رهان تركي على "أويصال" في دعم الليرة وسد الفجوة بين الرئاسة والمركزي

07 يوليو 2019
الرئيس الجديد للمركزي التركي (Getty)
+ الخط -


كل المؤشرات كانت تشير إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيقيل مراد تشتين قايا من منصب محافظ البنك المركزي، وذلك بسبب خلافات بين الاثنين دامت شهوراً طويلة، وتركّزت حول قضايا عدة تتعلق بإدارة السياسية النقدية وتذبذب سعر صرف الليرة واتجاهات سعر الفائدة وتأثير زيادة تكلفة الأموال والعوائد على الودائع على الأنشطة الاقتصادية المختلفة وغيرها.

وكان الكثير يتوقع حدوث هذه الخطوة في صيف 2018 إثر انهيار سعر الليرة مقابل الدولار واليورو عقب فرض عقوبات أميركية على تركيا وتغريدة دونالد ترامب الشهيرة، لكن القرار تأجّل حتى أمس السبت، إذ أقال أردوغان محافظ البنك المركزي التركي مراد تشتين قايا، بمرسوم صدر عن الرئاسة التركية، وعين بدلاً منه نائبه مراد أويصال.

والمحافظ الجديد للبنك المركزي التركي ليس غريباً عن القطاع المصرفي، إذ يعد إحدى أبرز الخبرات المصرفية في البلاد، فقد عمل لسنوات في منصب نائب المحافظ، وقبلها شغل عدة مناصب إدارية رفيعة في مصرف "خلق بنك" الحكومي التركي.

هناك ملفات عدة في انتظار المحافظ الجديد للبنك المركزي التركي، من أبرزها إعادة التنسيق بين السياسات النقدية والمالية والاقتصادية بحيث تكون السياسات الثلاث متناغمة في معالجة ملفات اقتصادية مزمنة، منها ارتفاع معدلات التضخم والفائدة والبطالة، والعمل على تطوير إدارة السياسة النقدية بحيث تحد من التحركات العنيفة في سعر الليرة مقابل العملات الرئيسية وما يمثله هذا التذبذب من آثار سلبية على مناخ الاستثمار.

وحسب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، محمد كامل ديميريل، فإن عزل أردوغان محافظ البنك المركزي التركي مراد تشتين قايا، وتعيين نائبه مراد أويصال، جاء نتيجة الخلافات القديمة بين الحكومة والرئاسة من جهة، وبين المصرف المركزي حول طريقة امتصاص فائض السيولة النقدية من الأسواق ومعالجة زيادة التضخم وتحسين سعر الليرة التي يراها المركزي ويصمم أنها تأتي عبر رفع سعر الفائدة المصرفية وتوجيه السيولة الفائضة إلى المصارف، في حين يراها الرئيس التركي وحكومته، تأتي عبر تنشيط الاقتصاد الحقيقي وجذب الاستثمارات التي تخيفها الفائدة المرتفعة والتضخم النقدي.

ويضيف ديميريل لـ"العربي الجديد" أن ارتفاع سعر الفائدة لنحو 24% ساهم في انتعاش طبقة محددة وتؤثر على تسريع عجلة الاقتصاد التركي، بل وإصابة الاقتصاد الكلي بجمود، ولا يمكن النظر لحل المشاكل النقدية أو حتى الاقتصادية الكلية عبر تحريك أسعار الفائدة المصرفية ورفعها فقط، لأن ذلك يؤثر على توجه الرساميل نحو الزراعة والصناعة والاستثمارات المباشرة.

ويشير ديميرك إلى نقطة خلاف بين أردوغان والمحافظ المقال، إذ يقول إن التضارب بات واضحاً بين سياسة الدولة الاقتصادية وتشبث المصرف المركزي بسياسته، ما دفع الرئيس لإصدار مرسوم الإعفاء وهو ضمن صلاحياته وفق النظام الرئاسي المعمول به بتركيا منذ العام الماضي، والذي أبقى بعض الهيئات والمؤسسات تابعة للرئيس دون الحكومة، ومنها المصرف المركزي وهيئة الاستثمارات ووكالة المخابرات.

