روسيا وأوكرانيا... الصناعات العسكرية تجمع ما تفرّقه السياسة

20 يونيو 2014
متى تستغني موسكو عن كييف؟ (جنية سفلف/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
لم تستطع روسيا ولا أوكرانيا التخلّص من العلاقات السوفييتية التي تربطهما إلى اليوم، ولا يبدو ذلك ممكناً بعد، رغم الخلافات السياسية الشديدة بين قيادتي البلدين، واحتدامها، على خلفية ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وسعي أقاليم أوكرانية أخرى إلى صيغة فيدرالية، تراها كييف انفصالية في جوهرها بتحريض روسي. ويبقى تكامل الصناعات الحربية بين الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين، من أكثر المسائل تعقيداً، فالسياسيون يريدون وقف التعاون، ولكن قد تكون للتقنيين والاقتصاديين والعسكريين كلمة أخرى.  

في 16 يونيو/ حزيران، كشف نائب رئيس الحكومة الروسي، ديمتري روغوزين، على حسابه على موقع "تويتر"، عن وجود خطة استعاضة كاملة عمّا تستورده روسيا من أوكرانيا في مجال صناعة الدفاع. وأشار الى أن الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، "أوقف التعاون مع روسيا في مجال الصناعة الحربية، لكنه تأخر في إعلان قراره. وكانت وزارة الصناعة والتجارة الروسية قدمت، في 10 يونيو، خطة الصناعة الحربية، التي تتضمن الاستغناء تماماً عن استيراد المنتجات الحربية الأوكرانية".

لم يكشف روغوزين تفاصيل الخطة، لكنه أوضح أنها "جاءت بعد عمل دقيق قام به الاختصاصيون حول أين وماذا وما الوقت اللازم ومقابل أي سعر يمكن إنتاج المطلوب، ومَن المسؤول عن ذلك بدقة".

وعن قرار بوروشينكو، لفت النائب الأول لرئيس الوزراء الأوكراني، فيتالي ياريوما، في مقابلة مع قناة "آي سي تي في" المحلية، الى أن "بوروشينكو اتخذ قرار وقف التعاون العسكري مع روسيا، أثناء اجتماع مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني".

في السياق، ذكر موقع "أودنارودينا" أنه إذا "تم قطع التعاون في مجال الصناعة الحربية مع روسيا، فإن ذلك سيكون مؤلماً لروسيا، ولكنه لن يكون كارثي النتائج، على عكس الحال بالنسبة لأوكرانيا". ويشرح الموقع أن إيقاف التعاون مع روسيا "يمكن أن يتسبّب بانهيار كامل للصناعة الحربية الأوكرانية، إذ إن جميع معامل الدفاع الأوكرانية تعمل بفضل العقود الموقعة معها من الجانب الروسي"، علماً أن أكثر من نصف الأسلحة التي تصنعها المعامل الأوكرانية، تشتريها روسيا.

كما أن أكثر من 70 في المئة من المواد الأولية التي تستوردها أوكرانيا، لصناعتها الحربية، تحصل عليها من روسيا. وما تستطيع أوكرانيا إنتاجه، من دون تعاون روسيا معها، لا يتجاوز إنتاج دبابات "ت ــ 80"، والمدرعتين المقاتلتين "أبلوت" و"ياتاغان"، وناقلات جند من نماذج قديمة.

وكييف، التي تربطها عقود سلاح مع 45 دولة، تجد نفسها أسيرة لروسيا التي تستهلك 50 الى 60 في المئة من إنتاجها. ومع أن العلاقات العسكرية بين البلدين سبق أن شهدت توتراً وصل حد القطيعة، في السنوات الماضية، فقد تعاونت كييف في عهد الرئيس السابق، فيكتور يوتشينكو، مع جورجيا أيام رئيسها السابق ميخائيل ساكاشفيلي، ضد روسيا، وكبّدت الجيش الروسي خسائر مادية ومعنوية آنذاك.

