قبل قرن من الزمن، في مثل هذا اليوم، سجّل التاريخ إعدام آخر القياصرة في روسيا. وبذلك، انتهت عائلة رومانوف مع تصفية نيكولاي الثاني وزوجته ألكسندرا وأبنائهما أناستاسيا وتاتيانا وأولغا وماريا وألكسي
تحيي روسيا، اليوم الثلاثاء، الذكرى المئوية لإعدام آخر قياصرة آل رومانوف الإمبراطور نيكولاي الثاني وأسرته، في حين أنّ التساؤلات ما زالت تُطرح حول كيفية وصول المجتمع إلى تلك المرحلة من الانقسام والحرب الأهلية في أعقاب ثورة البلاشفة (1917) التي غيّرت مجرى تاريخ البلاد لأكثر من سبعة عقود. ولعلّ ما يزيد هذه الذكرى مرارة هو أنّ عملية الإعدام رمياً بالرصاص نُفّذت بلا محاكمة، وشملت إلى جانب نيكولاي الثاني وزوجته أبناءهما الخمسة، بمن فيهم وليّ العهد الأمير ألكسي، إلى جانب عدد من خدمهم الشخصي.
وتنظم روسيا في هذه الذكرى الحزينة مجموعة من الفعاليات، بما فيها إقامة معرض "التحوّل التاريخي للعصور 1918" بالإضافة إلى نصب لقبو في مدينة يكاتيرينبورغ حيث نفّذت عملية الإعدام في ليلة 17 يوليو/ تموز 1918. كذلك، يزور بطريرك موسكو وعموم روسيا، كيريل، المدينة وسط دعوات إلى تجاوز الانقسامات والتصالح مع التاريخ وقبوله.
وكانت أسرار كثيرة قد طاولت إعدام أسرة نيكولاي الثاني، وفي مقدّمتها تساؤلات حول هوية من أصدر الأوامر، هل هي السلطة المركزية في موسكو أم السلطات المحلية، وما إذا كان ثمّة سبيل لتجنّب ذلك. وقد وصل الأمر إلى انتشار نظرية مفادها أنّ عملية الإعدام لم تحصل من أساسها. لكنّ الأستاذ في كلية العلوم الإنسانية في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، المؤرخ أوليغ بودنيتسكي، يقلل من أهمية تلك التساؤلات والروايات، مرجّحاً أن يكون الأمر قد صدر عن السلطات المحلية باستحسان موسكو، ومشيراً إلى أنّ ما حدث كان نتيجة حتمية للثورات في أوروبا ولم يثر ردود أفعال سلبية بين السكان.
ويقول بودنيتسكي لـ"العربي الجديد" إنّ "إعدام أسرة كاملة بأبنائها وبلا محاكمة فعل مشين، إلا أنّ ذلك لم يثر أيّ تعاطف بين السكان آنذاك. ويعود ذلك إلى تراجع كبير لمكانة الأسرة الحاكمة بعد الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيّتها مليونا روسي. فالناس كانوا يربطون سوء أوضاعهم بأخطاء السلطة، بينما استغل البلاشفة ذلك ورفعوا شعارات تلبّي تطلعات الشعب، علنياً على أقلّ تقدير". يضيف أنّ "ثمّة مبالغة سُجّلت على سبيل المثال في ما يخصّ تضخيم نفوذ الصديق المقرّب لأسرة نيكولاي الثاني، غريغوري راسبوتين. لكنّ الناس كانوا يصدّقون أيّ هراء". وعند سؤاله عمّن يقف وراء الجريمة، يجيب: "على الأرجح، كانت هذه مبادرة من السلطات المحلية في ظل سوء الاتصالات في ذلك الوقت، لكنّها لقيت استحساناً من موسكو. فإعدام الملك كان نهاية لكل الثورات في أوروبا، بما فيها الثورتان الإنكليزية والفرنسية".
شخصية مثيرة للجدل
بعد مرور قرن كامل على تلك الواقعة، ما زال نيكولاي الثاني شخصية مثيرة للجدل في تاريخ روسيا، بين تحميله المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور في الإمبراطورية الروسية وبين التعاطف معه إلى درجة تأليهه. وأظهر استطلاع للرأي أعدّه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" في يونيو/ حزيران الماضي، أنّ شخصية نيكولاي الثاني تثير إعجاب 54 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم، متفوقة بذلك على شخصية الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين (51 في المائة) وزعيم ثورة البلاشفة فلاديمير لينين (49 في المائة). في المقابل، أعرب 23 و28 و29 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم عن مشاعر سلبية حيال الشخصيات الثلاث بالتوالي.
