وحضر الجلسة 272 نائبا من أصل 290، ووجّه بعضهم أسئلتهم لروحاني في مدة لم تتجاوز الثلاثين دقيقة، فيما حصل الرئيس على فرصة ساعة مقسمة على جزءين لتقديم إجاباته، وبدا روحاني في تصريحاته الصادرة في القسم الأول من كلمته مهادنا وهادئا، إذ اعتبر أن السلطات الأخرى تساعد الحكومة في تحقيق مهامها، بينما اشتدت حدة تصريحاته في الجزء الثاني من كلمته، داعيا إلى تحقيق المزيد من الانسجام الداخلي كي تستطيع إيران تجاوز مشكلاتها.
وقال روحاني إن من يعتقد أن هناك شرخا بين الحكومة والبرلمان فهو مخطئ، مشيرا إلى أن المرشد الأعلى علي خامنئي تشاور معه حول هذه الجلسة وأعطاه توصيات عدة سيراعيها، مؤكدا أن بلاده لن تسمح للولايات المتحدة الأميركية بالانتصار عليها، وأن البيت الأبيض لن يفرح من نتائج هذه الجلسة البرلمانية، على حد وصفه.
وأضاف روحاني أن طهران لا تخاف من واشنطن، ولا من المشكلات التي تمر بها، مشككا فيما حصل خلال احتجاجات نهاية العام الماضي، والتي بدأت بشعارات اقتصادية وتطورت إلى سياسية طاولت النظام، واصفا إياها بغير المسبوقة.
وقال إنه لا إشكال في ترديد شعارات تنتقده وحكومته، ولا حتى في التهديد باغتياله، لكن ما حصل يبعث على الريبة، معتبرا أن الجشع أصاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعلن، في الفترة ذاتها، أنه لن يبقى في الاتفاق ما لم تتفاوض إيران مع بقية الأطراف حول منظومتها الصاروخية ودورها الإقليمي.
وذكر أن الشارع الإيراني لا يخشى التهديدات الأميركية ولا يخاف من العقوبات، لكن الخطر يكمن في استمرار الخلاف بين الساسة في الداخل، وهو ما يترك تأثيرات حقيقية على الإيرانيين. واعتبر أن التشدد لن يوصل إلى شيء، وأنه ليس أمام البلاد إلا خيار الاعتدال للخروج من المشكلات، داعيا إلى الحكم بإنصاف على الأمور وعدم تخريب الحكومة.
وفي إجابته عن السؤال المتعلق بعدم إلغاء العقوبات المالية والمصرفية رغم توصل طهران إلى الاتفاق النووي، ذكر أن الاتفاق حمل هدفا واحدا ألا وهو إثبات سلمية البرنامج النووي، فدحضت إيران كل الادعاءات التي نقلت أن له أبعادا عسكرية.
وأوضح الرئيس أن الاتفاق حقق إنجازات كثيرة سياسية واقتصادية ونووية، مشيرا إلى أنه ألغى العقوبات الخاصة بالبرنامج النووي وحسب، وهناك قرارات عقوبات أخرى لم يشملها نصه، إلا أنه أكد للنواب أن حكومته استطاعت فتح علاقات مع ما يزيد عن 280 مصرفا دوليا، وأن البنك المركزي قدم تقريرا يفيد بأن البلاد أجرت تبادلات مالية مع الخارج بقيمة 70 مليار دولار.
دفاع شرس عن خطط الاقتصاد
وفي إجاباته التي لم تكن مرضية للنواب، أكد روحاني أن حكومته بذلت جهدا كبيرا، وخصصت 100 مليار دولار لوضع برنامج لمكافحة الفساد، وحاربت التهريب، فانخفض مجمل قيمة البضائع المهربة من 25 مليار دولار إلى 16 مليار دولار، معتبرا أن الحرب على التهريب ليست مسؤولية الحكومة وحدها، مشيدا بدور القوات المسلحة في هذا السياق.
