روسيا تحضّر أجواء توسيع آلة القتل إلى الجنوب السوري: أميركا ستقصف النظام

17 مارس 2018
نازحون من الغوطة في مواقع للنظام (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
على وقع ارتفاع وتيرة المجازر في المناطق التي لا تزال خارجة عن سيطرة قوات النظام السوري وحلفائه في الغوطة الشرقية لدمشق، برز تطور لافت، مصدره موسكو، مع إعلان رئاسة أركان الجيش الروسي أن أميركا تحضّر لضرب مقار للحكومة السورية من البحر. والأخطر أن الإعلان الروسي بدا وكأنه يحضّر الأجواء لتوسيع الإبادة الروسية في سورية، باتجاه منطقة الجنوب، من خلال الزعم بوصول أسلحة كيميائية إلى فصائل معارضة هناك، وهي حجج تندرج في خانة أكاذيب البروباغاندا الروسية المعتادة في كل مرة يتقرر فيها الهجوم على منطقة جديدة خارجة عن سيطرة النظام وحلفائه.

وإذا أضيف الإعلان الروسي الأخير، مع ما سبق وكشفت عنه موسكو قبل يومين عن أنها أرسلت قطعاً بحرية جديدة إلى الشواطئ السورية، وتهديدها قبل أيام أيضاً أنها ستدافع بكل الأسلحة، من بينها النووية، عن حلفائها في حال تعرضهم لـ"عدوان" عسكري، تصبح الصورة شديدة التعقيد، مع تأخر أميركي لافت في التعليق على التهديدات الروسية، وهو صمت يترجَم توسيعاً لدائرة القتل الذي تمارسه روسيا وأدواتها في سورية.


وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس السبت، عن وجود مؤشرات على تحضير الولايات المتحدة لتوجيه ضربات ضد أهداف تابعة للنظام السوري، بصواريخ مجنحة من نوع "كروز" تطلقها قطع بحرية أميركية تم إرسالها أخيراً إلى مياه الخليج والبحر المتوسط والبحر الأحمر، على حد تعبير رئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، سيرغي رودسكوي، في مؤتمر صحافي. وتابع رودسكوي أن "موجهين أميركيين يقومون بتدريب مجموعات من مقاتلي المعارضة السوريين على شن هجمات كيميائية". وأضاف "معلوم لدينا بشكل موثوق أن موجهين أميركيين في المنطقة المحيطة بمدينة التنف يعدون مجموعات من المقاتلين لشن استفزازات باستخدام أسلحة كيماوية". كما ادعى المسؤول العسكري الروسي بأن "مواد سامة وصلت إلى جنوب سورية تحت غطاء قوافل إنسانية". بناءً على هذا الإعلان، لا يستبعد كثيرون في سورية أن تتجه آلة القتل الروسية ــ السورية الحكومية ــ الإيرانية قريباً إلى منطقة الجنوب السوري.

وبعد عجز مجلس الأمن مجدداً في جلسة مساء الجمعة، عن اتخاذ أي قرارٍ، لوقف المجازر اليومية لقوات النظام السوري بدعم روسي، في الغوطة الشرقية، ازدادت المأساة الإنسانية لعشرات آلاف المدنيين هناك، الذين غادر آلاف منهم عبر المعابر المؤدية لحواجز قوات النظام ثم إلى مراكز الايواء المؤقت بريف دمشق. وفيما واصلت الطائرات الروسية وقوات النظام استخدام سياسية الأرض المحروقة، قبل تقدم القوات البرية، وثّقت منظمات حقوقية، مقتل أكثر من 120 مدنياً خلال اليومين الماضيين، بغارات الطيران الحربي، معظمهم في بلدتي كفربطنا وزملكا.

في هذا السياق، كشف ناشطون في الغوطة الشرقية، أن "أكثر من 30 مدنياً قُتلوا أمس السبت، إذ تركز القصف الجوي في مناطق حزة وزملكا وما بينهما". وقال الناشط محمد الشامي الموجود في الغوطة الشرقية لـ"العربي الجديد" إن "طيران النظام السوري شنّ غارة بقنابل شديدة الانفجار على الأحياء السكنية في بلدة زملكا، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى مدنيين".

وذكر الدفاع المدني السوري في ريف دمشق، أن "عشرات المدنيين وقعوا ما بين قتيل وجريح جراء قصف جوي من قوات النظام على الأحياء السكنية، في مدينتي زملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية"، مشيراً إلى أن "النظام ألقى براميل متفجرة على عين ترما، ومعظم الضحايا هم من الأطفال والنساء".

وفي وقت لاحق أمس، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن "الطائرات الحربية استهدفت مناطق في مدينة زملكا وبلدة كفربطنا، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن ثلاثين شخصاً، وإصابة عشرات آخرين بجراح متفاوتة الخطورة"، مشيراً إلى أن "الطائرات الحربية استهدفت المواطنين، خلال توجههم نحو بلدة حزة للخروج من معبر حمورية، الذي خرج منه أمس نحو 10 آلاف مواطن بينهم مئات المواطنات والأطفال".

ووثقت "الشبكة السورية لحقوق الانسان" في تقريرٍ لها، مقتل 81 شخصاً في الغوطة الشرقية، يوم الجمعة، فكانت الحصيلة الأكبر في بلدة كفربطنا، التي "شهدت مجزرةً نتيجة تعرضها للقصف بعشرات الغارات، وقتل فيها 61 شخصاً، فيما قتلت هجمات مماثلة 11 مدنياً في مدينة زملكا، وسقط قتلى آخرون في مناطق حزة وسقبا وحرستا".