وفي تأكيد لذلك، صرح ساكاشفيلي، على قناة "زيك"، في 8 أغسطس/ آب 2013، في الذكرى السنوية الخامسة للحرب الجورجية، أن "وسائط الدفاع الجوية الجورجية تمكنت آنذاك من إسقاط أكثر من 10 طائرات روسية". وأوضح أن "وسائط الدفاع الجوي التي استخدمت ضد الطيران الروسي، أوكرانية الصنع (صواريخ بوك وآسا)، وأن الضباط والعناصر الأوكرانيين هم مَن أداروا هذه المنظومات وأسقطوا الطائرات الروسية"، وهو ما سبق أن ثبّته القضاء الأوكراني. كما شكر ساكاشفيلي "صديقه" يوتشينكو على استقباله أفراد عائلته ورعايتهم أثناء الحرب، وحمايتهم من أعباء الحرب المادية والنفسية.

وكان يوتشينكو قد أوقف جميع مشاريع التعاون الأوكرانية مع روسيا، بما في ذلك المتعلق منها بالطيران وصناعة المحركات، فور تسلّمه رئاسة البلاد. ومنع، في أغسطس/ آب 2008، القوات الروسية من استخدام حقل الرماية "نيتكا" في القرم، فاضطرت روسيا في حينه الى بناء حقل الرماية البديل، "ييسك"، على أرضها. لكن كل ذلك بات من الماضي، فالتعاون عاد من جديد، كون الاقتصاد قال كلمته.

أصالة السلاح

وفي عودة إلى تاريخ الصناعة الحربية في أوكرانيا في العهد السوفييتي، يذكر موقع "ستوبوور.رو" أن "750 معملاً للصناعة الحربية أُقيمت على أراضي أوكرانيا، و130 مؤسسة علمية هندسية كانت تتولى التطوير العلمي الهندسي لصناعة الأسلحة". كما يوضح أن "35 في المئة من إجمالي الصناعة الأوكرانية، بمختلف فروعها، كانت تخدم الصناعة الحربية السوفييتية. فأوكرانيا وحدها كانت تزود الاتحاد السوفييتي بـ350 طائرة سنوياً".

ومقارنة بتلك الحقبة، تشير معطيات العام 2007، إلى تناقص عدد مؤسسات معامل الدفاع بمعدل خمسة أضعاف، وانخفاض حصة الصناعة الحربية من إجمالي الصناعة في أوكرانيا من 35 في المئة إلى 6 في المئة. وفي العام 2010، ذكر موقع "يابر.أورغ"، أنه لم يبق في البلاد سوى 143 معملاً يخدم الصناعة الحربية.

أما روسيا، فبدأت، من دون الاعتماد على أوكرانيا، بصناعة الصاروخ الباليستي الجديد "توبل-إم"، ونظيره البحري "بولافا"، وكذلك المروحية الحربية "كا-60"، وتخلت بذلك عن محرك المروحيات الأوكراني "موتور-سيتش". كما استغنت عن أوكرانيا في صناعة منظومة الدفاع الجوي "إس-400"، علماً بأن أوكرانيا كانت لا تزال تشارك في صناعة صواريخ "إس-300".

متى تستغني موسكو عن كييف؟

يشير موقع "توبوور.رو" إلى أن "مؤسسات الدفاع الروسية سوف تتمكن، بصورة مستقلة، من صناعة معظم القطع التي تستورها من أوكرانيا، خلال سنتين أو ثلاث سنوات من الآن، على أن يكتمل الاستقلال الحربي كليّاً خلال 10 سنوات كحدّ أقصى".
ويشير موقع "يابر.أورغ " إلى أن عدد الأنواع التي يشملها التبادل التجاري الحربي بين البلدين، يبلغ نحو 8000 نوع من القطع والمعدات المختلفة، وأن عدد المؤسسات التي يشملها التعاون في البلدين يبلغ 1330 مؤسسة.

والخطة الروسية، التي تحدث عنها روغوزين، والقاضية بالاستغناء عن التعاون مع أوكرانيا في مجال الصناعة الحربية، لن تمضي من دون خسائر كبيرة لروسيا في بعض المجالات. فمثلاً، لا تستطيع روسيا الاستغناء عن أوكرانيا في مجالات صناعة محركات الطيران، وخدمة الصورايخ العابرة للقارات وصيانتها، وصناعة المحركات التوربينية للسفن.

فهل تعيد المصالح المشتركة العلاقات بين البلدين إلى سكة الوفاق رغم احتدام النزاع بينهما اليوم على أرض لوغانسك ودونيتسك؟ 

المساهمون