وأظهر استطلاع آخر أجراه المركز نفسه، ونشرت نتائجه أمس الإثنين، أنّ أغلبية الروس لا ترى أيّ مبرر لإعدام أسرة آخر القياصرة قبل قرن. وبحسب نتائج الاستطلاع، فإنّ 57 في المائة من الروس اعتبروا الواقعة "جريمة مروعة لا مبرر لها"، بينما اعتبر 29 في المائة أنّ "الإعدام عقوبة مبالغ فيها، إلاّ أنّه كان يجب معاقبة نيقولاي الثاني"، فيما رأى 3 في المائة فقط أنّ الإعدام كان "انتقاماً عادلاً من الشعب عن أخطاء الإمبراطور".
اقــرأ أيضاً
من جهته، يرى كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع إلى أكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، أنّه "على الرغم من أنّ القيصر لم يعد يحكم روسيا وكان في المنفى في ذلك الوقت، فإنّ إعدامه جاء حدثاً مفصلياً في تاريخ البلاد، شأنه شأن إعدام الملكَين البريطاني تشارلز الأول (1649) والفرنسي لويس السادس عشر (1793)". وحول نظرة الأجيال الجديدة إلى إعدام الأسرة القيصرية، يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "مدّة طويلة من الزمن مرّت على أحداث 1918، في حين أنّ الأجيال الجديدة لم تعد تبدي اهتماماً كبيراً بالتاريخ". يضيف أنّ "الناس ينظرون إلى هذه الأحداث على أنّها فعل ظالم، ولكنّني لا ألاحظ تعاطفاً كبيراً مع آل رومانوف، بل ثمّة مواقف سلبية تجاه الطرفين، القيصر والبلاشفة على حدّ سواء. إلى ذلك، يمكن الحديث عن لامبالاة من قبل الجميع".
ويلفت أندرييف إلى أنّ "التعصب للقيصر بات يقتصر على فئات محدودة من أصحاب التوجّهات الأرثوذكسية والملكية مثل النائبة في البرلمان ناتاليا بوكلونسكايا التي قادت حملة واسعة لمنع عرض فيلم "ماتيلدا" في نهاية العام الماضي، إذ إنّها رأت أنّه يسيء إلى نيكولاي الثاني ويظهره كـ"شخص عديم الإرادة يفقد عقله بسبب حبّه لراقصة". يُذكر أنّ هذا الفيلم أثار آنذاك جدلاً واسعاً في روسيا بسبب تناوله العلاقة العاطفية بين الإمبراطور الروسي الأخير وراقصة الباليه الشهيرة ماتيلدا كشيسينسكايا، واحتوائه على مشاهد مثيرة وتقديمه صورة للقيصر تختلف عن تلك التي تروّج لها الكنيسة الأرثوذكسية.
انقسامات عميقة
بيّنت أحداث عامَي 1917 و1918 انقسامات عميقة في روسيا وصلت إلى حد الحرب الأهلية الدموية بين الحرسَين الأحمر والأبيض، وأسفرت في نهاية المطاف عن قيام نظام شمولي وموجة من القمع الستاليني الذي بدأ عام 1937 وعرف تاريخياً باسم "الإرهاب الكبير".
ويرى رئيس "المركز الملكي لعموم روسيا" نيكولاي لوكيانوف - رازوموفسكي، أنّ "إعدام أسرة نيكولاي الثاني جاء حدثاً مفصلياً في تاريخ روسيا متسبباً في انقسامات لم يصر إلى تجاوزها حتى اليوم". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "البلاد باتت منذ ذلك الحين منقسمة وقد غمرتها سيول من الدماء". ويشير إلى أنّ الانقسامات ما زالت مستمرة، ولا مجال للمصالحة طالما لم تحدث توبة. كذلك ثمّة شوارع تحمل اسم لينين الذي يرقد في ضريحه بالساحة الحمراء وسط موسكو".
اقــرأ أيضاً
تجدر الإشارة إلى أنّ شخصية لينين وبقاء رفاته في الساحة الحمراء يثيران جدالاً واسعاً في روسيا، بين من يرى فيه مؤسساً لدولة عظمى امتلكت قنبلة نووية وأحدث توازناً استراتيجياً في العالم أجمع، وبين من يحملّه مسؤولية ثورة البلاشفة التي مهّدت الطريق للحرب الأهلية وأبشع أنواع القمع والمعتقلات ومعسكرات العمل الإجباري.