وواصلت قوات النظام خلال اليومين الماضيين، قصف ومهاجمة كافة المناطق التي ما زالت تحت سيطرة فصائل "جيش الإسلام" شمالي الغوطة، و"فيلق الرحمن" وسط الغوطة وجنوبها، و"أحرار الشام" غربي الغوطة الشرقية؛ لكنها ركزت هجماتها البرية حالياً بشكل خاص على المناطق الواقعة جنوب شرقي الغوطة الشرقية، أي تلك الواقعة تحت سيطرة "فيلق الرحمن"، مع مواصلة التقدم نحو وسطها.

فبعد أن سيطرت قوات النظام قبل نحو أسبوع على بيت سوا والمحمدية وحوش الأشعري، واصلت تقدمها في بلدتي الأفتريس ثم حمورية قبل يومين، ووصلت أمس السبت إلى أطراف بلدة جسرين، ومدينة سقبا. وكل هذه المناطق واقعة جنوب الغوطة في المساحات المعروفة باسم القطاع الأوسط، وفيها مدناً وبلداتٍ كثيرة، نزح إليها حتى الشهر الماضي عشرات آلاف العائلات، التي عادت وبدأ مئات منها بالنزوح منذ أيام، خارج الغوطة الشرقية.

وإذا ما واصلت قوات النظام تقدمها وحملة القصف العنيف بنفس الوتيرة خلال الأيام القليلة المقبلة، فإنها على شفير محاصرة كافة المناطق التي تبقت لـ"فيلق الرحمن"، وهي عربين، وكفربطنا، وسقبا، وحزة، وزملكا، وعين ترما، وصولاً لحي جوبر شرقي العاصمة دمشق.

أما في سياق مناطق شمالي الغوطة، معقل "جيش الإسلام" وأهمها دوما، فإن القصف المدفعي والجوي متواصل عليها يومياً، كما أن قوات النظام حاولت التقدم من محور منطقة الريحان، شرقي دوما، لكن الثقل العسكري البري الأكبر للقوات المهاجمة، تركّز حالياً بشكل خاص جنوبي الغوطة.

وكان المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، قد قال خلال تقديم إفادته لجلسة مجلس الأمن المخصصة لبحث الوضع في سورية، إن "سكان الغوطة يعيشون الجحيم على الأرض، وأن المدنيين هناك بحاجة ماسة للمياه والغذاء والدواء". وأشار إلى أنه "لم يتم الالتزام بقرار مجلس الأمن 2401 الذي طالب الأطراف في سورية بوقف إطلاق النار لمدة شهر".


وفيما لفت إلى أن "وقف إطلاق النار يُنفذ في دوما فقط وليس في كل الغوطة"، ندد بمواصلة قوات النظام السوري التصعيد في الغوطة براً وجواً، مشدداً على "عمل الأمم المتحدة لتطبيق وقف إطلاق النار في جميع أرجاء الغوطة بعد سريانه في دوما".

وفي وقت قال دي ميستورا إن "الأمم المتحدة تعمل لتسيير الاتصالات بين روسيا وجماعتي فيلق الرحمن وأحرار الشام من دون نتيجة حتى الآن"، إلا أن المتحدث الرسمي باسم "فيلق الرحمن" وائل علوان أكد لـ"العربي الجديد" أمس السبت، أنه "لا يوجد أي محادثات جديدة أو مفاوضات جديدة". وأضاف بأن "الأمم المتحدة ودي ميستورا عاجزين بالكامل عن تنفيذ أي شيء، سواء لقرارات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وعاجزين عن حماية المدنيين الذي هو واجب الأمم المتحدة"، مؤكداً أن "السبب في ذلك هو الاصرار الروسي على الحلّ العسكري وعلى استمرار العمليات العسكرية والقصف. وسابقاً وصلت لنا معلومات بأن هناك توجيهات روسية لدي ميستورا كي لا يتدخل في ملف الغوطة والحملة العسكرية عليها".

وكانت فصائل المعارضة السورية المسلحة في الغوطة الشرقية "جيش الإسلام"، و"فيلق الرحمن"، و"حركة أحرار الشام"، قد أبدت أخيراً في بيان لها، استعدادها التفاوض مع روسيا بشكل مباشر عن طريق الأمم المتحدة، مشيرة إلى رفضها عملية التهجير القسري في الغوطة.

وكان مجلس الأمن قد فشل في جلسته الأخيرة بشأن التطورات في سورية مساء الجمعة، باتخاذ موقفٍ واضح حيال المجازر في الغوطة، والتي قتل ضحيتها أكثر من 1300 مدني خلال اقل من شهر؛ إذ اكتفى مجلس الأمن بإدانة كافة مرتكبي أعمال العنف في الغوطة الشرقية، دون تحديد مرتكبي هذه الجرائم.

وفي السياق، اتهم منسق هيئة التفاوض السورية، نصر الحريري، المجتمع الدولي بالفشل في حماية المدنيين من جرائم النظام السوري في الغوطة الشرقية، مشيراً إلى عجز الأمم المتحدة في المضي بالعملية السياسية السورية. وأضاف الحريري في مؤتمر صحافي عقده في الرياض، إن "المجتمع الدولي والأمم المتحدة وقفوا عاجزين عن القيام بإجراءات ملموسة لوقف المجازر التي يرتكبها النظام في الغوطة الشرقية".