روسيا... عامُ في سورية

04 أكتوبر 2016
+ الخط -
لا يختلف اثنان على أنّ 30 سبتمر العام الماضي كان يوماً مفصلياً من عمر الثورة في سورية، والذي شهد تدخل روسيا المباشر في الحرب السورية بذريعة مكافحة الإرهاب، حيث عمل الرئيس فلاديمير بوتين على إخراج هذا التدخل وهندسته، وإكسابه شرعية وطابعاً سياسياً ودينياً، مستنداً، بالدرجة الأولى، إلى أنّ حكومة دمشق طلبت منه التدخل، وهو لبّى النداء.
إبّان ذلك، اختلفت وجهات النظر والآراء في الوسط السياسي الخاص بالملف السوري بشأن طبيعة هذا الحراك الروسي، وما غايته ولماذا جاء بعد العام الرابع من عمر الصراع في سورية، إضافة إلى سؤال آخر في غاية الأهمية: من الذي أطلق يد روسيا في سورية، ولماذا؟
حملت تلك الأسئلة احتمالات عديدة، أوّلها متعلّق بإيران التي باتت عاجزة عن دعم الأسد اقتصادياً وعسكرياً، فلم تعد تستطيع الاستمرار منفردةً مع ذراعها في المنطقة حزب الله اللبناني، ناهيك عن الخسائر التي مُنيت بها في استنزاف القوة البشرية والاقتصادية، فتمّ الترجيح أن تكون طهران طلبت من موسكو التدخل لتستلم زمام الأمور، وتستمر في دعم الأسد الذي شارف، آنذاك، على السقوط جرّاء الهزائم التي تكبّدها، وخصوصاً في مدينة إدلب التي خرجت عن سيطرته بشكل كامل إضافةً إلى وصول الفصائل العسكرية إلى أبواب الساحل بما يُعرف البيت الداخلي للنظام.
فيما يبقى الاحتمال الثاني للتدخل الروسي، وهو الرغبة الأميركية لاستجرار روسيا في المستنقع السوري، لاستنزافها اقتصادياً وعسكرياً، فأوعزت لبوتين بإطلاق يده في سورية بعد تنسيق ثلاثي (أميركي روسي إسرائيلي)، ظهرت تداعياته في الزيارات المكوكية والاجتماعات التي سبقت التدخل بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتياهو.
عسكرياً، أكسبت روسيا نظام الأسد مظلةً جوية للاستمرار في ارتكاب المجازر بحق شعبه، والتي اشتركت بها موسكو مباشرة باستخدام أحدث الطائرات، إذ استطاع النظام خلالها استعادة معظم مناطق ريف اللاذقية المحرّرة المعروفة بموقعها الاستراتيجي، واستعاد بلدات ريف حلب الجنوبي من قبضة الفصائل.
والإنجاز الأهم تفريغ طوق العاصمة دمشق من الكيان السني من بلدات الغوطة الشرقية: داريا والمعضمية والزبداني، وأيضا حي الوعر في ريف حمص بموافقة دولية، عبر مصالحات أفضت إلى خروج أصحاب الأرض الأصليين، من غير عودة إلى شمال سورية، والمجيء بعوائل إيرانية عراقية من المكوّن الشيعي، في إشارة إلى تنفيذ التغيير الديمغرافي، والذي بات مؤخراً يهدّد مدينة حلب المحاصرة.
خلال عام دام من الاستفراد الروسي في سورية، ارتكبت روسيا أكثر من 160 مجزرة، معظمها على الأحياء المأهولة بالسكان، وقصفت أكثر من 60 مركز طبي ودفاع مدني ومستشفيات مدنية، معظمها في حلب، لتكون حصيلة القتلى أكثر من تسعة آلاف مدني، جُلّهم من النساء والأطفال، كما استطاعت روسيا توسيع نفوذها عبر الاستيلاء على قاعدة حميميم، وإنشاء أخرى في تدمر وتطوير قاعدة طرطوس، وهذا يجعلها تعزّز وجودها بالمياه الدافئة إلى إشعار آخر.
سياسياً، من الواضح أنّ روسيا استطاعت أن تفرض نفسها قوة دولية على جثث السوريين، محاولةً استعادة أمجادها السابقة قوة عظمى، وخصوصاً أمام أميركا وحلفائها التي باتت تُبدي امتعاضها، إلى حد ما، من استغلال روسيا في ربط الملف السوري بملفاتٍ عالقة، كالملف الأوكراني، ما يطرح هنا تساؤلاً آخر: ماذا تريد روسيا سياسياً؟
قد يبدو، على المدى القريب، أنّ ما يهم بوتين تحقيق نقاط لصالحه، تتعلّق بثلاث نقاط، أهمها ضم شبه جزيرة القرم بشكل نهائي، والاعتراف بها رسمياً جزءاً من روسيا الاتحادية. ثانياً رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وآخرها متعلّق بالدرع الصاروخي. من هذه المعطيات الثلاثة، يبدو جلياً أنّ بوتين تدخل في سورية، للحصول على تنازلاتٍ دولية، تحقّق تقدماً في الملفات الثلاث. حينها، ربما يحدث انفراج في الملف السوري، متعلق حصرياً باستغناء روسيا عن الأسد، وهو ما يبدو غير وارد في المنظور القريب.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)