روسيا ترمي حجراً بأسواق النفط الراكدة.. وتُلوّح بخفض إنتاجها

30 سبتمبر 2015
الدول المنتجة للنفط تضررت من تدهور الأسعار (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

لمّحت روسيا، أمس، ولأول مرة منذ تدهور أسعار النفط العام الماضي، إلى احتمال خفض إنتاجها، ورغم ذلك يبقى السؤال المطروح من سيخفض الإنتاج أولاً؟ ولا سيما في ظل تحركات أخرى جادة نحو الخفض ومنها إيران والمكسيك، حسب محللين.

والمؤكد أن تدهور أسعار النفط منذ منتصف العام الماضي، من 115 دولاراً للبرميل إلى أقل من 50 دولاراً، انعكس سلباً على جميع الدول المنتجة للنفط سواء داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أو خارجها، ما دفع الجميع إلى التحرك طوال الفترة الماضية لوقف نزيف الأسعار، لكن هذه الجهود لم تزحزح الموقف ولا سيما في ظل إصرار أوبك على عدم خفض الإنتاج.

خطوة مفاجئة

لكن في ظل استمرار تدهور الأسعار قامت روسيا وبشكل مفاجئ بالعزف منفردة ملوّحة بخفض إنتاجها واستعدادها لتجرع أول جرعة من الدواء المر الذي هربت منه معظم الدول المنتجة، وقال نائب رئيس الوزراء الروسي اركادي دفوركوفيتش في "قمة رويترز للاستثمار في روسيا"، أمس، إن إنتاج بلاده من النفط قد ينخفض بما يصل إلى 10% إذا ظلت الأسعار العالمية منخفضة لفترة طويلة.

واستبعد دفوركوفيتش أن تنخفض الأسعار دون المستوى الحالي الذي يبلغ نحو 48 دولاراً للبرميل لفترة طويلة لأنه ليس من مصلحة معظم منتجي النفط تحمل الأسعار المتدنية لأكثر من عامين.

وقال دفوركوفيتش، في مقابلة على هامش القمة التي عقدت في مكتب الوكالة في موسكو، "نحسب الموازنة على أساس سعر 50 دولاراً للبرميل.. إذا ظلت الأسعار عند مستوى منخفض لفترة طويلة فسيكون من المحتمل جدا خفض الإنتاج بين 5 و10% . هذا إذا ظلت الأسعار عند مستوى متدن لعدة سنوات". وأضاف أن الحكومة الروسية لن تأخذ إجراءات لخفض الإنتاج لكن هذا الخفض سيكون أحد التداعيات الطبيعية لانخفاض أسعار النفط على خطط استثمارات الشركات.

وعلى الرغم من الهبوط الحاد في الأسعار رفضت روسيا خفض إنتاجها وأقدمت بدلا من ذلك على زيادة إنتاجها من الخام متحملة الأسعار المتدنية على أمل أن تتمكن من زيادة حصتها في سوق النفط العالمية على حساب دول أخرى تخفض إنتاجها.

ورداً على سؤال حول احتمالات هبوط أسعار النفط أكثر من ذلك قال دفوركوفيتش "الأسعار المتدنية لفترة طويلة ليست من مصلحة أغلبية الدول المنتجة ومن ثم فإن هذا السيناريو غير محتمل".

وقال إن السعودية أكبر منتج للنفط في العالم قد يكون باستطاعتها من الناحية الفنية تحمل الأسعار المتدنية لفترة أطول ولكن حتى مع ذلك ستضطر إلى خفض استثماراتها في الإنتاج الجديد مما قد يهدد مكانتها الريادية في السوق على المدى الطويل.

وأضاف أنه حتى إذا صمدت السعودية فإن دولا أخرى ستضطر في نفس الوقت إلى خفض إنتاجها مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار مجددا قبل أن تصل روسيا إلى النقطة التي ستكون هي الأخرى مضطرة عندها إلى خفض إنتاجها.

وفي سياق مضاد، تُصرّ أوبك على موقفها الرافض لتقليص إنتاجها لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط، رغم أن أعضاء المنظمة تضرروا من أسعار خام متدنية، لذلك هناك فرصة لعدول المنظمة عن موقفها، حسب محللين.

