رودان مصرياً

21 ديسمبر 2014
+ الخط -

لم تنبثق عبقرية النحات الفرنسي أوغوست رودان من لا شيء، بل هي مدينة بالكثير لفنون الحضارات القديمة التي شغف بها طوال حياته. وإذ تعمّق في فن الإغريق واليونان خلال سنوات الدراسة، فإنه ولع بفن الفراعنة انطلاقاً من عام 1890، كما يتجلّى ذلك في المعرض الذي يحتضنه حالياً متحفه في باريس.

لم ينظر رودان إلى مصر بعينيّ عالِم، كما فعل فرويد، ولا سعى إلى فك الأبجدية الهيروغليفية، مثل شامبوليون، ولا قصد أرض النيل، مثل مستشرقين كثر، بل ابتكر مصر، على قياسه؛ مصر تسكنها تماثيل عملاقة هجس بأساطيرها وتعابيرها معاً.

بحمّى لا توصف، جمع (في زمن نهب الآثار المصرية) أكثر من 800 قطعة من الفن الفرعوني بين عامَي 1893 و1917، وعرضها في مختلف فضاءات الفيلا الضخمة التي قطنها في مدينة مودون، إلى جانب أعماله، لمقارعتها ومساءلتها فنياً، على الدوام.

وبينما شكّلت الأقمشة القبطية التي اقتناها ركيزة لأحلامه، فأدرج موتيفاتها داخل رسومه الإعدادية ومنحوتاته، تأمّل بلا انقطاع الأقنعة المأتمية الفرعونية التي غذّت مخيّلته وطبعت بقوة أسلوبه النحتي الفريد.

وبالتالي، رسم رودان منحوتاته وأنجزها ضمن لعبة تماثُل ظاهرة مع قطع الفن المصري، لم يسع إلى إخفائها بل إلى إبرازها كإقرارٍ بدَينٍ كبير دفعه إلى الكتابة في نصه "أمثولة القديم" (1904): "القديم هو الحياة نفسها، لأن القدماء هم الأكبر، الأكثر جدية، وأروع من راقب الطبيعة في جميع الأزمنة".

دلالات
المساهمون