رمضان في زمن كورونا

20 ابريل 2020
+ الخط -
يبدأ شهر رمضان الفضيل بعد أيام، بينما العالم كله منشغلٌ بمواجهة وباء كورونا (كوفيد – 19). ولن يتخلى معظم المسلمين عن الصيام، بعد أن أعلنت المرجعيات الدينية أن انتشار الوباء ليس مبرّراً للإفطار، وبذلك يحتفظ الشهر الكريم بالشعيرة الأساسية فيه، غير أن هذا لا يعني أن رمضان سيكون ككل عام، فعدا عن الصيام وموعدي الإمساك والإفطار، سيختلف هذا العام في المظهر والجوهر.
المعتاد بحلول الشهر الكريم أن تختلف توقيتات الحياة اليومية وطقوسها، ارتباطاً بمواعيد الإفطار وصلاة القيام والسحور والفجر. ويبدأ معظم المسلمين نشاطهم اليومي بعد الإفطار، وينهونه مع بزوغ الفجر، خصوصاً في البلدان العربية. وفضلاً عن تعديل مواعيد الدوام، وتقصير ساعات العمل، يحصل كثيرون على إجازات من العمل في أغلب أيام الشهر. وتكون لهذه التغييرات في روتين الحياة اليومية متعة خاصة، على وقع الجمع بين السكينة المميزة لشهر رمضان والتجديد المرتبط باختلاف أوقات النوم واليقظة والطعام والعمل.
هذا العام، تشهد معظم الدول العربية والإسلامية حظراً للتجوال، وهي حالةٌ أقرب إلى الاعتكاف داخل المنازل، فتكاد الشوارع تخلو من المارّة والمركبات، ويقضي كثيرون نهارهم نائمين وليلهم ساهرين... إذن لا فروق تذكر بين الطقوس والسلوكيات المتبعة حالياً بفعل كورونا وتلك السنوية المصاحبة لشهر رمضان. وكأن كورونا فرض قسراً سلوكاً رمضانياً مبكّراً، ما قد يفقد تلك الطقوس والتغييرات جاذبيتها وعبقها المعتاد، فالمسلمون يمارسونها بالفعل منذ أسابيع عدة.
أما عن جوهر ما يحمله الشهر الكريم، فالأمر مختلف، فشهر رمضان يحمل لمسلمين كثيرين جوهراً مميزاً وشديد الخصوصية والتفرّد، فيبسط روحانيات وينشر سلاماً وتسامياً، ولا يدانيه في ذلك المزيج التصوفي بين التعبّد والتزهد، سوى شعائر الحج. على أن جوهر الحج توسل للرّب، أما رمضان فتبتّل للرب وتنفل لعباده. وسيأتي شهر رمضان، ومسلمون كثيرون في العالم قد رأوا بأعينهم قدرة الله على البطش بعباده، وإن كانوا على يقينٍ مسبق بالقدرة الإلهية، إلا أن من رأى ليس كمن سمع.
لا يعني ذلك أن رمضان هذا العام سيزيد المؤمنين إيماناً أو سيستقبله المسلمون بيقين أعلى وعقول أوسع دراية وقلوب أكثر هداية. صحيحٌ أن مسلمين كثيرا عادوا إلى الله، وبعضهم راح يبحث في مرجعياته العقيدية عن ملجأ روحي وفكري يلوذ به. ولكن هذه الرّدة إلى الروحانيات والإيمانيات لم تكن مقصورة على المسلمين وحدهم، فمعظم الديانات والعقائد، عاد إليها أصحابها بحثاً عن مهرب أو مخبأ من ذلك القاتل الخفي المجهول، كورونا.
وعلى الرغم من يقين العالم أن كارثة كوفيد - 19 معجزة للبشر، سواء كانت عقاباً إلهياً أو بطشاً من الطبيعة، عادت شعوبٌ إلى الانصياع للنزعات البشرية المادية. وخرجت حكومات من حالة التسليم بالقدر وانتظار الرحمة، وفتحت أبواب الاقتصاد والحركة، بل وخففت إجراءات الحجر الصحي والقيود على التواصل الاجتماعي. وتزامن الإقبال مجدّداً على "الدنيويات"، مع انتهاء الصوم الكبير وحلول أعياد الفصح والقيامة عند المسيحيين في مختلف أنحاء العالم. الاتساق هنا مفهوم والارتباط منطقي.
وبينما يُفترض أن يتطلع المسلمون إلى شهر رمضان للتعبد والاسترحام والتضرع من أجل رفع البلاء، لا شواهد توحي بوجود تلك الروح الإيمانية المعتادة في استقبال رمضان. كأن المسلمين عاشوا بالفعل خلال الأسابيع الماضية لحظات العجز والتسليم والعبودية، وبلغوا ذروة الخضوع للقوة الإلهية المطلقة. وسيدخل عليهم رمضان، وقد فرغت طاقتهم الإيمانية، ونفدت قدرتهم على التحمّل. وبدلاً من المسارعة إلى رحمات ومغفرة من ربهم، علّه يرفع عنهم بلاء كورونا، وهو كفيل به، يبدو أن الفيروس لم يصب فقط الأجساد، وإنما ضرب أيضا القلوب والنفوس، حتى إن جاءها رمضان وجدها وحيدة منعزلة، ربما حتى عن ربها.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.