باتت ظاهرة الجثث المتفسخة تحت أنقاض المنازل والمباني في محافظة الانبار، تشكل خطراً بيئياً وصحياً على حياة الأهالي العائدين إليها من محنة النزوح، إذ لازالت عشرات أو مئات الجثث تحت الأنقاض؛ بعضها لعائلات كاملة قضت بالقصف، وفقا لمصادر أمن عراقية.
وتبدو الظاهرة أكثر انتشارا في مدن الفلوجة والكرمة والرمادي وهيت، وهي أكبر مدن في المحافظة التي تشكل ما نسبته ثلث مساحة العراق وتجاور السعودية والأردن وسورية.
ووفقا لإفادات المواطنين لـ"العربي الجديد"، فإن "روائح كريهة تنبعث من المباني المهدمة وسط تجاهل حكومي لرفع الأنقاض وانتشال جثث أو أشلاء الضحايا الذين قضوا في القصف، خاصة المباني الكبيرة التي تعذر انتشال الضحايا منها بسبب المعارك وصعوبة رفع الأنقاض التي تتطلب آليات حفر ورفع عملاقة.
وقال الضابط في الشرطة العراقية في محافظة الأنبار، المقدم عمار الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "الجثث المتفسخة تحد كبير ومرهق للجميع، فمن نشكو من رائحته الآن تحت الأنقاض كان العام الماضي جارا أو قريبا أو صديقا، أو حتى أحد أفراد الأسرة. هناك المئات من العوائل التي سجلت اختفاء أبناء لها وما زالوا يبحثون عنهم حتى الآن".
وبيّن الدليمي أنه "تم العثور أخيراً على 25 جثة في مبان قرر أصحابها إعادة إعمارها. لا ندري إن كانت تابعة لعناصر تنظيم الدولة (داعش) أو لمدنيين؛ كونها متفسخة أو عبارة عن هيكل عظمي"، مضيفاً أن "الشرطة تقوم بتوثيق أي جثة يتم العثور عليها وتسجيل العلامات الفارقة أو الملابس أو الأوراق الثبوتية. لكن بعضها بلا شيء؛ هيكل عظمي فقط، ونقوم بتسجيل مكان العثور عليها ثم ندفنها".
من جهته، قال أحد سكان الأنبار، ويدعى عبد الله علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الجثث المتفسخة باتت روائحها منتشرة في أحياء الأنبار. عثرنا على عشرات الجثث تحت أنقاض المنازل في الحي الذي أسكن فيه، وحين عدت إلى منزلي وجدته منهاراً، وبعد محاولة إعادة رفع الأنقاض عثرنا على أربعة جثث متفسخة منذ المواجهات بين القوات العراقية وتنظيم داعش".
وأشار إلى أن "الروائح التي تفوح من الجثث تسبب كآبة وحزنا، فضلا عن التلوث البيئي والصحي والأمراض والحشرات"، وتابع أن "المحسوبية والفساد يطاولان كل شيء، ولم تفعل دوائر الصحة والبيئة أي شيء سوى رفع الجثث".
وعلق الطبيب بدائرة صحة الأنبار، محمد عمر، بالقول إن "الجثث جزء من المخلفات الحربية الباقية تحت المواقع التي قصفها الطيران الحربي، أو سقط أصحابها في المواجهات، ونحن نعمل ضمن الإمكانات الموجودة، حيث نتلقى يومياً اتصالات من الأهالي تشير إلى وجود جثة أو مجموعة من الجثث المتفسخة. نقوم بتحديد الموقع ونقل الجثة إلى الطب العدلي، ونجري عليها فحوصات إن كانت غير متفسخة، والمتفسخة نأخذ منها تحاليل لغرض توثيقها قبل مرحلة الدفن".
وتابع أن "قدرة وإمكانات صحة المحافظة ليست بحجم الكارثة الحالية. نحتاج إلى فرق عمل بيئية تساعدنا على تعقيم هذه المواقع. هناك جثث تحت الأنقاض في عدد من الأحياء ينبعث منها رائحة الموت التي باتت لا تفارق العراقيين".
من جهته، قال الخبير البيئي العراقي، سعدي الجميلي، لـ"العربي الجديد"، إن "مدينة الأنبار تعاني من قلة الكوادر التي تعمل على رفع الجثث من تحت الأنقاض بسبب عدم وجود إمكانات كافية، والمنظمات الدولية يكادُ دورها يكون هامشيا في مجال المساعدات الطبية والبيئية. كل شيء طاوله التخريب، حتى الهواء بات ينقل رائحة الجثث المتفسخة".
وتابع "نحتاج إلى حملة إنسانية كبيرة لمعالجة الجثث الموجودة تحت أنقاض المنازل لمنع حدوث كارثة بيئية في المدينة".