أحداث متلاحقة
استلم نيكولاي الثاني العرش في الإمبراطورية الروسية في عام 1894 بعد وفاة والده الإمبراطور ألكسندر الثالث. وشهدت فترة حكم نيكولاي مجموعة من الأحداث الدراماتيكية، ومنها ثورة 1905 التي تمخّض عنها تأسيس مجلس الدوما (النواب) وتقليص صلاحيات الحكم القيصري وصولاً إلى الحرب العالمية الأولى وثورة البلاشفة.
في مطلع عام 1917، تسببت أزمات إمداد مواد غذائية في إضرابات عمالية واسعة النطاق وأعمال شغب في العاصمة الروسية آنذاك بتروغراد. ومع ارتفاع عدد العمال الثائرين، راح ينضمّ إليهم طلاب وموظفون وحرفيون وفلاحون لتجتاح التحركات بتروغراد وموسكو وغيرهما من المدن. لم تؤدّ الإعدامات والاعتقالات إلى تهدئة الحراك، لتتحول بتروغراد إلى ثكنة عسكرية قبل أن يحسم انشقاق عدد كبير من الجنود في 27 فبراير/ شباط 1917 الصراع لمصلحة "المتمرّدين" الذين سيطروا على المباني الحكومية. وفي الأيام التي تلت، جرى تسليم السلطة إلى الحكومة المؤقتة في موسكو و"مجلس النواب العماليين والعسكريين" في بتروغراد، بينما تنحّى نيكولاي الثاني عن العرش في الثاني من مارس/آذار، من دون أن ينهي ذلك الأزمة المتصاعدة وسط ازدواجية السلطة وعجز الحكومة المؤقتة عن حلّ مشكلات المجتمع.
في تلك الأثناء، بدأ يتزايد نفوذ لينين وكذلك انتشار أفكار الاشتراكية. ومع ارتفاع عدد أنصار البلشفية، تشكلت "اللجنة العسكرية الثورية" التي بدأت تستعدّ لتمرّد مسلح. وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول، سيطر البلاشفة بقيادة لينين على كلّ المباني الرئيسية واعتقلوا أعضاء الحكومة المؤقتة، في حين جرى التخلص من رموز السلطة السابقة وصولاً إلى إعدام نيكولاي الثاني وأسرته.
تحيي روسيا، اليوم الثلاثاء، الذكرى المئوية لإعدام آخر قياصرة آل رومانوف الإمبراطور نيكولاي الثاني وأسرته، في حين أنّ التساؤلات ما زالت تُطرح حول كيفية وصول المجتمع إلى تلك المرحلة من الانقسام والحرب الأهلية في أعقاب ثورة البلاشفة (1917) التي غيّرت مجرى تاريخ البلاد لأكثر من سبعة عقود. ولعلّ ما يزيد هذه الذكرى مرارة هو أنّ عملية الإعدام رمياً بالرصاص نُفّذت بلا محاكمة، وشملت إلى جانب نيكولاي الثاني وزوجته أبناءهما الخمسة، بمن فيهم وليّ العهد الأمير ألكسي، إلى جانب عدد من خدمهم الشخصي.
وتنظم روسيا في هذه الذكرى الحزينة مجموعة من الفعاليات، بما فيها إقامة معرض "التحوّل التاريخي للعصور 1918" بالإضافة إلى نصب لقبو في مدينة يكاتيرينبورغ حيث نفّذت عملية الإعدام في ليلة 17 يوليو/ تموز 1918. كذلك، يزور بطريرك موسكو وعموم روسيا، كيريل، المدينة وسط دعوات إلى تجاوز الانقسامات والتصالح مع التاريخ وقبوله.
وكانت أسرار كثيرة قد طاولت إعدام أسرة نيكولاي الثاني، وفي مقدّمتها تساؤلات حول هوية من أصدر الأوامر، هل هي السلطة المركزية في موسكو أم السلطات المحلية، وما إذا كان ثمّة سبيل لتجنّب ذلك. وقد وصل الأمر إلى انتشار نظرية مفادها أنّ عملية الإعدام لم تحصل من أساسها. لكنّ الأستاذ في كلية العلوم الإنسانية في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، المؤرخ أوليغ بودنيتسكي، يقلل من أهمية تلك التساؤلات والروايات، مرجّحاً أن يكون الأمر قد صدر عن السلطات المحلية باستحسان موسكو، ومشيراً إلى أنّ ما حدث كان نتيجة حتمية للثورات في أوروبا ولم يثر ردود أفعال سلبية بين السكان.
