يبدو أن هواجس إعادة إعمار سورية حاضرة، دائماً في أذهان المسؤولين الروس، الذين يبدون استعجالاً في إطلاق هذا الملف بأسرع وقت ممكن، محاولين إقناع الدول الغربية، بأن الوضع في سورية مستقر وآمن وبات جاهزاً لبدء العملية، بالرغم من نشاط تنظيم "داعش" في شرقي سورية وباديتها. كما أن الروس يحاولون وفق ما تؤكده بعض المؤشرات، أن يحولوا قضية النفوذ الإيراني في سورية، لورقة يفاوضون الغرب عليها، إذ أن موسكو تملك مقومات تقليص أو دعم هذا النفوذ الإيراني، سيما أنها القوة الأبرز على الأرض في سورية، وتتشارك فعلياً في منطقة نفوذ واحدة مع طهران، والتي يصطلح على تسميتها بـ"سورية المفيدة" وتشمل دمشق ووسط سورية الغربي ومدينة حلب وحماة إضافة إلى الساحل السوري.
وكرر المسؤولون الروس في الأشهر الأخيرة، مطالبهم باتجاهات عدة، لإسهام دولٍ مختلفة في إعمار سورية، إذ أشارت بعض التقديرات الدولية أنه سيكلف نحو 500 مليار دولار وهناك من يقدر تكلفة العملية بأكثر من ذلك. آخر تصريحات المسؤولين الروس في هذا الإطار، ورد أخيراً، إذ طلب وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، من بلدان رابطة الدول المستقلة، المشاركة في إرساء السلام في سورية، من خلال المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار البنى التحتية.
وقال مصدر متابع ومطلع من دمشق، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "حلفاء النظام الرئيسيين ثلاثة هم الصينيون وهؤلاء غير مستعجلين على استثمار حصتهم في سورية، وإيران التي يبدو أنه تم إبعادها عن قطاع الطاقة والثروات الباطنية والبنية التحتية نسبياً، وتم إعطاؤها حصة من بناء المدن المدمرة والاتصالات، لأن هذه القطاعات هي أولوية بإعادة الإعمار وبالتالي أهم القطاعات المُستقطبة للتمويل، وكان لحلفاء النظام الروس حصة الأسد بها".
وتابع المصدر: "دائماً ما يؤكد النظام على أولوية الشركات الروسية ودورها في إعادة الإعمار"، وهذا ما نقله عضو مجلس الاتحاد الروسي أندريه تورتشاك، عن رئيس النظام بشار الأسد، في منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي، بأن الأخير أكد "استعداد دمشق لمنح الأولوية في إعادة إعمار سورية للشركات الروسية، إذا أبدت الأخيرة اهتمامها بذلك". كما قال إن "الأسد قدّر حجم الأموال اللازمة لإعادة إعمار البنى التحتية في سورية بنحو 400 مليار دولار"، مؤكداً أن "عملية الإعمار قد تستغرق ما بين 10 و15 عاماً". وكان تورتشاك نفسه قد دعا بلاده قبل ذلك بفترة إلى "عدم التباطؤ في الاستثمار في الاقتصاد السوري، والانخراط في عملية إعادة إعمار سورية حتى لا تسبقها في ذلك إيران والصين".
وقد تكون تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري روغوزين العام الماضي الأكثر تعبيراً عن موقف روسيا من إعادة الإعمار، عندما صرح أن "بلاده لن تدخل الاقتصاد السوري بصفة فاعل خير أو دولة مانحة وأنها لا تنوي التساهل فيما يخص مصالحها وأرباحها حتى وإن كان الأمر متعلقاً بسورية"، قائلاً "علينا التفكير كيف نجني الأموال لميزانيتنا ومواطنينا لقاء العمل الكبير الذي قمنا به في سورية".
وملامح الصراع الروسي الإيراني خصوصاً حول غنائم إعادة الإعمار، طفت على السطح، وقد تناولتها وسائل إعلام إيرانية مقربة من السلطة في طهران خلال الأشهر الماضية، وعلى رأسها ما وصفته بسحب موسكو ملفات اقتصادية من تحت أقدام إيران ومن ضمنها ملف النفط والطاقة، ولم يخفِ مستشار خامنئي علي أكبر ولايتي، انزعاج الايرانيين حيث قال في تصريح صحافي "لولا إيران لسقطت بغداد ودمشق، ولما تمكنت روسيا من فعل شيء في المنطقة".
كما أعربت بعض وسائل الإعلام الإيرانية، عن خيبة أملٍ في طهران، بالنظام السوري وبالروس، معتبرين أن ما أبرمه النظام مع الروس استبعد إيران وشركاتها من ملف إعادة الاعمار، وسيفرض على الإيرانيين التفاوض مع الروس حول أي إجراء تريد القيام به في سورية.
وكان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أعرب في تصريح له، مطلع فبراير الماضي عن عدم رضى طهران عن استحواذ روسيا على مشاريع واسعة لإعادة الإعمار في سورية على حساب إيران، معتبراً أنه لا توجد حاجة لكي يكون البلدان متنافسَين.
وتابعت المصادر حديثها بالقول، إن "موسكو استثمرت الورقة الايرانية في مفاوضتها مع القوى الدولية والإقليمية، إذ كان جزء من تفويض الروس بالملف السوري، هو الحدّ من التمدد الايراني في المنطقة وضمان أمن الاحتلال الإسرائيلي، وهي أحد أهم العوامل الضابطة لإدارة ملفات ليس سورية فقط بل الشرق الأوسط. وتعلم روسيا أن الدول الغربية ودول الخليج العربي لن تلج إعادة الإعمار إلا بتسوية جاذبة لهم، والتي يعتبر إقصاء إيران أبرز صورها. وهذا ما يعمل الروس على تطبيقه، إذ يوافق الغرب على ضمان مصالح الروس في سورية، في مقابل ضمان أمن إسرائيل وإقصاء دور إيران من الساحة أو تحجيمه وإبقائه تحت المراقبة على أقل تقدير".
وكثير من الدول الفاعلة في الملف السوري ربطت إعادة الإعمار بالحل السياسي، وضمنه إنهاء النفوذ الإيراني في سورية. وقد عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن توجّهات روسيا عندما طالب بخروج القوات الأجنبية من سورية. الأمر الذي وضع النظام في مأزق مع الإيرانيين، خصوصاً أن الروس دفعوا النظام لعدم توقيع أي اتفاق عسكري مع إيران، كما أن غضّ نظر روسيا عن استهداف مواقع التواجد الايراني ومليشياتها في سورية من قبل اسرائيل، يعتبر مؤشراً مهماً حول أولويات روسيا.
وكانت صحيفة "العرب اللندنية" نقلت عن مصادر روسية أن روسيا حصلت، خلال زيارة العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على "وعود قوية بالمساهمة في إعادة إعمار سورية ما بعد الحرب". وأشارت إلى أن "الملك سلمان أبلغ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن الرياض لا يمكن أن تدفع بمليارات الدولارات لتصب في خدمة إيران، وأن أي حديث عن إعادة الإعمار يجب أن يكون بعد حل سياسي يكون فيه القرار بيد السوريين من دون تدخل خارجي لفائدة أي جهة كانت".