وحسب محللين أتراك فإن خبرة مراد أويصال المحافظ الجديد للبنك المزي التركي الجديد تؤهله لقيادة البنك خلال الفترة المقبلة، فهو يمتلك خبرة دراسية وعملية كافية، فقد ولد في إسطنبول 1971، وتخرج من كلية الاقتصاد في جامعة إسطنبول، ويتقن اللغتين الإنكليزية والفرنسية.

وبعد مرحلة الليسانس، التحق بالمعهد المصرفي والتأمين التابع لجامعة مرمرة، ليحصل على شهادة الماجستير في قسم الخدمات المصرفية. وكان أويصال يشغل منصب نائب محافظ البنك المركزي التركي، منذ 9 يونيو/ حزيران عام 2016.

بدأ أويصال حياته المهنية عام 1998 بالعمل في قطاع المصارف، ليستلم بين عامي 2007 و2011 رئاسة قسم النقد ورأس المال في مصرف الشعب التركي. واعتباراً من تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 شغل منصب مساعد المدير العام في مصرف الشعب لشؤون الخزانة.

وفي الوقت عينه كان أويصال بين عامي 2008 و2010 عضو مجلس الإدارة في مجلس الاستثمار، كما شغل منصب عضو لجنة المحفظة الاستثمارية في مصرف الشعب.

وبين عامي 2012 و2014، استلم أويصال رئاسة لجنة المحفظة الاستثمارية، ثم بين نيسان/ إبريل 2015 ونيسان/ إبريل 2016 أصبح عضو لجنة التأجير المالي في المصرف نفسه. واعتباراً من آذار/ مارس 2014 ترأس أويصال لجنة الأوراق المالية الاستثمارية في المصرف، ليتم تعيينه في 9 حزيران/ يونيو 2016 نائباً لمحافظ البنك المركزي التركي.

ويرى مراقبون أن ارتفاع سعر الفائدة المصرفية بتركيا وتراجع سعر صرف الليرة وارتفاع نسبة التضخم، إنما تؤثر على تنفيذ خطة الاصلاحات التركية التي أعلنها وزير الخزانة والمالية براءات البيرق في أيلول/ سبتمبر العام الماضي.

وتركز الاصلاحات التركية على إعادة أسواق الأسهم والسندات وسعر صرف الليرة إلى طبيعتها، عبر "الانضباط والتغيير" دون المساس برؤوس أموال المصارف الحكومية، بل زيادتها لمنح مزيد من الطمأنة للمستثمرين.

ويقول مدرس الإدارة المالية بأكاديمية باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو، إن قرار عزل محافظ البنك المركزي كان متوقعاً هذه الفترة، لأن حزب العدالة والتنمية بصدد تغيير الكثير من الوجوه خلال جردة حسابات، وخاصة بالقطاع الاقتصادي، بعد تراجع مستوى معيشة الأتراك والعديد من المؤشرات الأساسية.

ويضيف شعبو لـ"العربي الجديد" أن تذبذب سعر صرف الليرة خلال الفترة الأخيرة، وبشكل كبير، يدلل على عدم نجاعة السياسة النقدية وربما فشل استخدام سعر الفائدة الأساسي عند 24 بالمئة منذ سبتمبر/ أيلول، كأداة نقدية لضبط المعروض النقدي وتثبيت سعر الصرف، لأن هذا التذبذب يعطي مؤشرات عدم استقرار ويخيف الرساميل والمستثمرين.

وفي حين يعتبر شعبو أن من صلاحيات رئيس الجمهورية عزل محافظ البنك المركزي الذي كان من المقرر أن تستمر ولايته، ومدتها أربعة أعوام حتى عام 2020، إلا أنه رأى تدخل السياسة بالاقتصاد وكثرة التصريحات وعزل مسؤولين بارزين بمراسيم رئاسية يمكن أيضاً أن تعطي مؤشرات سلبية لرؤوس الأموال والمستثمرين، سواء داخل تركيا أو خارجها.

دلالات
المساهمون