ويقول بودنيتسكي لـ"العربي الجديد" إنّ "إعدام أسرة كاملة بأبنائها وبلا محاكمة فعل مشين، إلا أنّ ذلك لم يثر أيّ تعاطف بين السكان آنذاك. ويعود ذلك إلى تراجع كبير لمكانة الأسرة الحاكمة بعد الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيّتها مليونا روسي. فالناس كانوا يربطون سوء أوضاعهم بأخطاء السلطة، بينما استغل البلاشفة ذلك ورفعوا شعارات تلبّي تطلعات الشعب، علنياً على أقلّ تقدير". يضيف أنّ "ثمّة مبالغة سُجّلت على سبيل المثال في ما يخصّ تضخيم نفوذ الصديق المقرّب لأسرة نيكولاي الثاني، غريغوري راسبوتين. لكنّ الناس كانوا يصدّقون أيّ هراء". وعند سؤاله عمّن يقف وراء الجريمة، يجيب: "على الأرجح، كانت هذه مبادرة من السلطات المحلية في ظل سوء الاتصالات في ذلك الوقت، لكنّها لقيت استحساناً من موسكو. فإعدام الملك كان نهاية لكل الثورات في أوروبا، بما فيها الثورتان الإنكليزية والفرنسية".
شخصية مثيرة للجدل
بعد مرور قرن كامل على تلك الواقعة، ما زال نيكولاي الثاني شخصية مثيرة للجدل في تاريخ روسيا، بين تحميله المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور في الإمبراطورية الروسية وبين التعاطف معه إلى درجة تأليهه. وأظهر استطلاع للرأي أعدّه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" في يونيو/ حزيران الماضي، أنّ شخصية نيكولاي الثاني تثير إعجاب 54 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم، متفوقة بذلك على شخصية الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين (51 في المائة) وزعيم ثورة البلاشفة فلاديمير لينين (49 في المائة). في المقابل، أعرب 23 و28 و29 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم عن مشاعر سلبية حيال الشخصيات الثلاث بالتوالي.
وأظهر استطلاع آخر أجراه المركز نفسه، ونشرت نتائجه أمس الإثنين، أنّ أغلبية الروس لا ترى أيّ مبرر لإعدام أسرة آخر القياصرة قبل قرن. وبحسب نتائج الاستطلاع، فإنّ 57 في المائة من الروس اعتبروا الواقعة "جريمة مروعة لا مبرر لها"، بينما اعتبر 29 في المائة أنّ "الإعدام عقوبة مبالغ فيها، إلاّ أنّه كان يجب معاقبة نيقولاي الثاني"، فيما رأى 3 في المائة فقط أنّ الإعدام كان "انتقاماً عادلاً من الشعب عن أخطاء الإمبراطور".
من جهته، يرى كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع إلى أكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، أنّه "على الرغم من أنّ القيصر لم يعد يحكم روسيا وكان في المنفى في ذلك الوقت، فإنّ إعدامه جاء حدثاً مفصلياً في تاريخ البلاد، شأنه شأن إعدام الملكَين البريطاني تشارلز الأول (1649) والفرنسي لويس السادس عشر (1793)". وحول نظرة الأجيال الجديدة إلى إعدام الأسرة القيصرية، يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "مدّة طويلة من الزمن مرّت على أحداث 1918، في حين أنّ الأجيال الجديدة لم تعد تبدي اهتماماً كبيراً بالتاريخ". يضيف أنّ "الناس ينظرون إلى هذه الأحداث على أنّها فعل ظالم، ولكنّني لا ألاحظ تعاطفاً كبيراً مع آل رومانوف، بل ثمّة مواقف سلبية تجاه الطرفين، القيصر والبلاشفة على حدّ سواء. إلى ذلك، يمكن الحديث عن لامبالاة من قبل الجميع".
