رهاب كورونا في إيران

05 مارس 2020
أحد المصابين بكورونا في إيران (فاطمة بحرامي/ الأناضول)
+ الخط -
انعكس فيروس كورونا الجديد على الإيرانيين ويومياتهم. وبدا لافتاً فقدان الكمامات من الأسواق، وكثرة استخدام المواطنين المياه

كان لانتشار فيروس كورونا الجديد في إيران أثر كبير على الحياة الاجتماعية في البلاد، وإن كان البعض ما زال يتعامل مع الفيروس بلامبالاة، في ظلّ الجدال القائم بين الجهات الصحيّة ورجال الدين. أما المصابون أو المشتبه بإصابتهم بالفيروس، فتبدو معاناتهم مختلفة. في هذا الإطار، كتب رئيس قسم الطوارئ في مستشفى "سينا" في طهران، والمدير العام للعلاقات العامة والشؤون الدولية لمنظمة النظام الطبي الإيرانية، الطبيب حسين كرمانبور، على صفحته على "إنستغرام" عن معاناته وأمثاله من المشتبه بإصابتهم بكورونا في إيران.

يقول: "منذ مساء الجمعة (28 فبراير/ شباط الماضي)، تدهورت حالتي الصحية. وحالي حال كثيرين، لا أملك في البيت مواد للتعقيم كنتُ قد بحثت عنها في الأسواق من دون أن أجدها. أما الكمامات، فقد حصلت عليها من طبيب. توجهت إلى المستشفى لمزاولة عملي، لكن التعرّق الكثير وصعوبة التنفس منعاني من العمل. راجعت قسم التصوير الطبقي المحوري لإجراء فحص، ليتبيّن أنني مصاب بالفيروس. أخبرتني الطبيبة أنه يتوجّب عليّ الرقود في المستشفى، إلا أنني فضلت ملازمة البيت. في طريق العودة، أخذت أدوية وبحثت كثيراً عن مادة معقمة أو كمامات، فلم أجدها. جميع أفراد أسرتي يعانون من الزكام الشديد، وقد يكونون مصابين بفيروس كورونا. أنا قلق عليهم".

بعد نحو أسبوعين على الإعلان الرسمي عن اكتشاف أولى حالات الإصابة بكورونا، وتحديداً في التاسع عشر من الشهر الماضي، راحت الأرقام الرسمية تشير إلى تفشّي الفيروس بوتيرة متسارعة في البلاد. في المقابل، بدا أنّ بعض الإيرانيّين لم يأخذوا الفيروس على محمل الجد. وظهر الأمر من خلال عدم التزامهم بالتعليمات الصحية، بل إنّهم لم يمانعوا استغلال عطلة المدارس والجامعات للسفر داخلياً، على الرغم من المخاطر.

إلا أن ما سبق لم يُلغ حالة الذعر والهلع التي أصابت غالبية الإيرانيين، بل إنها دفعتهم إلى البحث عمّا قد يقيهم الإصابة بالفيروس، إلى درجة المبالغة. كما أعاد الفيروس إلى الواجهة جدالاً تاريخياً بين العلم والدين. وهذا ما ظهر جلياً خلال معارضة بعض رجال الدين والمتدينين تعليمات وزارة الصحة في تعليق صلوات الجمعة، وإغلاق المواقع الدينية من دور عبادة ومقامات وعتبات.



وكانت الوزارة قد حظرت إقامة صلاة الجمعة في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، في 22 محافظة من أصل 31، ما أثار ردود فعل معارضة خصوصاً في مدينتي قم ومشهد الدينيتين، علماً أن الأولى هي بؤرة تفشي الفيروس في البلاد. وأقام مصلّون صلاة الجمعة في المدينتين. وفي مشهد، أعلن خطيبها، وهو ممثلها في مجلس خبراء القيادة أحمد علم الهدى، أنه "ما من مبرر لتعطيل صلاة الجمعة".

إلى ذلك، راجت أنباء عن أن سبب رفض عزل مدينة قم يعود إلى رفض مرجعيات دينية الأمر، باعتبار أن ذلك قد يؤثر على سمعتها ومكانتها الدينية بين الناس. وعلى الرغم من تأكيد شخصيات ورجال دين آخرين على ضرورة الالتزام بالتعليمات الطبية، إلا أن أوساطاً دينية أخرى اعتبرت أن "التخويف الكبير" من كورونا يستهدف الدين ومعتقدات الناس ويحرمهم من زيارة المقامات والعتبات الدينية. وانتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تحدّى فيها أشخاص التعليمات الصحية، من خلال لعق ضريح الإمام الرضا، وهو الإمام الثامن لدى الشيعة في مشهد، وشقيقته السيدة معصومة في قم. وفي وقت لاحق، أعلنت السلطات اعتقال من قاموا بذلك.

