روسيا ـ بوتين تحتاج الكثير

09 مايو 2015

لم تتمكن البلاد من تحرير اقتصادها خارج قطاع الطاقة(Getty)

+ الخط -

بعد 70 عاماً على النصر السوفييتي على ألمانيا النازية، لا تبدو وريثته روسيا "محبوبة" في العالم. "النزعة" الغربية قادرة أن تتفوّق على روسيا اليوم، كما تفوّقت على الاتحاد السوفييتي. ويدرك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنه في وضعٍ صعب، تحديداً لناحية مفهوم "العزل الدولي" لمن كان أحد قطبي العالم، زمن الحرب الباردة. لا شيء تغيّر على بوتين، فهو كان "معزولاً" مع اتحاد سوفييتي وكوكبة من دول الكتلة الشيوعية أكثر من 50 عاماً. الزمن يعيد نفسه في هذا المبدأ، لكن بوتين يحاول المواجهة بطريقة أكثر ذكاءً من أسلافه، لخبرته الجديدة في تعاطيه مع الغرب من جهة، ولإدراكه أن "المواجهة الشاملة" ستُعيد روسيا إلى ما كانت عليه، بعد "وفاة" الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى.

أحياناً، يبدو للجميع أن موسكو استعادت وهجاً قديماً، لكن الواقع لا يشي بذلك. لم تتمكن البلاد من تحرير نفسها اقتصادياً خارج قطاع الطاقة، الغاز تحديداً. ارتباط اسمها بالغاز جعلها أقرب إلى دولة نفطية، تبحث عن أسواقٍ، لا دولة تعمل على استرداد مجدٍ سياسي غابر. لذلك، سعت موسكو إلى أداء دور سياسي عبر الغاز حصراَ، وعقدت اتفاقيات التموين ومدّ أنابيب الغاز مع الصين وتركيا وبعض دول وسط آسيا. لكن بوتين لم يحتط جيداً لاحتمال حصول انخفاض هائل في أسعار الطاقة، وأثره على سعر صرف الروبل الروسي، وهو ما ظهر في الفترة الماضية، التي دفعته إلى التحدّث أمام المواطنين الروس، والطلب منهم "التحمّل سنتين فقط على الأكثر، حتى ننتصر على الأزمة الاقتصادية".

يدرك الرجل أن الدور الروسي في سورية واليمن وشرق أوكرانيا، "دور معزول" إلى حدّ ما. لا حلفاء فعليين لموسكو، يتمكنون من مساندتها ميدانياً أو سياسياً. ولا يُمكن التعويل على الصين، التي يقتصر دعمها على "خرق العقوبات الاقتصادية" ضد روسيا، والتماهي معها في الملفات الدولية في مجلس الأمن، إلى حدّ استخدام حق النقض "الفيتو" مرات عدة. لن تنخرط الصين في حربٍ محلية أو هامشية ميدانياً. تعلّمت من دروس هونغ كونغ والتيبت. هو، إذاً، وحيد في منطق المواجهة المباشرة. عليه أن يفكّر في كل شيء، في كيفية تموين مسلّحي منطقتي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين الانفصاليتين بالسلاح ضد حكومة كييف، والمحافظة على وجود القاعدة الروسية في مرفأ طرطوس السوري، وتلبية حاجات القطاع الطبي في موسكو، وتوسيع الجهد المبذول على ترسيخ فكرة "القومية الروسية" في عقول الأجيال الآتية. يقوم بوتين بجهدٍ مضاعف، عكس الولايات المتحدة، التي يُمكنها تسليم بعض الملفات "الثانوية" لبعض حلفائها من دول الاتحاد الأوروبي، تحديداً، للتفرّغ لمعالجة مشكلة ما، قد تعتبرها أكثر أهمية في نظرها من أي مشكلة خارجية، كالمشكلة العرقية في مدينتي بالتيمور وفيرغسون.

لا يُمكن الحديث عن دور روسي متعاظم، طالما أن موسكو ليست طرفاً يفرض العقوبات، ولا الطرف الذي يُمكنه جمع جيوش من 40 دولة لشنّ هجومٍ مماثل لما فعلته الولايات المتحدة في حربي العراق 1991 و2003، وأفغانستان 2003. لا يُمكن الكلام عن "قوة روسية" عالمية، طالما أن الجيش الروسي يخوض صراعات في جمهوريات سوفييتية سابقة، ولا يخوض الجيش الأميركي نزاعات مماثلة مع كندا والمكسيك مثلاً. لا يُمكن الحديث عن "مناعة روسية" طالما أن تراجع سعر الروبل كاد أن يهزّ الروس في أعماقهم، في وقتٍ عمدت فيه الولايات المتحدة إلى ترتيب المنظومة الصحية، وإعادة هيكلة شركاتها العملاقة بعد الأزمة المالية 2008.

حتى الآن، يتقمّص الروس دور الاتحاد السوفييتي السابق، مع قيمة مُضافة اسمها: بوتين. يوحي الرجل بأنه قادر، وهو فعل، على انتشال روسيا من سنوات الضياع في التسعينيات، لكنه يحتاج إلى الكثير بعد، حتى يعود بها إلى مصاف اتحاد سوفييتي سابق. وربما تُحفّزه ذكرى "يوم النصر".

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".