وتُلقي مشكلة انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية بظلالها على اقتصادات الدول المنتجة للنفط، ولا سيما الخليجية التي تشهد أزمات مالية دفعت بعضها إلى الاتجاه نحو الاقتراض الخارجي وإصدار سندات دولية وإلغاء تدريجي للدعم.

لاعبون آخرون

وبالإضافة إلى أوبك هناك لاعبون آخرون في السوق يمكنهم المساعدة في تحقيق الاستقرار، إذ ذكرت وكالة "بلومبرغ" الأميركية أن وزير النفط الإيراني بحث مع مسؤولين مكسيكيين سبل تحقيق الاستقرار في أسوق النفط.

اقرأ أيضاً: روسيا مستعدة لاحتمال هبوط النفط إلى 30 دولاراً للبرميل

وأكدت طهران أن المكسيك، ثالث أكبر منتج للنفط في النصف الغربي، ستتعاون مع "أوبك" لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط، في حال لعبت أوبك دورا أكثر فاعلية في السوق.

وكانت المكسيك قد تعاونت مع "أوبك" لتحقيق استقرار الأسعار للمرة الأولى في عام 1998 عندما اتفقت مع عضوي أوبك فنزويلا والسعودية بالإضافة إلى 17 دولة أخرى، بينها روسيا والنرويج، على خفض إنتاج الخام لدعم الأسعار.

لكن الوضع في الأسواق العالمية في الوقت الراهن يختلف عما رأيناه في أواخر التسعينيات، إذ إن إنتاج المكسيك من النفط تراجع بشكل كبير، وأصبحت المكسيك لأول مرة منذ 40 عاما مستوردا بحتا للمنتجات النفطية في تجارتها مع الولايات المتحدة، حسب موقع روسيا اليوم.

من جانب آخر، لا يمكن للسعودية أن تقلص إنتاجها، إذ تحاول الحفاظ على حصتها السوقية وإزاحة منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة من السوق.

ضغوط على أميركا

وتوقعت الوكالة الدولية للطاقة أنّ تراجع أسعار النفط سيجبر المنتجين الأميركيين على خفض إنتاجهم العام المقبل بأعلى وتيرة في أكثر من عقدين، بما يعيد التوازن إلى سوق النفط المتخمة بالمعروض، كون الأسعار الحالية غير مجدية من الناحية الاقتصادية لشركات النفط الأميركية.
 
وكانت الوكالة قد توقعت في وقت سابق من الشهر الجاري بلوغ إنتاج النفط في الولايات المتحدة العام المقبل أدنى مستوياته منذ عام 1992.

وتصب معظم التوقعات في استمرار تراجع الأسعار الفترة المقبلة، وفي هذا الإطار قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، في مقابلة صحفية نشرت أمس، إنه يتوقع أن يبقى سعر النفط الخام حول مستوى 45 دولارا للبرميل "لفترة طويلة".

وردا على سؤال لصحيفة كوريير النمساوية، التي أجرت معه المقابلة، حول ما إذا كان هناك احتمال لأن تتجاوز الأسعار 100 دولار للبرميل مجددا، قال بيرول "يمكنني فقط القول إن سعر النفط سيظل منخفضا لبضعة فصول".

ونقلت عنه الصحيفة قوله "سيظل السعر 45 دولارا للبرميل لفترة طويلة". وقال بيرول "النفط الرخيص يسبب مشاكل كبرى لشركات النفط، هذا العام خفضوا استثماراتهم بمقدار الخمس.

وارتفعت أسعار النفط الخام، أمس، بشكل طفيف، مع انحسار المخاوف بشأن متانة اقتصاد الصين أمام مؤشرات على تراجع المعروض في الولايات المتحدة أكبر مستهلك للخام في العالم.

ويقول اقتصاديون إن القطاع الصناعي العملاق في الصين ينكمش مع تراجع الطلب المحلي، ما عزز القلق من احتمال تباطؤ الاقتصاد بوتيرة أسرع مما كان يخشى.

وقال محلل من كومرتس بنك في فرانكفورت، كارستن فريتش، أمس "لا يمكن أن تعيد الولايات المتحدة التوازن للسوق بمفردها. لازلنا ننتظر أدلة ملموسة على انحسار تخمة المعروض".


اقرأ أيضاً:
300 مليار دولار كلفة طلبيات شركة طاقة روسية
روسيا تعتزم الحفاظ على مستويات إنتاج النفط حتى 2035

المساهمون