رمضان صغير في الولايات المتحدة الأميركية

21 يونيو 2017
صلاة في رمضان (حسان بيل دي بلازيو على تويتر)
+ الخط -
في تلك العشية، تجمّع مئات المسلمين الذين يعيشون في مدينة نيويورك وضواحيها، لتناول إفطار رمضان في خيمة ضخمة مزينة بالأضواء الملونة بحضور عمدة مدينة نيويورك بيل دي بلازيو وزوجته إلى جانب عدد من سفراء دول إسلامية في نيويورك وبعض الشخصيات المعروفة من الجالية المسلمة.

أتى ذلك في إطار مشاركة عُمَد المدن المختلفة في احتفالات أبناء الديانات والأقليات المختلفة وأعيادهم. وقد أكد دي بلازيو في كلمة له أنّ المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية مكوّن مهم من مكوّنات المجتمع الأميركي. يُذكر أنّ بلدية نيويورك كانت قد عقدت مع شرطتها التي يخدم في صفوفها نحو 900 شرطي مسلم، اجتماعاً مع ممثلين وأعضاء من الجاليات العربية والمسلمة، قبل بدء رمضان في سياق التحضير له. فالشرطة تعزز في هذه المناسبات حضورها حول الجوامع والمراكز الإسلامية التي تشهد زيادة في الإقبال عليها، إمّا للتعبّد أو لتناول الإفطار الجماعي، وذلك تحسباً لأيّ طارئ لا سيما في الظروف المتوترة والتحريض ضد المسلمين والعرب الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية منذ انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتعيش الجاليات العربية والمسلمة بأعداد كبيرة في ولايات ومدن أميركية عدة إلى جانب نيويورك، منها على سبيل المثال ولايات فيرجينيا وميتشغان وكاليفورنيا ونيو جيرسي وكذلك واشنطن العاصمة. وتعيش في مناطق شمال نيو جيرسي تجمعات عربية ومسلمة كبيرة، إحداها في مدينة باترسون. وقد سمحت بلدية باترسون بنصب يافطات عريضة من القماش في الشارع الرئيسي للمدينة ترحّب برمضان وتتمنى للجالية العربية المسلمة شهراً مباركاً، فيما عمدت إلى إضاءة "فانوس رمضان" للسنة الثانية على التوالي في إحدى الحدائق العامة للمدينة.

يشعر المار في تلك الأحياء العربية والمسلمة في المدن الأميركية المختلفة بالأجواء الرمضانية بطرق عدّة، إذ تضع محلات عربية ومسلمة كثيرة على واجهاتها ملصقات رمضانية ومواعيد الصلاة والسحور والإفطار، بالإضافة إلى الزينة التي تختلف باختلاف البلد الأصلي لصاحب المحل، من قبيل الأهلة والفوانيس والمصابيح زاهية الألوان. كذلك تنتشر لدى كثيرين من أبناء الجاليات عادات تزيين البيوت أو الشبابيك بالمصابيح على شكل هلال أو بحبال أضواء مع عبارة "رمضان كريم".



وفي بعض الأحيان، يقيمون الصلاة الجماعية في الحدائق العامة، فيما تتنافس بعض المساجد على اجتذاب المؤمنين وتخصيص بعض البرامج للأطفال، بما فيها حفظ الأناشيد الدينية.
عبد الحميد شبانة مصري يعيش في حيّ أستوريا في منطقة كوينز في مدينية نيويورك، الذي يضم عدداً كبيراً من المقاهي والمطاعم العربية، خصوصاً المصرية منها، ويعرف باسم "ليتيل إيجيبت". يقول شبانة: "أعمل في مطعم في منطقة مانهاتن ولا أشعر برمضان إلا عندما أعود إلى منطقة كوينز. هنا، محلات عربية مختلفة وثمة حركة للناس قبل الإفطار. هنا، أشعر وكأنّني في عالم مصري ومسلم مصغر يعوض ولو قليلاً عن الحنين إلى البلد الأم". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "ثمّة أطباقاً خاصة بشهر رمضان، لا سيما من الحلويات كالقطايف وغيرها. وفي رمضان، نتبادل دعوات الإفطار مع الأقارب لنجتمع معاً كما هي العادة في مصر".

من جهتها، جهاد حسن سورية أتت إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل ثلاث سنوات كلاجئة، تقول إنّ "رمضان بالنسبة إليّ فرصة للتعرّف على عدد أكبر من أبناء الجالية العربية والمسلمة واستعادة شيء من روح رمضان، التي كنت أعيشها في سورية". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "الأجواء هنا مختلفة وليست مثل الأجواء الرمضانية من المسحراتي إلى الحفلات والولائم العائلية والتجمعات الكبيرة وغيرها من الطقوس. فأنا هنا أعيش مع عائلتي الصغيرة، أي ولدَيّ الاثنين، فيما يتوزّع أفراد العائلة الآخرون لا سيما زوجي في أماكن مختلفة من العالم. ثمّة آخرون بقوا في سورية". وتتابع حسن: "عادة لا أذهب إلى الجامع والمراكز العربية أو الإسلامية، فمشاغل الحياة كثيرة ولديّ بعض التخوّف من بعض تلك الأماكن. لكنّ صديقة أردنية تعمل معي في المتجر نفسه، شجّعتني على الحضور والمشاركة في الإفطار المشترك. فذهبت". وتشير إلى أنّ "مجموعات كثيرة تأتي بأطباقها القومية وأصناف عجيبة غريبة من الأكل الباكستاني والسوداني والشامي. ثمّة أنواع من الطعام لم أعرفها من قبل، وهذا الخليط أمر جميل".

تجدر الإشارة إلى أنّ جمعيات عربية ومسلمة عدة تدعو غير المسلمين للمشاركة في موائد الإفطار الجماعي في بعض المناطق، فيما تحاول عائلات مسلمة دعوة جيرانها من غير المسلمين إلى منازلها. وتوزّع بعضها التمور على جيرانها بالمناسبة. إلى ذلك، تطلق جمعيات مختلفة حملات تبرعات خلال هذا الشهر، إذ يميل الناس إلى الزكاة أكثر من أي وقت آخر. وتستفيد جمعيات ثقافية إلى جانب بعض المعاهد في الجامعات من المناسبة لتنظيم محاضرات ولقاءات حول الإسلام كدين وثقافة وتاريخ.

وتتنوع البرامج الثقافية، التي تقدّم خلال هذا الشهر، إذ تنظم بعض الجمعيات الثقافية عروض موسيقى تلي الإفطار، وبعضها موسيقى صوفية أو عزفاً على العود إلى جانب عرض أفلام. على سبيل المثال، يُنظَّم مهرجان للفيلم العربي في مدينة ديترويت، حيث تجمعات عربية ومسلمة كبيرة، من ضمن برنامجه أفلام وثائقية مختلفة عن منطقة ديترويت والولايات المتحدة الأميركية عموماً، بالإضافة إلى أفلام تثقيفية حول الجاليات المسلمة عادة، وكذلك أفلام تتناول تحديات أو مشاكل تواجه أبناء تلك الجاليات، قبل أن يشارك الجميع في حفل إفطار جماعي.