ويلفت أندرييف إلى أنّ "التعصب للقيصر بات يقتصر على فئات محدودة من أصحاب التوجّهات الأرثوذكسية والملكية مثل النائبة في البرلمان ناتاليا بوكلونسكايا التي قادت حملة واسعة لمنع عرض فيلم "ماتيلدا" في نهاية العام الماضي، إذ إنّها رأت أنّه يسيء إلى نيكولاي الثاني ويظهره كـ"شخص عديم الإرادة يفقد عقله بسبب حبّه لراقصة". يُذكر أنّ هذا الفيلم أثار آنذاك جدلاً واسعاً في روسيا بسبب تناوله العلاقة العاطفية بين الإمبراطور الروسي الأخير وراقصة الباليه الشهيرة ماتيلدا كشيسينسكايا، واحتوائه على مشاهد مثيرة وتقديمه صورة للقيصر تختلف عن تلك التي تروّج لها الكنيسة الأرثوذكسية.
انقسامات عميقة
بيّنت أحداث عامَي 1917 و1918 انقسامات عميقة في روسيا وصلت إلى حد الحرب الأهلية الدموية بين الحرسَين الأحمر والأبيض، وأسفرت في نهاية المطاف عن قيام نظام شمولي وموجة من القمع الستاليني الذي بدأ عام 1937 وعرف تاريخياً باسم "الإرهاب الكبير".
ويرى رئيس "المركز الملكي لعموم روسيا" نيكولاي لوكيانوف - رازوموفسكي، أنّ "إعدام أسرة نيكولاي الثاني جاء حدثاً مفصلياً في تاريخ روسيا متسبباً في انقسامات لم يصر إلى تجاوزها حتى اليوم". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "البلاد باتت منذ ذلك الحين منقسمة وقد غمرتها سيول من الدماء". ويشير إلى أنّ الانقسامات ما زالت مستمرة، ولا مجال للمصالحة طالما لم تحدث توبة. كذلك ثمّة شوارع تحمل اسم لينين الذي يرقد في ضريحه بالساحة الحمراء وسط موسكو".
تجدر الإشارة إلى أنّ شخصية لينين وبقاء رفاته في الساحة الحمراء يثيران جدالاً واسعاً في روسيا، بين من يرى فيه مؤسساً لدولة عظمى امتلكت قنبلة نووية وأحدث توازناً استراتيجياً في العالم أجمع، وبين من يحملّه مسؤولية ثورة البلاشفة التي مهّدت الطريق للحرب الأهلية وأبشع أنواع القمع والمعتقلات ومعسكرات العمل الإجباري.
أحداث متلاحقة
استلم نيكولاي الثاني العرش في الإمبراطورية الروسية في عام 1894 بعد وفاة والده الإمبراطور ألكسندر الثالث. وشهدت فترة حكم نيكولاي مجموعة من الأحداث الدراماتيكية، ومنها ثورة 1905 التي تمخّض عنها تأسيس مجلس الدوما (النواب) وتقليص صلاحيات الحكم القيصري وصولاً إلى الحرب العالمية الأولى وثورة البلاشفة.
في مطلع عام 1917، تسببت أزمات إمداد مواد غذائية في إضرابات عمالية واسعة النطاق وأعمال شغب في العاصمة الروسية آنذاك بتروغراد. ومع ارتفاع عدد العمال الثائرين، راح ينضمّ إليهم طلاب وموظفون وحرفيون وفلاحون لتجتاح التحركات بتروغراد وموسكو وغيرهما من المدن. لم تؤدّ الإعدامات والاعتقالات إلى تهدئة الحراك، لتتحول بتروغراد إلى ثكنة عسكرية قبل أن يحسم انشقاق عدد كبير من الجنود في 27 فبراير/ شباط 1917 الصراع لمصلحة "المتمرّدين" الذين سيطروا على المباني الحكومية. وفي الأيام التي تلت، جرى تسليم السلطة إلى الحكومة المؤقتة في موسكو و"مجلس النواب العماليين والعسكريين" في بتروغراد، بينما تنحّى نيكولاي الثاني عن العرش في الثاني من مارس/آذار، من دون أن ينهي ذلك الأزمة المتصاعدة وسط ازدواجية السلطة وعجز الحكومة المؤقتة عن حلّ مشكلات المجتمع.
في تلك الأثناء، بدأ يتزايد نفوذ لينين وكذلك انتشار أفكار الاشتراكية. ومع ارتفاع عدد أنصار البلشفية، تشكلت "اللجنة العسكرية الثورية" التي بدأت تستعدّ لتمرّد مسلح. وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول، سيطر البلاشفة بقيادة لينين على كلّ المباني الرئيسية واعتقلوا أعضاء الحكومة المؤقتة، في حين جرى التخلص من رموز السلطة السابقة وصولاً إلى إعدام نيكولاي الثاني وأسرته.