روْسنة الاقتصاد السوري

17 ديسمبر 2014
روسيا تستمر في دعم سوريا رغم التقتيل (فرانس برس/أرشيف)
+ الخط -
اختتم كل من سورية وروسيا العام 2013 بتعزيز التحالف المتين القائم بينهما منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في ‏سورية. ففي 25 كانون الأول/ديسمبر 2013، وقّع الجانبان اتفاقاً يسمح بالحفر والتنقيب عن الغاز قبالة الساحل ‏السوري. وما إن بدأ العام 2014، حتى أعلنت وزارة التربية السورية عن عزمها تدريس اللغة الروسية ضمن المناهج ‏التعليمية لطلاب المدارس السورية.
التبعية لروسيا
وتتالت بعد ذلك الاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين لتشمل إنشاء خط نقل بحري ‏بين موانئ البلدين لتسهيل عمليات نقل البضائع، فضلاً عن افتتاح فروع لجامعات روسية في العاصمة دمشق، ‏ومجالات أخرى ربما يطول تعدادها. ‏
لكن عمليات التدمير الممنهجة والواسعة التي ألحقها النظام السوري باقتصاد البلاد منعت تحقيق مستويات مرتفعة من ‏الازدهار في العلاقات الاقتصادية بين سورية وروسيا. هكذا، لم تنعكس متانة العلاقات السياسية والاقتصادية بين ‏الجانبين بصورة واضحة على حجم المساهمة الاقتصادية المتبادلة، فبقيت تلك الأخيرة متواضعة بالقياس إلى ما يمكن ‏أن ترتقي إليه في ظل ظروف أكثر استقراراً.‏
لكن النظام السوري الذي بات يعتمد على روسيا بصورة كبيرة في إنعاش أجهزته العسكرية والأمنية والاقتصادية ‏المتهاوية، يكاد لا يمل الحديث عن رفع حجم التعاون الاقتصادي مع روسيا إلى مستويات "قياسية". ويدفع الهيئات ‏والمؤسسات الاقتصادية التابعة له إلى "فبركة" البيانات والإحصائيات لتدعيم ادعاءاته.‏
ففي التقرير الأخير الصادر عن "هيئة تنمية وترويج الصادرات" السورية يبدو حجم التضليل والتلاعب بالبيانات من ‏أجل خدمة الصورة المشرقة في العلاقات مع روسيا التي يسعى النظام إلى تكريسها. فالتقرير المذكور كان معنياً ‏بصورة واضحة بإبراز "أهمية التبادل التجاري بين سورية وروسيا" بمعزل عن حقيقة وجود أهمية فعلية لهذا التبادل ‏من عدمه.
يقول التقرير إن التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 30% من حجم التبادل التجاري السوري خلال ‏العام 2011، في حين شهد عاما 2012- 2013 انخفاض النسبة لتصل إلى 14.1%، و 10.5% على ‏التوالي، وذلك بسبب "التراجع العام في الأهمية النسبية للتجارة الخارجية السورية من الناتج المحلي الإجمالي".‏
أما الأرقام التي يمكن العثور عليها بسهولة في بيانات المكتب المركزي للإحصاء، وهي مستمدة من بيانات وزارة ‏الاقتصاد والتجارة الخارجية، فتقول إن حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2010 قد بلغ نحو 53 ‏مليار ليرة سورية. ويشكل ذلك أقل من 4% من حجم التبادل التجاري مع دول العالم. وكم يبدو التقرير الحكومي ‏الأخير "جريئاً" ليدعي أن النسبة بلغت %30!
الجرأة لم تقتصر على ذلك، فالتقرير بين "ارتفاع الاستيراد من روسيا ليصل عام 2010 إلى 70.4% وكان قد ‏وصل إلى %76 في العام 2011،‏‏ أما في عام 2012 فانخفضت هذه النسبة لتصل إلى 66.2%، واستمر ‏الانخفاض بشكل واضح في ظل الأزمة". وبالعودة لأرقام المكتب المركزي، فقد شكل الاستيراد من روسيا في العام ‏‏2010 نحو 51 مليار ليرة سورية، وقد تفوق كل من تركيا والصين وإيطاليا على روسيا في التصدير إلى سورية في ‏ذلك العام. أرقام المكتب المركزي تكذب ادعاءات الهيئة، فالمستوردات من روسيا ارتفعت خلال عامي 2009-2010 ‏بنحو 20%، وشكلت من مجمل المستوردات السورية نحو 6%.‏
اللافت أن معدي التقرير حاولوا تمرير رسالة تقول بأن العلاقات الاقتصادية المزدهرة حاليا ليست إلا امتداداً طبيعياً ‏للعلاقات الاقتصادية قبل اندلاع الثورة. وهي علاقات يدعي التقرير أنها كانت متينة ومزدهرة لدرجة أن التبادل ‏التجاري مع روسيا احتل المرتبة الأولى. فيما يقول الواقع إن كلا من تركيا والصين وإيطاليا احتلت المراتب الأولى في ‏التبادل التجاري فيما حلت روسيا في المرتبة الرابعة. أما على مستوى الاستثمار الاقتصادي في سورية فلا يمكن أن ‏تعثر على أي ترتيب لروسيا ضمن المراكز العشرة الأولى.‏
لقد قرر النظام بدافع سياسي، هو بقاءه في سدة الحكم، توطيد العلاقات ‏مع روسيا. وكانت محاولة منه لكي يتسق الماضي مع الحاضر، حيث ‏يراد لسورية أن ترزح تحت الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية الروسية "إلى الأبد".‏
المساهمون