رمضان آخر ساعة
عصام سحمراني
صحافي لبناني، سكرتير تحرير مساعد في الصحيفة الورقية لموقع "العربي الجديد".
مباشر
شهر رمضان إذ يحلّ يقلب أشكال الشوارع في لبنان. فما يكون منها فارغاً يغدو مزدحماً، والعكس بالعكس. أما أوقات الذروة اليومية على الطرقات حيث تلتصق المركبات بالأرض، وتتعالى الزمامير إلى عنق السماء، وتخرج الألسنة من الأفواه، فتتغير بالكامل، حتى يبدو وقت ما قبل رمضان كأنّه لم يكن. لكن، لا مهرب من أوقات ذروة جديدة أشدّ وأمضى.
الصوم منذ اليوم الأول يحوّل الدقائق إلى ساعات طويلة لا تنتهي إلاّ بالكاد لدى الصائمين. يتحالف رمضان منذ سنوات مع الصيف والربيع الصيفي ما يجعل الصوم أصعب في ساعاته الطويلة الحارة وفي التفكير المتواصل بالسباحة الممنوعة على الصائمين. تزدوج الجبهة وتختبر إيمانهم والكثير الكثير من صبرهم، خصوصاً أولئك المتوقفين قسراً عن تبغ يجري في العروق بنسبة أكبر من الدم.
البطء سمة ساعات النهار، مهما كنت تفعل، في العمل، أو في الجامعة، أو في المنزل تحضّر لامتحاناتك أو حتى تحضّر للإفطار. ذلك البطء يجعل عبارة مثل "قتل الوقت" مبررة. فالوقت القاتل عادة، يحتاج إلى القتل مراراً وتكراراً في رمضان، علّه يمضي ويُحِلّ إفطاراً سريعاً. مع ذلك، فالبطء لا يعني زيادة إنتاج، بل تعطّل كامل أحياناً وتبطّل. الدارسون لامتحاناتهم يعرفون هذا جيداً إذ لا يقوون على حمل أنفسهم عن أسرّتهم ناهيك عن حمل كتبهم وكشاكيلهم. حتى الحواس تتداخل، وتغدو قراءة صفحة فلسفة أو اجتماع مثل لطمة على الرأس من الخلف، ليغرق المضروب إثرها في نوم لذيذ ينسيه كلّ ما قد كان قبله.
كلّ ذلك في كفة وما يحصل قبل الإفطار بساعة على الطرقات في كفة أخرى. حينها تقع ذروة الازدحام. بعض الطرقات تفرغ تماماً، وعلى خطها المقابل سيارات تصطف صفاً أول وثانياً ولا تترك أكثر من ممر واحد لمن "كفر" وحاول الوصول إلى بيته. الصفوف تنتظر الطلبات من المطاعم ومحلات الحلويات. انتظار غالباً ما يكون لكميات هائلة من الطعام تستقبل القمامة معظمها بعد ساعتين.
هنا عناصر اللعبة مكتملة: آلاف السيارات بسائقين صائمين طوال أكثر من خمس عشرة ساعة يحسب كلّ واحد منهم أنّ الكون متآمر ضدّه فيحاول أن يثبت على إيمانه، لكنّ الظروف أقوى تجعله يصمت قليلاً فتتسرب اللعنات والشتائم من خلاياه، قبل أن يبدأ بصبها في كلّ اتجاه.
يبدأ الشجار. بعضهم ينسى رمضان. البطء الذي يسم النهار الرمضاني كاملاً ينقلب إلى سرعة هائلة في تلك الساعة الأخيرة على الطرقات. السرعة غالباً ما تحمل حوادث سير، إما كبيرة تغير معها الحياة بالكامل، أو بسيطة تنقضي بتشكيلة من التهديدات والتضارب الخفيف، ليسرع بعدها كلّ طرف إلى مائدة إفطاره قبل الأذان المنذر بليلة أكثر سرعة.
اقــرأ أيضاً
الصوم منذ اليوم الأول يحوّل الدقائق إلى ساعات طويلة لا تنتهي إلاّ بالكاد لدى الصائمين. يتحالف رمضان منذ سنوات مع الصيف والربيع الصيفي ما يجعل الصوم أصعب في ساعاته الطويلة الحارة وفي التفكير المتواصل بالسباحة الممنوعة على الصائمين. تزدوج الجبهة وتختبر إيمانهم والكثير الكثير من صبرهم، خصوصاً أولئك المتوقفين قسراً عن تبغ يجري في العروق بنسبة أكبر من الدم.
البطء سمة ساعات النهار، مهما كنت تفعل، في العمل، أو في الجامعة، أو في المنزل تحضّر لامتحاناتك أو حتى تحضّر للإفطار. ذلك البطء يجعل عبارة مثل "قتل الوقت" مبررة. فالوقت القاتل عادة، يحتاج إلى القتل مراراً وتكراراً في رمضان، علّه يمضي ويُحِلّ إفطاراً سريعاً. مع ذلك، فالبطء لا يعني زيادة إنتاج، بل تعطّل كامل أحياناً وتبطّل. الدارسون لامتحاناتهم يعرفون هذا جيداً إذ لا يقوون على حمل أنفسهم عن أسرّتهم ناهيك عن حمل كتبهم وكشاكيلهم. حتى الحواس تتداخل، وتغدو قراءة صفحة فلسفة أو اجتماع مثل لطمة على الرأس من الخلف، ليغرق المضروب إثرها في نوم لذيذ ينسيه كلّ ما قد كان قبله.
كلّ ذلك في كفة وما يحصل قبل الإفطار بساعة على الطرقات في كفة أخرى. حينها تقع ذروة الازدحام. بعض الطرقات تفرغ تماماً، وعلى خطها المقابل سيارات تصطف صفاً أول وثانياً ولا تترك أكثر من ممر واحد لمن "كفر" وحاول الوصول إلى بيته. الصفوف تنتظر الطلبات من المطاعم ومحلات الحلويات. انتظار غالباً ما يكون لكميات هائلة من الطعام تستقبل القمامة معظمها بعد ساعتين.
هنا عناصر اللعبة مكتملة: آلاف السيارات بسائقين صائمين طوال أكثر من خمس عشرة ساعة يحسب كلّ واحد منهم أنّ الكون متآمر ضدّه فيحاول أن يثبت على إيمانه، لكنّ الظروف أقوى تجعله يصمت قليلاً فتتسرب اللعنات والشتائم من خلاياه، قبل أن يبدأ بصبها في كلّ اتجاه.
يبدأ الشجار. بعضهم ينسى رمضان. البطء الذي يسم النهار الرمضاني كاملاً ينقلب إلى سرعة هائلة في تلك الساعة الأخيرة على الطرقات. السرعة غالباً ما تحمل حوادث سير، إما كبيرة تغير معها الحياة بالكامل، أو بسيطة تنقضي بتشكيلة من التهديدات والتضارب الخفيف، ليسرع بعدها كلّ طرف إلى مائدة إفطاره قبل الأذان المنذر بليلة أكثر سرعة.
المساهمون
المزيد في مجتمع