انتقلت إلى بريطانيا حيث تعيش اليوم، وهي مرتبطة بالثقافة والغناء والمعنى بفلسطين، تعتبر أن بريطانيا علّمتها النضال من أجل فلسطين، لأنّها "تبشّر غير المهتدي، وغير المهتدي برأيها، هو كل من يجهل قضيّة فلسطين". أمّا في الكويت، فتقول إنها هناك تعلّمت حب فلسطين.

وعلى العكس من كثيرين الآن، تصر الكيلاني على أن تظل مستقلّة تماماً، فهي تبذل مجهوداً أكبر لتموّل أعمالها من دون اللجوء إلى منح أو دعم كما هو دارج الآن في كل أشكال الفنون. وما بين التدريس والترجمة، تعمل على عدّة مشاريع في وقت واحد، ومنها مشروع "من فلسطين إلى البرتغال"، و"الفلامينكو"، إضافة إلى بحث في أغاني السيدات الفلسطينيات في المخيّمات.

كما تعمل، منذ عشرة أعوام، على مشروع حول موسيقى الفنّان المصري سيّد درويش ودورها في ثورة 1919، وهي تجربة يُفترض أن تصدر في ألبوم عام 2018، بعد أن تقصّت هذا الإرث في كل من مصر وسورية وتركيا، إضافة إلى ألبوم آخر تؤدّي فيه قصائد عربية مترجمة إلى الإنكليزية تغنّيها بطريقة الجاز.

مارتن شورت، صحافي بريطاني سابق، كان ممن حضروا الأمسية، وقد سبق له حضور كثير من حفلاتها، يقول لـ"العربي الجديد" إن "ريم لا تغنّي فقط، بل إن أغانيها تروي قصصاً، وطوّرت على مدى السنين المزيد من المعرفة عن وطنها فلسطين، وهي تكتشف جوانب جديدة لموسيقى الشرق الأوسط".

ليست هذه هي المرّة الأولى التي تشارك فيها الكيلاني في "مهرجان نور"، بل إنها أصدرت في مطلع العام الحالي ألبومها الثاني بعنوان "ريم الكيلاني: حفل مهرجان نور" وهو الحفل الذي أقامته في لندن عام 2012، وغنّت فيه مجموعة من أعمال ألبومها الأول الذي صدر بعنوان "الغزلان النافرة: أَغانٍ فلسطينية من الوطن الأم ومن الشتات"، وضمّت إليه أغاني من مشروعها البحثي عن سيّد درويش، كما يمكن فيه الاستماع إلى شيء من تُراث الأغنية السياسية التونسية، وكذلك مجموعة إضافية منوّعة من أغاني بلاد الشام وتركيا.

يُشار إلى أن الكيلاني لا تكتفي في ألبوماتها بتقديم الأغاني، بل تُلحقها بكتيب يتناول تاريخ الأغنية إن كانت تراثية، وخلفياتها الموسيقية والاجتماعية.


دلالات

ذات صلة

الصورة
انتشال جثث ضحايا من مبنى منهار بغزة، مايو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

قدّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وجود أكثر من 10 آلاف فلسطيني في عداد المفقودين تحت الأنقاض في قطاع غزة ولا سبيل للعثور عليهم بفعل تعذر انتشالهم..
الصورة
قوات الاحتلال خلال اقتحامها مخيم جنين في الضفة الغربية، 22 مايو 2024(عصام ريماوي/الأناضول)

سياسة

أطلق مستوطنون إسرائيليون الرصاص الحي باتجاه منازل الفلسطينيين وهاجموا خيامهم في بلدة دورا وقرية بيرين في الخليل، جنوبي الضفة الغربية.
الصورة
مكتب نقابة محامي حلب 1972 (العربي الجديد)

سياسة

نتابع في الحلقة الثانية اعتقال أعضاء في نقابات سورية عام 1980 وجهود الإفراج عنهم حيث تم إطلاق سراح المحامين عام 1987 باستثناء ثلاثة منهم
الصورة
مكب نفايات النصيرات، في 21 مايو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

يشكّل مكبّ نفايات النصيرات في قطاع غزة قنبلة بيئية وصحية تُهدّد بإزهاق الأرواح وانتشار العديد من الأمراض والأوبئة، وسط أوضاع إنسانية مأساوية..
المساهمون