روبنسون كروزو: جزيرة ابن طفيل تتسع للجميع

02 مايو 2015
كروزو في عمل لـ إن. سي. ويث
+ الخط -

في 25 أبريل/ نيسان، حلّت ذكرى ميلاد واحدة من أولى الروايات الإنجليزية وأكثرها شهرة، إذ نُشرت عام 1719 السيرة الذاتية المتخيلة لروبنسون كروزو، الشاب المغامر، الذي يجد نفسه على جزيرة نائية، يضطر فيها إلى إعادة بناء حياته، وامتحان قدراته في مواجهة الطبيعة، إلى حين نجاحه في العودة إلى موطنه بعد سنوات طويلة.

الرواية التي تعد من بواكير مؤلفات السرد الخيالي في الأدب الإنجليزي، صارت خلال فترة قياسية واحدة من أكثر الكتب انتشاراً على مستوى العالم، وألهمت المئات من المؤلفات الشبيهة، والترجمات، والإسقاطات في الأدب والسينما والمسرح.

ولربما يكمن سرّ نجاحها الكبير في كونها بمثابة "اختبار رورشاخ" أدبي؛ يجد كل قارئ فيه ما يمت له بصلة، ويستخلص منه العبر بناءً على ذلك. إذ إن هاجس البقاء المهيمن على حياة البطل في القصة، يدفعه إلى استنتاجات يخلص إليها تباعاً؛ كترويض القناعات، وتعلّم أخلاقيات العمل، والانضباط الذاتي، وصولاً إلى التطور الروحي والإيمان.

الأمر الذي أتاح فرصاً للتأويل والتحليل المختلف؛ من اعتبار البطل كروزو تجسيداً للمستعمر الغربي، أو المبشّر البروتستانتي، إلى كونه رمزاً للاقتصاد المبسط، أو تفسير تجربته كرحلة فلسفية عبر العزلة نحو الخلاص الدنيوي والديني معاً.

جدل طويل يدور حتى يومنا هذا حول المصدر الذي استلهم منه الكاتب البريطاني دانيل دوفو (1660 - 1731) قصته الشهيرة. النظرية السائدة تقول بأن دوفو استند في تأليفها إلى مغامرات بحار أسكتلندي عاش وحيداً على جزيرة في المحيط الهادي لأربع سنوات قبل أن يعود وينشر حكايته عام (1712).

لكن نظرية أخرى، أكثر إثارة ومنطقية، طرحت فكرة ارتباط رواية "روبنسون كروزو" بقصة "حي بن يقظان" للفيلسوف الأندلسي ابن طفيل، التي سردها قبله فلاسفة آخرون؛ أوّلهم كان ابن سينا، ثمّ أعاد تأليفها شهاب الدين السهروردي، وبعد ابن طفيل، رواها ابن النفيس. اللافت في الأمر، أن التشابه في الأحداث واضح؛ فكلا البطلين عاش في عزلة على جزيرة مهجورة، وكلاهما تشارك التفاصيل الحياتية من بناء وصيد وصنع للأدوات وصولاً إلى التطور الروحي. كما أن افتراض أن يكون دوفو قد اطّلع على قصة ابن طفيل، وكتب بالتناص والتلاص معها، ليس بالمستبعد، لاسيما أن القصة ترجمت إلى الإنجليزية قبل أحد عشر عاماً من نشر دوفو لروايته.

إلا أن المثير للاهتمام هنا ليس التشابه فقط، بل الاختلاف بين القصتين أيضاً. فبينما تمحور تركيز كروزو على تأمين احتياجاته المادية، وتعبيره مراراً عن توقه الشديد للعودة إلى موطنه، انشغل حيّ بن يقظان بهاجس وجودي دفعه إلى التأمل بفكرة الموت، ومعنى الروح ووجود الخالق، وصولاً إلى استنتاجه بأن السعادة تكمن في ديمومة التأمل لهذا الوجود، واختياره البقاء على تلك الجزيرة طوال حياته.
المساهمون