وتحدثت تسريبات عن مهلة 24 ساعة أعطتها روسيا أمس إلى مقاتلي ريف درعا الغربي للاستسلام وتسليم كل الشريط الحدودي مع الأردن لقوات النظام السوري، قبل شن حملة عليهم. ولا يزال الاتفاق، الذي أبرم الجمعة الماضي، متعثراً وغير واضح المعالم، إذ يشهد تنفيذه تخبطاً، بعد ما كان مقرراً أن تغادر دفعة مُهجرين رافضين للاتفاق من درعا إلى الشمال السوري على متن عشرات الحافلات، لكن الجانب الروسي "ماطل في الأمر"، كما أفادت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، ما دفع وفد المعارضة إلى إلغاء العملية، والطلب ممن سجل اسمه للخروج إلى الشمال التوجه إلى منطقة الرفيد في ريف القنيطرة على الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، خشية تعرضهم للاعتقال من جانب قوات النظام التي حاصرت بلدة نصيب والبلدات المجاورة لها، على أن ينتظروا هناك ريثما يتم التوافق على آليات الخروج باتجاه الشمال.
من جهتها، ذكرت وسائل إعلام النظام أن نحو 30 حافلة تجمعت في مدينة الصنمين، تمهيداً للبدء بعملية التهجير التي تتلو أي تسوية يعقدها الروس مع المعارضة، إذ يرفض كثيرون البقاء تحت سيطرة قوات النظام التي تقوم عادة بعمليات انتقام بحق المعارضين لها. وقضى الاتفاق بأن يكون عدد المغادرين بحدود ستة آلاف شخص، بينهم مقاتلون، إلا أن مصادر في المعارضة أعربت عن اعتقادها بأن الجانب الروسي والنظام قد يغضان النظر عن عدد من يرغبون بالمغادرة إلى الشمال، لأن تحديد العدد كان على الأرجح بطلب من السلطات التركية التي لا تريد استقبال المزيد من المهجرين في المناطق التي تشرف عليها في الشمال السوري بسبب اكتظاظها بالسكان. وأضافت المصادر أن استعجال خروج المقاتلين وعائلاتهم جاء بعد أن أبلغ الروس الفصائل الموقعة على الاتفاق عزم قوات النظام استكمال السيطرة على الشريط الحدودي مع الأردن من معبر نصيب وحتى بلدة خراب الشحم، ومنها إلى محيط حوض اليرموك، ما يقطع التواصل بين الريفين الشرقي والغربي، ويجعل مقاتلي الفصائل في تلك المنطقة تحت رحمة قوات النظام.
وظهرت مؤشرات على نية النظام عدم الالتزام بالاتفاق المبرم بين الروس والمعارضة، إذ تواصل قواته تعزيز سيطرتها على معبر نصيب في خرق للاتفاق الذي قضى بأن يكون المعبر تحت إشراف الشرطة العسكرية الروسية، وليس قوات النظام التي ترفض أيضاً تنفيذ بند آخر من الاتفاق قضى بانسحابها من عدة قرى في الريف الشرقي كانت سيطرت عليها أخيراً. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام قصفت بالطيران، أمس الأحد، بلدة أم المياذن جنوب شرق مدينة درعا ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين، مشيرة إلى سعي هذه القوات للتمدد غرباً على طول الشريط الحدودي مع الأردن من معبر نصيب وحتى بلدة خراب الشحم، ومنها إلى محيط حوض اليرموك، ما يقطع التواصل بين الريفين الشرقي والغربي للمحافظة. وتحدث "المرصد السوري لحقوق الإنسان عن استهداف الطائرات الحربية السورية الأحياء الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة في مدينة درعا، ما أسفر عن مقتل مدني.
ومن المقرر أن تتزامن عملية التهجير هذه مع تسليم الفصائل دفعة جديدة من سلاحها الثقيل والمتوسط، وفق بنود الاتفاق، الذي يشمل في المرحلة الأولى الريف الشرقي، وفي المرحلة الثانية مدينة درعا وريفها القريب، وصولاً إلى المرحلة الثالثة التي يفترض أن تشمل الريف الغربي ومحافظة القنيطرة. ولا تزال فصائل في ريف درعا الغربي وفي ريف القنيطرة ترفض الاتفاق الموقع مع فصائل الريف الشرقي، وأعلنت اندماجها تحت مكوّن عسكري جديد يحمل اسم "جيش الجنوب"، وتشكيل وفد مفاوض من طرفها. وقال أحمد الصالح، الرئيس السابق للمجلس المحلي لمدينة جاسم، وعضو خلية الأزمة التابعة للمعارضة في درعا، في تصريحات صحافية، مساء السبت، إنه "تم تشكيل جيش الجنوب في المنطقة الغربية والقنيطرة لرد أي عدوان طارئ، كما تم تشكيل فريق تفاوض من أجل التوصل لاتفاق يضمن سلامة أهلنا وشبابنا ويحفظ البلاد". وأوضح البيان الأول لـ"جيش الجنوب" أن تشكيله جاء "نظراً لما تمر به الثورة السورية من مرحلة خطيرة ولضرورة توحيد الصفوف وتوحيد القرار العسكري والسياسي، بما يحفظ كرامة أهلنا وثوابت الثورة". ووقع على البيان 11 فصيلاً، هم جيش الأبابيل، وألوية قاسيون، وألوية جيدور حوران، وجيش الثورة في جيدور، وغرفة عمليات واعتصموا، والمجلس العسكري في الحارة، والمجلس العسكري في تسيل، وغرفة سيوف الحق، ولواء أحرار قيطة، وغرفة عمليات النصر المبين، والفصائل المنحازة من المنطقة الشرقية. وأضاف البيان "إننا في جيش الجنوب، ندعو جميع الفصائل العاملة على أرض الجنوب إلى الانضمام لهذا الجيش، كما نعلن حالة النفير العام والجاهزية لاستقبال جميع من يرغب برص الصفوف، وتوحيد الكلمة من أرض الجنوب".
