لا تتسنّى للممثل دوماً رفاهية اختيار الأدوار التي يطمح لأدائها، فأحياناً كثيرة يجد نفسه أسير قواعد العرض والطلب التي تحكم السوق الدرامية. إلا أن الممثلة اللبنانية ريتا حايك عرفت كيف تشقّ طريقها بين مجموعة من الأدوار القويّة التي قدّمتها على الخشبة والشاشتين، وطرحت من خلالها نماذج نسائية تناضل من أجل حريّتها واستقلاليتها في وجه مجتمع ذكوري مهيمن، غالباً ما تصبح قوانينه المُجحفة أوراقاً مبلولةً بدموع النساء أو حتى بقطرات من دمائهن.
لا تدّعي ريتا حايك أنها تختار أدوارها بهدف إيصال رسالة تمكين إلى النساء. وتقول في مقابلة خاصة أجرتها معها "العربي الجديد": "لا أضع قضايا النساء هدفاً أو أولويةً في خياراتي التمثيلية، فأنا في النهاية ممثلة وأسعى إلى التنويع في أدواري وتحدّي قدراتي الخاصة من دور إلى آخر. ربما لم أقصد بشكل واعِ أن أقدّم في أعمالي التمثيلية نماذج لنساء يناهضن العنف ويسعين إلى الحرية، ولكنني أجد أن هذه الشخصيات النسائية المتمرّدة جذبتني لتجسيدها من دون أن أدري، ربما لأن في داخلي ثورة مثلها ورغبة بالتمرّد على الظلم". وتضيف: "شخصية (نسرين) التي أدّيتها في مسلسل (وين كنتي)، كانت لديها طريقة تدافع فيها عن المرأة المُعنَّفة. وفي مسلسل (ثواني) شخصية هنادي أيضاً كانت امرأة معنّفة من (رائد) الذي جسّد دوره الممثل عمّار شلق، وقد خاضت علاقة عاطفية مع الممثل رودريغ سليمان بدور (سامي)، وسعت إلى كسر الكثير من القيود التي كانت تكبّلها. والأمر نفسه ينطبق على مسلسل (كفى)، الذي شكّل صرخةً في وجه العنف اللاحق بالنساء. كما أنني في مسرحية venus لجاك مارون تمكّنت أيضاً من إظهار مدى القوة والسلطة التي يمكن للمرأة أن تتمتّع بهما. وقد نال العمل أصداء واسعة بنزعته النسوية ومقاربته العميقة لإشكاليات تَنَازُع السلطة في العلاقات بين المرأة والرجل".
وريتا التي كان من المفترض أن تشارك إلى جانب الممثل السوري معتصم النهار في بطولة مسلسل "من الآخر" في موسم رمضان الحالي، تأسف لخروج العمل من السباق الرمضاني بفعل القيود التي فرضها الحجر المنزلي على طواقم التمثيل اللبنانية والعربية، ولكنها ترى أن سلامة أصدقائها وزملائها من الممثلين هي الأولوية في ظلّ الظروف الصحية الصعبة التي يشهدها العالم حالياً. وفي هذا المسلسل الذي تمَّ تصوير جزء كبير من حلقاته، تجسّد ريتا شخصية "ياسمين"، زوجة الخبير في السوشال ميديا "ورد" (معتصم النهار)، ولكنها تطلب منه الطلاق، في قضية تقودها المحامية التي تلعب دورها الممثلة اللبنانية سينتيا صموئيل. وتقول حايك إن "(ياسمين) هي شخصية مركبة ومعقدة وفيها طبقات كثيرة جداً. هي الأم والزوجة، ولكنها في الوقت نفسه المرأة التي تبحث عن استقلاليتها والتي تحارب في مجتمع شرقي من أجل حقوقها وحريتها. ولذلك تواجه صراعات متعددة الأوجه والأبعاد. وكثيرات سيشعرْن بالتفاعل مع هذه الشخصية، وسيتماثلْن معها بشكل كبير، لأنّها تجسِّد نموذجاً لمعاناة آلاف النساء في العالم العربي".
وعن مشاعرها الشخصيَّة في هذا الدور، تقولُ حايك: "استمتعتُ كثيراً بلعب هذه الشخصية، وسعيدة جداً بهذا التعاون الأوّل الذي يجمعني بشركة (الصبّاح)، فهم محترفون جداً، والتعامل معهم يحكمه الاحترام والتقدير. كما أن الثنائية التي تجمعني مع معتصم النهار متناغمة جداً، فهو ممثل يعشق عمله ويحضّره جيداً بكافة تفاصيله. وقد انسجمنا في الأداء منذ المشهد الأول، والأمر نفسه ينطبق على الممثلة سينتيا صموئيل التي سعدت بالتعاون معها، فهي تأخذ عملها أيضاً بمنحى كبير من الجدية، وليس أجمل من أن يتشارك ممثل العمل مع زملاء يعشقون مهنتهم ويسعون دوماً لتقديم الأفضل. وأنا أتطلّع لاستكمال هذا العمل المميّز بعد أن تستقرّ الأمور".
وريتا حايك التي وقفت للمرة الأولى أمام الكاميرا في مسلسل "الحَل بإيدَك" للمخرج اللبناني سمير حبشي، ومرّت خطواتها المهنية على السجّاد الأحمر لحفل جوائز الأوسكار، عندما شاركت في الفيلم اللبناني "قضية رقم 23" للمخرج زياد دويري، تعبّر عن سعادتها بما استطاعت أن تحققه إلى اليوم، وتقول: "حقّقت أحلاماً وليس حلماً واحداً على امتداد مشواري المهني. وعشت لحظات لا تتكرّر لا يمكن أن أنساها. فردّة فعل جمهور البندقية، عندما وقف تصفيقاً لفيلم لا يُتقن لغَته وعبّر بحرارة عن تأثّره به، هي من تلك اللحظات التي لا تُنتسى. وعندما ذهبت إلى لوس أنجليس لحضور حفل الأوسكار، لا أنسى كيف أنني استعدت ذكرياتي في تلك المدينة الأميركية التي كنت قد زرتها قبل 10 سنوات كممثلة مبتدئة كانت تحلم أن تحصل على فرصة لإثبات موهبتها. ولا يمكنني أن أنسى كذلك اللحظات التي وقفت فيها على خشبة المسرح في مسرحيتي (كعب عالي) و Venus، وأتذكّر جيّداً دقات قلبي الذي خفق بقوة عندما وقف الجمهور في نهاية العرضين وصفّق مطوّلاً".
وريتا، التي أصبحت أُمّاً للمرّة الأولى بعد ولادة ابنها جورج من زوجها الطبيب عبد الله ربيز، تؤكّد: "أشعر أنني أتغذّى من هذا الشعور بالأمومة، وأصبحتُ أحاول أن أسكب منه في أدواري التمثيلية. الأمومة جعلتني اكتشف قوّة في داخلي لم أكن قد اكتشفت مثيلاً لها في حياتي، ونقلتني إلى مستوى آخر من الصبر والعطاء، وجعلت كل شيء في حياتي أجمل".