روسيا في 6 سنوات: الاقتصاد يتعافى من أزمتي النفط والقرم

18 مارس 2018
شهد الاقتصاد الروسي خضات كثيرة خلال ولاية بوتين(Mikhail Svetlov/Getty)
+ الخط -

تبدأ اليوم الأحد الانتخابات الروسية وسط شعور عام بأن الرئيس الحالي فلاديمير بوتين هو من سيربح هذه الانتخابات. ولعل الولاية المقبلة التي قد يحصدها بوتين، لن تكون بالصعوبة ذاتها كولايته الحالية، خصوصاً من الناحية الاقتصادية إذ شهد الاقتصاد الروسي خضات كثيرة خلال الولاية الحالية، إلا أنه بدأ إلى حد ما بالاستقرار.

ولعبت الأزمة الأوكرانية في 2014 والتدخل الروسي في القرم، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط في العام ذاته دوراً رئيساً في التقلبات التي ضربت الاقتصاد الروسي، ليعود إلى الاستقرار تدريجياً بدعم من اتفاق خفض إنتاج النفط الذي قادته "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك) وروسيا بهدف دعم الأسعار في النصف الأول من العام الماضي.

وضربت الأزمة الأوكرانية وضم روسيا لشبه جزيرة القرم كل مؤشرات الاقتصاد الروسي، إذ انهارت قيمة العملة أكثر من 50 في المئة، كما ارتفعت مستويات التضخم لمستويات غير مسبوقة منذ 2008، إضافة إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات الفقر.

وانخفضت قيمة الناتج المحلي الإجمالي الروسي، خصوصاً مع فرض أوروبا والولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية على روسيا، وهو ما أثر بصورة واضحة على حجم الاقتصاد ككل.

وفي مارس/ آذار من عام 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، كما اتهمت بدعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا ونشر جنود لها في البلاد، ما دفع بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا واليابان إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية تدريجية على روسيا.


ولكن الضربة الأقوى كانت بعيد إسقاط طائرة ماليزية في شرق أوكرانيا خلال يوليو/ تموز من العام ذاته، إذ شدد الاتحاد الأوروبي عقوباته الاقتصادية ضد روسيا، وشملت قطاعات حيوية أبرزها قطاع الطاقة والصناعة العسكرية وقطاع الشحن والقطاع المالي.

وردت موسكو في بدايات أغسطس/آب 2014 بعقوبات شملت منع استيراد قائمة واسعة من الأغذية لمدة عام من الدول التي فرضت عقوبات على موسكو بسبب الأزمة شرقي أوكرانيا.

وتعلق الأمر بمنتجات الفواكه والخضراوات واللحوم والأسماك والحليب والألبان من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا والنرويج.

 
الناتج المحلي الإجمالي

وسجل الناتج المحلي الإجمالي تحولاً كبيراً في السنوات المذكورة، إذ بلغ 2.21 ترليون دولار في 2012 ليرتفع بعدها إلى 2.29 ترليون دولار في 2013.

وشكل عام 2014 نقطة فاصلة في مسيرة الاقتصاد الروسي، خصوصاً أنها دولة تعتمد بشكل رئيس على الموارد النفطية إذ تشكل إيرادات النفط أكثر من نصف إيرادات الدولة الروسية، في وقت وصل سعر برميل النفط في هذه السنة إلى 35 دولاراً.

وقال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف آنذاك، إن بلاده ستتكبد ما بين 130 و140 مليار دولار سنوياً بسبب انخفاض أسعار النفط والعقوبات المالية الغربية، ما يعني أنها ستخسر 7% من ناتجها القومي.

وفي أوائل أغسطس/ آب 2014، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن الاقتصاد الروسي "أوشك على التوقف" نتيجة للعقوبات الأميركية والأوروبية، وتوقعت واشنطن بأن تزيد العقوبات الاقتصاد الروسي الضعيف حالياً ضعفاً.


وسجل الناتج المحلي الإجمالي في 2014، 2.063 ترليون دولار لينخفض في 2015 إلى 1.365 ترليون دولار، و1.283 ترليون في 2016. وعاد الناتج المحلي إلى التحسن في 2017 ليرتفع إلى 1.46 ترليون دولار. ومن المتوقع أن يتابع الناتج المحلي الإجمالي مسيرة الارتفاع ليصل إلى 1.804 ترليون دولار بحلول 2022.

معدلات الفقر

ساهمت الأزمة الأوكرانية والعقوبات الأميركية والأوروبية في زيادة معدلات الفقر في روسيا خلال سنوات حكم بوتين الأخيرة، وخصوصاً مع ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة.

وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الفقر في روسيا تراجعت من 29% عام 2000 إلى 10.7% عام 2012 بحسب وكالة "روس ستات" الروسية للإحصاءات، فهي عادت وارتفعت إلى 13.4% عام 2016.

وبات عدد الروس الذين يعتبر "البنك الدولي" أنهم ينعمون بالأمان الاقتصادي، أي بمأمن من التراجع إلى ما دون عتبة الفقر، يمثل أقل من نصف السكان (46.3%) بتراجع عشر نقاط عن العام 2014.

كما تشير التوقعات إلى أن النمو لن يتخطى على المدى المتوسط عتبة 2%. 


استقرار البطالة 

ولعل مستويات البطالة الأقل تضرراً من الأزمة الاقتصادية الروسية، إذ لم تشهد تقلبات حادة بالصورة التي شهدتها المؤشرات الأخرى.

واستقرت مستويات البطالة في روسيا في عامي 2012 و2013 عند 5.5 في المئة، لتنخفض في 2014 إلى 5.2 في المئة، وترتفع في 2015 و2016 إلى 5.6% و5.5% على التوالي. وفي 2017، سجلت مستويات البطالة انخفاضاً لتصل إلى 5.3%.