وعلى الرغم من حالة اللامبالاة لدى البعض، فإن انتشار فيروس كورونا في البلاد أدى إلى فرض حالة طوارئ أثّرت على الحياة الاجتماعية في البلاد بعدما أصبحت الشوارع شبه خالية من المارة، والمدارس والجامعات مغلقة، ودور السينما والمسارح مقفلة، والأنشطة والمسابقات الرياضية محظورة، وصلوات الجمعة ملغاة، عدا عن القيود المتعلقة بالتوجه إلى المواقع والعتبات الدينية التي لم تغلق بسبب معارضة أوساط دينية نافذة.

لم يعد من السهل إيجاد كمامة في البلاد (عطا كيناري/ فرانس برس)


وحوّل كورونا معظم البيوت الإيرانية إلى سجون، خصوصاً بالنسبة للأطفال والنساء وكبار
السن. فمن يخرج منها مضطراً لقضاء حاجة لنفسه أو لأهله أو للذهاب إلى مكان عمله، عليه الالتزام بأحكام وأنماط جديدة لم يعتد عليها الإيرانيون. لم يعد الإيرانيون يتصافحون باليد، وباتوا يحافظون على مسافة بينهم وبين الآخرين، وصاروا مضطرين إلى التكلّم بصوت عال بسبب ارتدائهم الكمامات الواقية أو وضع مناديل وغير ذلك لمن لم يحالفه الحظ في الحصول على الكمامات من الصيدليات أو السوق السوداء، بعدما أصبحت سلعة نادرة وثمينة.

وداخل البيوت أو المؤسسات، الإجراءات مشددة أيضاً، منها التعقيم شبه اليومي، والحفاظ على درجة حرارة المكان، وغسل اليدين. حتى أن مصلحة المياه والمجاري الصحية أعربت عن قلقها من ارتفاع معدل استهلاك المياه بشكل غير مسبوق. وقالت في بيان إن "استهلاك المياه في طهران ازداد بشكل مطرد ولافت إثر تفشي كورونا"، مشيرة إلى أن الاستهلاك تخطى حاجز ثلاثة ملايين متر مكعب، ما أدى إلى انقطاع المياه عن مدن وقرى محيطة بالعاصمة. ودعت المواطنين إلى تجنب الاستهلاك غير الضروري للمياه، مثل غسل السجاد والبطانيات والأبواب والنوافذ.



حالة الذعر هذه تزامنت مع الكم الهائل من الشائعات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي دفعت البعض إلى اللجوء إلى طب الأعشاب للوقاية من الفيروس، الأمر الذي أنعش سوق هذه الأدوية بشكل غير مسبوق. وكتبت صحيفة "شهروند" الإصلاحية في عددها الصادر يوم السبت الماضي، أنّ كورونا أنعش سوق الأدوية النباتية بشكل كبير، مشيرة إلى انتشار فيديوهات تروّج لأدوية محددة، خصوصاً تلك التي تتضمن "الثوم والزنجبيل والحمضيات والحرمل الشائع وروث الحمير".

ودفع الهلع البعض إلى التوجه إلى المستشفيات إذا أصيبوا بأبسط عوارض الزكام. وأشار نائب وزير الصحة الإيراني، علي رضا رئيسي، خلال مؤتمر صحافي، إلى أن 70 في المائة من حالات المراجعة في المستشفيات مرتبطة بالخوف من كورونا، كاشفاً أن 40 إلى 45 في المائة من حالات الإصابة بكورونا تقع في المستشفيات، بسبب الاختلاط بالمصابين.

وكان الملحق الثقافي الإيراني في الصين، عباس علي وفائي، قد انتقد في مقابلة مع وكالة "إيسنا" الطلابية، طريقة مواجهة فيروس كورونا في إيران. وقال إن "الكثير من المسؤولين الصينيين قد زاروا مدينة ووهان، بؤرة تفشي الفيروس، من دون أن يصاب أحد منهم به. إلا أن إصابة مسؤولين إيرانيين بالفيروس تشير إلى أننا لا نواجه هذا الخطر بطريقة صحيحة".