روسيا تشرّع أبوابها للمليشيات العراقية

25 مارس 2015
عناصر من مليشيا "سرايا السلام" (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
بعد تراجع القوات النظامية العراقية على حساب المليشيات الشيعية المحلية التي تخطى تعدادها حاجز المائة والخمسين ألف عنصر، غالبيتهم يحظون بدعم إيراني واسع، تحولت تلك المليشيات الى القوة العسكرية رقم واحد في العراق، وبطبيعة الحال القوة السياسية أيضاً.
وأصبحت تلك المليشيات التي يحتل غالبية قادتها مناصب في البرلمان والحكومة، قوة كبيرة، قد تتحول الى ورقة سياسية إقليمية، إذ كشفت مصادر مقربة من مليشيا "الحشد الشعبي"، لـ"العربي الجديد"، عن لقاءات واسعة بين قادة وعناصر بارزين في المليشيات مع الطاقم الدبلوماسي والأمني في السفارة الروسية في بغداد، على مدار الأسبوعين الماضيين، غير أنها لم تكشف عن سبب تلك اللقاءات أو فحوى ما تم مناقشته، خصوصاً أنها جرت خارج إطار تحركات السفارة البروتوكولية.


اقرأ أيضاً (العراق: جرحى "الحشد الشعبي" إلى بيروت وطهران للعلاج)

وتتميز مليشيات "الحشد الشعبي" بفصائلها الواحد والأربعين، بكونها قوة سياسية وليست عسكرية فقط . وتستمد ذلك من غطاء ديني تحت فتوى الجهاد التي أعلنها رجل الدين الشيعي، علي السيستاني، إذ يشغل نائب رئيس الوزراء الحالي بهاء الأعرجي، منصباً قيادياً في مليشيا "سرايا السلام"، بينما يتولى وزير النقل، بيان جبر صولاغ، منصباً متقدماً في الجناح العسكري لمليشيا "المجلس الأعلى"، التي تقاتل الى جانب الجيش النظامي. بينما يتولى النائب في البرلمان، هادي العامري، قيادة مليشيات "بدر" المتهمة بجرائم ضد الإنسانية، في الوقت الذي يعمل رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، قائداً عسكرياً لمليشيا "لواء اليوم الموعود"، التابعة للتيار الصدري.

وقال مصدر محلي مقرب من مليشيا "الحشد الشعبي"، مفضلاً عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد" إن" لقاءات تجري منذ نحو أسبوعين بين قيادات وعناصر المليشيا، من جهة، وبين أعضاء في السفارة الروسية من جهة ثانية، وهناك خلافات حادة بين قيادات المليشيات حول تلك اللقاءات بين مرحب ومتحفظ".
وأشار المصدر نفسه إلى "جهود روسيّة لاستمالة بعض فصائل المليشيات العاملة على الساحة العراقية، من خلال تقديم الدعم اللازم لها مالياً ولوجستيّاً"، مرجحاً أن تكون الخطوة "استهدافاً للولايات المتحدة وسياستها في العراق أو المنطقة بشكل كامل".
وأكّد أنّ "روسيا أجرت اتصالات مع قادة المليشيات بشكل جماعي وآخر منفرد وقدّمت لهم دعماً ماديّاً كبيراً، بحجة توفير الدعم المادي لهم لتحقيق الانتصار في معركتهم ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية -داعش، وترك الاعتماد على قوات التحالف الدولي".
 وأوضح المصدر أنّ "روسيا تسعى، من خلال ذلك، الى تحجيم دور التحالف الدولي في العراق، بغية توسيع نفوذها في المنطقة"، مشيراً الى أنّ "بعض تلك الفصائل قبلت بالدعم الروسي، لأنّه يقوي نفوذها على حساب نفوذ الفصائل الأخرى، خصوصاً أنّ التسليح الإيراني وتحديداً الأسلحة الثقيلة والصواريخ لم يشمل كافة الفصائل بل شمل بعضاً منها دون الآخر، الأمر الذي قوّى فصائل على حساب أخرى".

غير أنّ بعض تلك المليشيات غير راض عن الاتصالات مع الروس، وهو ما عبّر عنه بيان لمليشيا كتائب "حزب الله" في العراق، والذي أعلن "البراءة من أحد قيادييها لاتصاله المشبوه والمريب بالسفارة الروسية". وقالت المليشيا، إنّه "انطلاقاً من الحرص والشعور بالمسؤولية الشرعية والأخلاقية نعلن براءتنا من المدعو أحمد محسن فرج الحميداوي، الملقب (أبو حسين) والملقب، أيضاً، (أبو زيد) وهو القائد العسكري وعضو مجلس شورى الكتائب، بسبب انحرافه وانتهاكاته العقائدية والشرعية والأخلاقية ومن ضمنها اتصاله المشبوه والمريب بالسفارة الروسية، ولقاؤه السفير الروسي وسعيه الحثيث الى دفع التشكيل باتجاه العمالة الى روسيا".

وأكّدت المليشيا "عزل الحميداوي من منصبه وقيادته لنا، ونطالب بقية أعضاء الشورى بالشعور بالمسؤولية تجاه ذلك، والتحرك فوراً لإيجاد بديل منه في القيادة العسكرية وفي عضوية الشورى"، مهدّدة بـ"فضح جميع انتهاكاته وخروقاته وانحرافاته العقائدية والشرعية والأخلاقية على الإعلام".
وشدّدت بالقول "نحن لا نرتضي لأنفسنا ولا يُشرفنا كمجاهدين أن يكون لقب قائدنا العسكري لقباً روسيّاً (أبو حسينوف) أو (أبو زيدوف)، ولولا المصلحة الدينية والواجب الشرعي والأخلاقي لكنا نشرنا الكثير والكثير من فضائح وانتهاكات هذا المنحرف الضّال"، بحسب تعبيرها.
غير أن مسؤولين سياسيين ومقرّبين من المليشيات أكّدوا أن سبب فصل (أبو حسين) من المليشيا كان بسبب تقاضيه أموالاً من السفارة، قام بإخفائها ولم يبلغ مجلس قيادة المليشيا بها.
من جهته، رأى الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، إبراهيم الفهداوي، وجود "بوادر حدوث انشقاقات في صفوف مليشيا الحشد الشعبي، وداخل الجماعات المكونة للحشد نفسها".
 وقال الفهداوي لـ"العربي الجديد"، إنّ "كثرة أسماء المليشيات العاملة على الساحة العراقية، أدى الى تمييز بعضها عن البعض الآخر من الحكومة ومن إيران، الأمر الذي أدى بالتالي الى ظهور بوادر اختلاف في الرأي وتصفيات سياسيّة في بعض الأحيان بين تلك المجاميع".
وأضاف أنّ "معركة تكريت أججّت من هذه الاختلافات من خلال كشف بعضها تسليح البعض الآخر".
وأشار الى أنّ "ذلك وفّر الوقت المناسب لروسيا للدخول على الساحة لتمرير أجندتها السياسيّة في العراق، بالاعتماد على بعض تلك المجاميع، الأمر الذي سيزيد من الاختلاف بين صفوف تلك المليشيات، مما سيؤدي بالتالي إلى تفكيك (الحشد الشعبي)".