وفيما يخص البطالة، رأى الرئيس أن حكومته حققت معدلات واضحة في إيجاد فرص عمل، فمنذ عام 2005 حتى 2012 لم تُفتح إلا عشرة آلاف وظيفة، بينما استطاعت حكومته رفع الرقم إلى 2 مليون و700 ألف، مؤكدا في الوقت ذاته أن الشارع غير راض وله الحق في ذلك، لأنه لم يلمس تبعات ذلك عمليا، وأشار أيضا إلى رفع نسبة النمو الاقتصادي الذي كان سلبيا في زمن حكومة سلفه محمود أحمدي نجاد.
وعن تدهور العملة المحلية أمام الدولار في الفترة الأخيرة، والتي تزامنت مع عودة العقوبات الأميركية، اعتبر الرئيس أن لذلك أسبابا سياسية ونفسية أكبر من الأسباب الاقتصادية، إلى جانب وجود عامل استغلال الأزمة في الداخل. وأكد أن الحكومة الحالية تريد رفع المخزون من العملة الصعبة، سواء في البنك المركزي أو لدى حساباتها في الخارج، وهي خطوة تحصينية لمواجهة القادم، حسب تعبيره.
امتعاض النواب
وأبدى عدد من النواب انتقادهم الحاد لسياسات الحكومة، خلال طرحهم الأسئلة على روحاني، واعتبر النائب محمد دهقان أن صرف الحكومة مليارات الدولارات على استيراد بضائع غير ضرورية من الخارج أمر غير مبرر، منتقدا بيع بعض السلع بأسعار مرتفعة ووفقا لسعر صرف الدولار في السوق الحرة لا لسعر المصرف المركزي بالتزامن، وغياب الضوابط الحكومية.
أما النائب مجتبى ذو النور فرأى أن المشكلة في مسألة العملة الصعبة ترتبط بسوء الإدارة وعدم استشارة الخبراء، رافضا كل ما تم إدراجه تحت عنوان "إنجازات ناجمة عن الاتفاق النووي".
وفي ختام الجلسة، اقترح عدد من النواب على رئاسة البرلمان التصويت على اقتناعهم بإجابات روحاني علنا وورقيا، لا من خلال أجهزة التصويت المستخدمة في البرلمان، وهو ما لم يحظ بالموافقة، وانتهت الأمور إلى عدم اقتناع النواب بمعظم إجابات الرئيس.
سيناريوهات قادمة
بحسب الدستور، يتم تحويل ما حصل في هذه الجلسة، كون وجهة نظر النواب كانت سلبية، إلى السلطة القضائية التي يتوجب عليها إصدار تقرير حول الأمر، وهو ما قد يؤدي إلى محاسبة مسؤولين في الوزارات المعنية بالملفات الاقتصادية الجدلية.
من ناحيته، كتب النائب حسين علي حاجي دليغاني في تويتر أنه: "في حال لم تكن إجابات الرئيس مقنعة، سيضطر النواب إلى جمع تواقيع على طلب جره إلى جلسة استجواب".
جلسة الاستجواب التي تحتاج إلى موافقة ثلثي النواب تنتهي وفق الدستور بتصويت على أهلية الرئيس، وهو ما قد يؤدي إلى سحب الثقة وعزله في حال حصول ذلك، ومن ثم رفع القرار إلى المرشد الأعلى لكي يصادق على القرار، وما حصل خلال جلسة اليوم كان استماعا لإجابات الرئيس، والذي قد يؤدي، وفقا لمعطيات اليوم، إلى تصعيد الأمور.
وبالتزامن مع جلسة روحاني، وقّع 51 نائبا على مقترح استدعاء وزير الصناعة، محمد شريعتمداري، إلى جلسة استجواب، ويأتي ذلك بعد أن عزل البرلمان وزيري الاقتصاد والعمل من حكومة روحاني، قبل أيام.