كانت رهف مثل كثيرين من الأطفال في غزة حبيسة منزلها، في ظل الحجر الصحي لمواجهة وباء كورونا. وبينما كانت تلعب مع أشقائها وأقاربها، شعرت بأنّ لديها طاقة تريد أن تفرغها، فجربت موهبتها حديثة العهد بالماكياج على وجه ابنة خالتها، وكانت تجربة ممتعة جداً وناجحة.
لم تبدأ رهف في تلك اللحظة بالذات، بل إنّها تحب أساساً هذا المجال، وتعلمت الكثير من والدتها، كما تابعت كثيراً من خبيرات التجميل على قنوات "يوتيوب" وحاولت تقليدهن، بوضع الماكياج على وجهها. وفي تجربتها الأولى، نجحت رهف رامي مهنا (12 عامأ) خفية عن والدتها، التي كانت تعارض أن تتعلم ابنتها الماكياج في البداية، لكن عندما شاهدت ما قامت به في تلك التجربة الأولى أعجبها، وبدأت هي نفسها تعلمها، بينما كان الجميع في المنزل لا يجدون ما يفعلون غير الدراسة بالنسبة إلى الأطفال. وبذلك، سمحت والدتها لها بتجربة الماكياج على وجهها.
تتمتع رهف بموهبة الرسم، وتمتلك موهبة الرسم التشكيلي وبعض المناظر الطبيعية، إذ أحبت هذا المجال من خالتها الفنانة الفلسطينية المعروفة، رشا أبو زياد، وهي من زرعت حبّ الرسم في داخلها، وكانت تنجذب إلى الألوان وتعمل على مزجها لتخرج بألوان أخرى، وهي تفضل اللون الأزرق بين جميع الألوان.
تقول رهف لـ"العربي الجديد": "في البداية، كنت ألعب بالمستحضرات التجميلية الخاصة بوالدتي، بالرغم من انزعاجها من هذا الأمر، فيما يقول كثيرون إنّ الماكياج للكبار فقط. بدأت أتعرف إلى الأدوات من أمي، وسألتها كثيراً عن الأمر، ثم بدأت في التطبيق على وجهي، وفي بعض المرات كانت أمي تنزعج من ذلك خوفاً على بشرتي". وتلفت رهف إلى أنّ والدتها أحضرت لها مستحضرات تجميل تخصّ بشرة الأطفال، ولا تضرّ بالبشرة، حتى تتعلم وتنطلق بعدما أثبتت امتلاكها الموهبة. ومن بعدها، أنشأت قناة على موقع "يوتيوب" وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي باسمها، وبدأت بالتجارب على بشرتها مع عرض وجوه بعض الفتيات من أقاربها، ممن مرت بيديها عليهن.
لم تقتصر تجربتها على ذلك، بل تعلمت الماكياج السينمائي. لكنّها عوضاً عن السائد بين هاويات لهذا النوع من غزة يعتمدن أشكال "الزومبي" وغيرها من المناظر المرعبة، مما ينشرنه على "إنستغرام"، ارتأت تصميم الوجوه بالألوان الجميلة، وبدأت تجري بعض التجارب على شقيقها الأصغر نهيل (8 أعوام). تعلّق: "تعلمت الماكياج المخصص للأفراح، بما في ذلك من أدوات مثل قلم تحديد العيون وأحمر الشفاه والبودرة الأساس وغيرها. ولم أكتفِ بهذا، بل عرفت الأنواع ومميزات كلّ نوع ومخاطره في حال كثرة استخدامه، مع معرفة العلامات التجارية منها، وطبقت الماكياج على أطفال العائلة، وكنت أستمتع بذلك"، مشيرة إلى أنّ الأطفال يحبون الرسم على الوجه. وتلفت إلى أنّ الفارق ما بين الماكياج العادي والماكياج السينمائي، أنّ الثاني منهما هو الذي يتضمن الرسوم، من أيّ نوع كانت.
ترغب رهف في تعليم هذا المجال من خلال الفيديو، ونشر المعلومات التي تتعرف إليها وتكتسبها بالقراءة والخبرة، وتشير إلى أنّ العديد من الشابات يتابعنها، وقد تعلمن منها بعض المعلومات، وذلك بعد محادثتها من طريق الرسائل الإلكترونية عبر "يوتيوب" ووسائل التواصل الاجتماعي، والتعليقات. وتتلقى رهف تعليقات إيجابية تحفيزية كثيرة، وهي التي تهتم بها أكثر بكثير من أيّ تعليق آخر.
بالرغم من أنّ جائحة كورونا كانت صعبة، وخصوصاً في ظلّ الإقفالات العامة التي شهدها العالم، مع إجبار السكان على الحجر الصحي المنزلي، وحرمان أطفال غزة اللعب، إلّا في مساحات ضيقة في مدينتهم المحاصرة، فإنّ مهنا تعتبر أنّها في هذه الفترة بالذات اكتشفت موهبتها وتابعها الآلاف من الدول العربية، وكانت تنمّي موهبتها يومياً. وبهذا ترى أنّ الكثير من أطفال العالم يجب أن يخرجوا بعد جائحة كورونا بالمواهب التي اكتشفوها، أو المهارات التي تمكنوا من تنميتها، ومن الممكن أن تحدد ميولهم المستقبلية.
تؤكد رهف مهنا أنّها ستتابع في هذا المجال، لكن كهواية، مع ذلك لا تمانع أن تمتهنها في يوم ما كخبيرة في مجال التجميل، وتتطلع منذ الآن، إلى أن تصبح ناجحة إلى حدّ وصولها إلى لقب سيدة أعمال. وتقول: "في فترة الحجر المنزلي عرفت مدى تعب وإرهاق والدي ووالدتي في عملهما، وبدأت أقوم ببعض المهام المنزلية التي تتولاها أمي وحدها عادة قبل التوجه إلى عملها".