وأعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، أنّ الولايات المتحدة وروسيا تُجريان محادثات في "مسار محتمل للمضيّ قدماً" نحو حلّ الصراع السوري، يتضمن سلسلة خطوات، من بينها وقف إطلاق النار في محافظة إدلب. وقال جيفري، في تصريح صحافي بعد اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي حول سورية ليل الأربعاء الماضي، إن موسكو وواشنطن تستكشفان "مقاربة تدريجية، خطوة بخطوة" لإنهاء النزاع السوري المستمر منذ 8 أعوام، لكن هذا يتطلب اتخاذ "قرارات صعبة". لكن المسؤول الأميركي أضاف: "حتى الآن، لم نر خطوات مثل وقف إطلاق النار في إدلب أو اجتماع اللجنة الدستورية، من أجل إعطائنا ثقة بأن نظام (بشار) الأسد يفهم حقاً ما يجب أن يفعله لإنهاء هذا النزاع". وأشار جيفري إلى أن بلاده طلبت خلال جلسة مجلس الأمن ضرورة وقف إطلاق النار في إدلب بأسرع ما يمكن، لأن هذا يشكل تهديداً للسلم، ليس في سورية بحسب بل للمنطقة بأسرها. وأضاف أن "الهجوم على المدنيين يجب أن يتوقف على الفور... ونحن في كل اتصالاتنا، سواء في هذا المجلس أو خارجه، كنا دائماً ندعم وقف إطلاق النار".
لكن تصريحات المسؤول الأميركي لم تردع النظام والروس عن ارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين في محافظة إدلب. وقتل صباح أمس الخميس أربعة مدنيين، من جرّاء قصف جويّ لطائرات النظام الحربية على مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، شمال سورية. كما طاول القصف الجوي العديد من المدن والبلدات الخميس، منها أريحا، وترملا، والفقيع، وكفرموس، وسرجة، وحزازين بريف إدلب الجنوبي. وقال السفير السوري السابق لدى بيلاروسيا، فاروق طه، في حديث لـ"العربي الجديد"، "اعتدنا سماع الكثير من التصريحات الأميركية التي تظهر بين الحين والآخر، وتخبو مثل فقاعات الصابون"، مضيفاً: "هي (التصريحات) للتعمية والتغطية على التواطؤ والتباطؤ الأميركيين حيال الوضع المأسوي في سورية. أميركا باختصار لا نراها إلا في حالتين: الأولى لرعاية مصلحة إسرائيل، والثانية عند اقتسام الغنائم". وعن مآلات الموقف في محافظة إدلب على ضوء التصعيد، والتحرك الأميركي، أعرب طه عن اعتقاده بأنه "قد ترضى روسيا بنصف نصر، ويقبل الأتراك بنصف هزيمة"، مضيفاً: "تظهر دعوات دولية غير ملحّة لوقف العدوان، وفي الكواليس الدولية تجري مباحثات قد تسفر عن تهدئة روع الروس".
وطيلة سنوات الصراع السوري، دأب المسؤولون الأميركيون على إطلاق التهديدات للنظام في حال عدم توقفه عن استهداف المدنيين، لكن واشنطن لم تتحرك عسكرياً، بل حافظت على تعامل رخو مع الملف السوري، وهو ما أغرى النظام وحلفاءه بالتمادي في قتل السوريين وتهجيرهم. وتدلّ الوقائع الميدانية والمجازر اليومية بحق المدنيين في إدلب من النظام وحلفائه الروس، أن التباين بالرؤى لا يزال يحكم العلاقة بين أنقرة وموسكو، لكن الطرفين يصرّان على عدم الاعتراف بموت اتفاق سوتشي المبرم بينهما في سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي كان من المفترض أن يجنّب محافظة إدلب عملاً عسكرياً واسع النطاق من قبل النظام، إلا أنه فشل في ذلك. وكانت مصادر تركية مطلعة ذكرت منذ أيام، أن أنقرة رفضت طلباً روسياً بتعديل الخرائط المتفق عليها سابقاً، وإبقاء المناطق الجديدة التي سيطر عليها النظام في ريفي حماة وإدلب تحت سلطته، مطالبة بانسحاب قوات النظام إلى النقاط المحددة وفق اتفاق خفض التصعيد الموقّعة قبل عامين. وسيطرت قوات النظام خلال الشهر الحالي، بمساندة نارية روسية غير مسبوقة، على 16 منطقة في ريفي حماة وإدلب، وهي لا تزال تضغط باتجاه بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي، بعد أن فشلت بإحداث اختراق من جبهة الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي.
في غضون ذلك، أكدت مصادر محلية دخول رتل عسكري تركي من معبر كفرلوسين الحدودي شمالي مدينة إدلب إلى نقاط المراقبة التركية في ريفي إدلب وحماة، مشيرة إلى أن الرتل مكون من 30 آلية عسكرية، ضمنها دبابة. ووفق تفاهمات أستانة وسوتشي، أنشأ الجيش التركي 12 نقطة مراقبة على طول الحدود الإدارية لمحافظة إدلب، وذلك للحيلولة دون انزلاق المعارضة والنظام نحو صدام واسع النطاق. لكن النظام لم يكترث بوجود النقاط التركية، بل استهدف أخيراً بشكل مباشر إحداها في شير مغار بريف حماة الشمالي، في خطوة تؤكد أنه لا ينوي التوقف عند منطقة بعينها، وأنه مستمر في قضم مناطق المعارضة السورية الواحدة تلو الأخرى.
في موازاة ذلك، بات شمال غربي سورية على حافة أزمات إنسانية خطرة، نتيجة العمليات العسكرية والقصف الجوي والمدفعي، الذي يستهدف المدنيين في ظل تراخ دولي واضح حيال ما يجري، ما دفع ناشطي محافظة إدلب، بكل المجالات، لتوجيه "تهديد إعلامي" للمجتمع الدولي، وخصوصاً بلدان الاتحاد الأوروبي علّه يتحرك لوضع حدّ للحملات العسكرية على محافظة إدلب ومحيطها. ودعا ناشطون في الداخل السوري، إلى خروج تظاهرات حاشدة بعد صلاة الجمعة اليوم باتجاه الحدود التركية. وقال بيان أصدره الناشطون، إنه "بعد الصمت الدولي والإقليمي عن المجازر والانتهاكات المرتكبة بحقّ أهلنا في أرياف إدلب وحماة وحلب المحررة، من قبل مليشيات الأسد والقوات الروسية والمليشيات الموالية لها، ونظراً لتهجير ما يُقارب نصف مليون مدني من هذه الأرياف خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وقتل مئات المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، وتدمير البنية التحتية وتهجير أكثر من 200 قرية وبلدة بشكلٍ كامل أو جزئي بعد تدميرها بكافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، وقبلها تهجير نحو مليوني مدني للحدود الشمالية". ودعا الناشطون "أهلنا المهجّرين للخروج في تظاهرة حاشدة عند معبر أطمة، بهدف الضغط على جميع الجهات الدولية الإنسانية والرسمية، والعمل على كسر قيود الصمت الدولي بموجات الهجرة الخارجية التي لن تتوقّف ما دام نهر الدم السوري يسيل". وذكرت بعض المصادر أن السلطات التركية رفعت حالة التأهب في معبر أطمة وفي الأبراج القائمة على السور، المزوّدة بأنظمة مراقبة ورادارات رصد متطورة وكاميرات حرارية، على الرغم من صعوبة إيجاد ثغرات فيه نظراً لعرضه البالغ 3 أمتار وبارتفاع 4 أمتار، من جدران إسمنتية مسبقة الصنع.