ارتفاع التضخم

عندما استلم بوتين السلطة في 2012، سجّلت معدلات التضخم 5.07% لترتفع تدريجياً وصولاً إلى 7.82% في 2014.

وكان العام 2015 الفيصل في مستويات التضخم، إذ قفزت معدلات التضخم مباشرة إلى 15.53% مع انهيار قيمة الروبل والعقوبات الأوروبية التي شملت حظراً غذائياً.

وحذر البنك المركزي الروسي بأن معدل التضخم المرتفع سيزيد مع تنفيذ موسكو حظراً على الواردات الغذائية من أوروبا وأميركا.

وانخفضت نسبة التضخم بشكل ملحوظ إلى 7.05% عام 2016 بعدما بدأ الاقتصاد الروسي بالتعافي من الحظر، ومع الارتفاع التدريجي لأسعار النفط، لتصل إلى 4.24% في 2017.

يوم أسود للروبل

أما العملة الروسية الرسمية، الروبل فإن تاريخ الثلاثاء 16 ديسمبر/ كانون الأول 2014، سيظل محفوراً في أذهان المواطنين الروس، إذ وصفت الصحافة العالمية هذا اليوم بـ"اليوم الأسود" للروبل الروسي الذي فقد أكثر من نصف قيمته أمام الدولار.


ومع بدء فرض العقوبات الغربية ضد روسيا تعرض الروبل لضغوط إضافة للضغوط الناتجة عن المخاطر الجيوسياسية وتصاعد حدة المعارك في أوكرانيا، زاد من حدتها خفض وكالة "موديز" نظرتها المستقبلية لتصنيف روسيا إلى "سلبية"، كما لعب تراجع أسعار النفط الذي بدأ في شهر يونيو/حزيران دوراً في انخفاض قيمة الروبل.

وحاول بنك روسيا المركزي نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2014 دعم الروبل وكبح جماح التضخم الذي وصل معدله إلى أرقام مرتفعة، عن طريق رفع سعر الفائدة الأساسي بنسبة 1.5% إلى 9.5%، إلا أنه لم يؤثر بشكل ملموس على سعر الصرف.

وبدأ تدهور الروبل بالتسارع بعد أن تراجعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية بعد قرار "أوبك" عدم خفض الإنتاج، حتى يوم 16 ديسمبر/كانون الأول (الثلاثاء الأسود)، يومها سجل الروبل مستويات قياسية منخفضة وبلغ سعر صرف الدولار 80.1 روبلا فيما تجاوز اليورو عتبة المائة روبل بقليل.

تراجع الاحتياطات

نتيجة انهيار الروبل والعقوبات الأوروبية والأميركية بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط، تراجعت احتياطات روسيا الدولية في مايو/ أيار 2015 إلى أدنى مستوى منذ 2007، وسجلت 356 مليار دولار. في وقت سجلت مستوى قياسياً في 2013 عند نحو 550 مليار دولار.


ومنذ 2015، حتى العام الماضي، استمر المنحنى النزولي للاحتياطي الروسي، ليعود إلى الارتفاع في مارس/ آذار الماضي ويسجل 453.6 مليار دولار بارتفاع نسبته 14% مقارنة بالـ 12 شهراً السابقة. 

كما سجلت صادرات شركة "روس أوبورون إكسبورت" التي تدير أكثر من 85% من صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية خلال الـ17 عاماً الماضية مبيعات بقيمة 140 مليار دولار.

وسجلت صادرات الأسلحة الروسية في عام 2016، 13.06 مليار دولار، في مقابل 12.9 ملياراً لعام 2015.

وتستحوذ روسيا على 23% من سوق الأسلحة في العالم. وتمثل هذه الصناعة نحو 20% من إجمالي وظائف الصناعة في روسيا.

 خسائر الغاز

مع انخفاض أسعار النفط والغاز عالمياً في 2014، خسرت الشركة الحكومية الروسية "غاز بروم" نحو 86% من أرباحها، وهو ما يصل قيمته إلى 17 مليار دولار، إذ حققت مع نهاية السنة أرباحاً تصل إلى 3 مليارات دولار، في حين أن أرباحها في العام 2013 وصلت إلى 20 مليار دولار. وتشكل إيرادات الشركة نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، في وقت يأتي أكثر من نصف عائدات الحكومة من النفط والغاز.

وسجلت صادرات الغاز الروسي إلى بلدان خارج رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات السوفييتية سابقا)، أرقاماً قياسية جديدة بلغت نحو 180 مليار متر مكعّب في 2016، في حين وصلت إلى 193.9 بليون قدم مكعبة في العام الماضي.


تعثر المصارف

شهد القطاع المصرفي الروسي، في عام 2017 مجموعة من الهزات تمثلت في تعثّر مصارف كبرى مثل "يوغرا" و"تات فوند بنك" (جمهورية تتارستان)، وتدخلات البنك المركزي لإنقاذ أكبر المصارف الخاصة ("أوتكريتيه" و"بين بنك" و"بروم سفياز بنك") من خلال ضخ أموال في رؤوس أموالها.

ومع ذلك، شهد قطاع المال والتأمين في روسيا، نمواً متسارعاً بلغ 0.1 و2.7 و5.1 في المائة على أساس سنوي في الأرباع الأول والثاني والثالث على التوالي. 

من جانب آخر، لم تتحقق آمال موسكو في تخفيف العقوبات المفروضة عليها، بعد تولي الإدارة الأميركية الجديدة زمام السلطة في البيت الأبيض، بل ازدادت حرب العقوبات حدة، بعد تزايد مبادرات الكونغرس لتوسيع رقعة العقوبات، وتوقيع ترامب على قانون العقوبات الذي وصفه بـ "المعيب".

المساهمون