رهانات إنترنت الأشياء

29 يونيو 2015
تطور استخدام الإنترنت في العالم(Getty)
+ الخط -
يعتبر إنترنت الأشياء الصيحة الأبرز حالياً في عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصال. فبعد عقود من سيطرة الحوسبة على المجال المعلوماتي واختراقها للبيوت والمؤسسات، تلتها هيمنة كبيرة لأجهزة التجوال الذكية والتي تغلبت على العقبات الجغرافية والزمنية، أصبحنا اليوم أمام إنترنت الأشياء الذي يفرض أبعاداً عميقة ترتبط أساساً بمسألة الثقة والخصوصية، حيث إنه رهين بالتحول الرقمي في قواعد البيانات وانتشار الذكاء الصناعي، الأمر الذي يستوجب منظومة متكاملة من الإجراءات وتواصلاً كثيفاً لحماية الرأسمال المعلوماتي والمحافظة على الخزائن الاستراتيجية للمؤسسات الاقتصادية والتجارية.

وفي هذا الصدد، يُعرف الذكاء الصناعي على أنه قدرة الحواسيب على محاكاة سلوك وذكاء الدماغ البشري، حيث تمتلك الحواسيب كفاءة عالية في التعرف على الأشياء، تشخيص الأمور، انتقاء المعلومات، اتخاذ القرارات والملاءمة مع مختلف اللغات والثقافات. وعلى هذا النحو، تتم عمليات متعددة دون تدخل بشري، فتقوم الحواسيب بضبط قدراتها ببرمجة دقيقة، الأمر الذي يثير مخاوف الأمن المعلوماتي، خاصة بعد أن أصبحت الآلات تمتلك عقولاً للتفكير وتعطي حلولاً بشكل ذاتي، معتمدة في ذلك على تقنيات التعلُّم، الاكتشاف، الاستنتاج والاستقراء.

اقرأ أيضا: أساسيات إنترنت الأشياء

وإجمالاً، فالتقدم الحاصل في الذكاء الاصطناعي، كثافة أجهزة الاستشعار الذكية وانتشار الشبكات المعلوماتية، كلها عوامل تصب في خدمة إنترنت الأشياء وتجعله أيقونة الثورة المعلوماتية في المعمور. وهنا، نجد تزايد استعمالات إنترنت الأشياء في عدة مجالات وفي سياقات مختلفة. فعلى سبيل المثال، تعيش صناعة السيارات ممارسات كثيرة لإنترنت الأشياء، فيتم ربط الإطارات بأجهزة الاستشعار المدمجة بالسيارات عبر الاستعانة بمنصة تحليل البيانات التي تمكّن من التعامل مع كميات كبيرة من المعلومات وإدارة البيانات، بما يجعل الإطارات آمنة و ديناميكية، ما يجعلنا أمام سيارات حديثة وذكية يمكن التحكّم فيها عن بُعد والتعامل مع مختلف الظروف سواء حركة المرور، السير مع اختلاف حالة الطقس، التعامل مع حالات الطوارئ والحوادث.

إلى جانب ذلك، نجد لوحات سيارات متصلة بنُظُم معلوماتية لتحليل ونشر البيانات المتعلقة بأداء السيارة وأنماط القيادة، ويتم ذلك من خلال المزج بين الأجهزة والبرمجيات مفتوحة المصدر، والتي تسهّل قراءة البيانات من شبكة الاتصالات الداخلية للسيارة عبر إرساء وحدة برمجية صغيرة لقراءة وترجمة القراءات من السيارات وإتاحتها عبر الهواتف المحمولة المستخدمة في تطوير تطبيقات خاصة.

اقرأ أيضا: الطب عن بُعد... ثورة تكنولوجيا

على المنوال ذاته، تغزو ممارسات إنترنت الأشياء الحقل الاجتماعي عبر منظومة الرعاية الصحية من خلال تصميم نماذج تطبيقية للتطبيب، تتصل بالمعدات الطبية وبأدوات رصد لمجموعة من مستلزمات السلامة بالمستشفيات كدرجة الحرارة، مستوى النظافة وحضور العاملين، ناهيك عن أجهزة الاتصال بين الأطباء، الممرضين والمرضى للتتبّع الأولي لحالات المرضى و السعي إلى إرضائهم.

إلى جانب ذلك، تتسع دائرة مشاركة إنترنت الأشياء في الحياة العامة لتشمل الطاقة والمياه، فنجد مثلاً نظماً معلوماتية تساعد على التحكم بالمياه عبر مواكبة مسارات الري من خلال متابعة تنقية المياه من الأضرار وتحليتها مع ربط الأجهزة بشبكة الإنترنت، الأمر الذي يبسّط حماية المياه و توزيعها بترشيد. وكذلك بالنسبة للإضاءة، حيث يتم العمل على خلق نسيج بين أجهزة الاستشعار وأنظمة انبعاث الضوء، مع العمل على توفير الطاقة من خلال إقامة يقظة معلوماتية مجسّدة في قاعدة بيانات، تتابع الإدارة البيئية وتحقق أهداف التقشف، بما يلبي الحاجات الظرفية العالمية الصعبة.

اقرأ أيضا: تكنولوجيا الحوسبة السحابية

وبناءً على ما تقدم، يمكننا التأكيد على أن رهانات إنترنت الأشياء عديدة تجعل من استخداماته مطلباً للأفراد والمؤسسات والعاملين في مجالات استراتيجية وحيوية ذات أهمية قصوى في الاقتصاديات الوطنية، ما يرسّخ لإصدار ثورة معلوماتية جديدة تحتاج فهماً واسعاً لأدواتها و تبياناً واضحاً لغاياتها.
(باحث وأكاديمي مغربي)


المساهمون