وكانت مصادر محلية قد ذكرت أن مدن وبلدات الريف الغربي لدرعا وافقت على التفاوض مع الروس، إثر منحها، من جانب موسكو، مهلة 48 ساعة للتشاور من أجل "المصالحة" وتسليم السلاح، مشيرة إلى أن وفد التفاوض في الريف الغربي لا يشمل محافظة القنيطرة التي تسيطر المعارضة على عدة قرى في ريفها المتاخم لريف درعا الغربي. وتحاول فصائل الريف الغربي تحسين شروط الاتفاق مع الجانب الروسي من خلال توحيد جهودها العسكرية، مستفيدة من كون المنطقة قريبة من الجولان، ومن ثم فإن هامش المناورة محدود أمام قوات النظام. ولكن قد لا يتردد الروس في قصف المنطقة بناء على تفاهم مع الإسرائيليين في حال عدم انصياع الفصائل للإملاءات الروسية، إذ تسعى موسكو للسيطرة على الجنوب السوري برمته، وتضغط على المعارضة من خلال ارتكاب مجازر ضد المدنيين.
وفي الجانب الآخر من الحدود يبدو الجيش الإسرائيلي متحفزاً يراقب التطورات في جنوب سورية، مع تلويح تل أبيب بالتدخل العسكري المباشر. وترجح مصادر مختلفة أن يحسم اجتماع بوتين ونتنياهو، في موسكو الأربعاء المقبل، الوضع النهائي للجنوب السوري، في ظل تهديد الجيش الإسرائيلي بدخول المنطقة الفاصلة على الحدود السورية إذا ما ازداد ضغط النازحين السوريين على الحدود السورية الإسرائيلية. ويشدد مسؤولون إسرائيليون على أنه "لن يُسمح باجتياز السياج الأمني الحدودي"، مستخدمين مصطلح "الفارين" للقفز فوق القانون الدولي الذي ينص على فتح الحدود أمام اللاجئين في حال تعرض حياتهم للخطر. وهذه هي الزيارة الثالثة لنتنياهو إلى موسكو هذا العام، وعادة ما يكون الملف السوري في صلب المباحثات مع المسؤولين الروس. وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمس الأحد، أنّ نتنياهو سيبحث في لقائه المرتقب مع بوتين تفاصيل انتشار ومواقع القوات الإيرانية في سورية، بعد تبكير موعد اللقاء، الذي كان مقرراً الأسبوع المقبل. وأشارت إلى أنّ تقارير من سورية، تبيّن أنّ روسيا لم تلتزم كلياً بتعهداتها لكل من إسرائيل والأردن، بألا تشارك قوات من المليشيات الموالية لإيران، ومن "حزب الله"، في القتال في درعا جنوبي سورية. وقالت الصحيفة إنّ عناصر من "حزب الله" والمليشيات الإيرانية شاركوا في العمليات القتالية، عبر الاندساس بين القوات النظامية السورية، وبالزي العسكري لجيش النظام، لكن مجمل انتشار قوات النظام في درعا تم بدون مشاركة مليشيات إيرانية أو قوات من "حزب الله"، بحسب "هآرتس". ومن الواضح أن تل أبيب تحاول تجنب خيار التدخل العسكري المباشر جنوب سورية من خلال إبرام تفاهمات مع الروس تعيد الجنوب السوري لقوات النظام التي حافظت على حدود إسرائيل الشمالية منذ اتفاق وقف إطلاق النار في عام 1974. واستبقت إيران الاجتماع بالتأكيد على إبقاء وجودها العسكري في سورية بعد هزيمة تنظيم "داعش" من أجل "مواجهة المخططات الإسرائيلية". وقال مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الدولية، حسين أمير عبد اللهيان، أمس الأحد، إن "إسرائيل تسعى لفرض هيمنة على سورية عقب هزيمة داعش"، مضيفاً أن بلاده "ستبقي على وجودها العسكري في سورية بعد هزيمة داعش لمواجهة المخططات الإسرائيلية، وأن المستشارين العسكريين الإيرانيين سيواصلون عملهم في سورية بنفس الطريقة".
إلى ذلك، قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأردن، أندرس بيدرسن، في مؤتمر صحافي عمان، إن أزمة النازحين على الحدود السورية الأردنية انتهت تقريباً، فيما أعلن ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأردن، ستيفانو سيفر، إن الأمم المتحدة مستعدة للدخول إلى جنوب سورية مع قوافل المساعدات، مضيفاً أن النازحين كانوا يغيرون أماكنهم بشكل مستمر خلال الأيام الأخيرة، ما أدى إلى تشتت المساعدات وصعوبة إيصالها إليهم. في هذا الوقت، ذكر نشطاء أن قوات حرس الحدود الأردني أطلقت النار على بعض النازحين ممن اقتربوا من الشريط الشائك ما تسبب في مقتل شخص وإصابة آخرين.