رمضانيات بيروتية

06 يوليو 2015
يبتسمون في سرّهم قبل أن يعلو صوت المؤذن (الأناضول)
+ الخط -

.. وعند بدء الغروب تهدأ حماسة المتقاتلين وتخبو الاشتباكات المسلّحة، مؤقتاً.

يتجمّع جيران الطابق الثاني عند أم رامز، ويجلسون على الأرض لتناول طعام الإفطار. والتجمّع متفق عليه عند أم رامز لأن غرفة الجلوس في منزلها، الأصغر بين جيران الطابق الثاني، كانت أكثر أمناً. أو هكذا على الأقلّ ظنّ هؤلاء الناس.

وحده عبد الناصر يحضر من البناية القديمة في الشارع الثاني. يقفل باب منزله الأرضي ويأتي للمشاركة في الإفطار. تغادر المنطقة كلّها خلال الحرب ولا يغادر عبد الناصر. لا يريد أن يترك المنزل لنهب المليشيات حتى لو مات فيه. عبد الناصر يحب المنطقة وأهلها.

دقائق ليجهز الإفطار، لكن أسامة يحب أن يلعب. سبق أن سجّل على شريط كاسيت مقدّمة ملحق الأخبار. نسخها عن الإذاعة. يرفع صوت الراديو ويذهب إلى غرفته، فتعلو الجملة التي كانت تنقبض لها القلوب: "مكتب التحرير في خبر جديد". يركض الجميع نحو الراديو. المراسل يقول الآن إن المنطقة والمناطق المجاورة تتعرّض لقصف مركّز. ينصت المتجمعون في المنزل جيداً ولا يسمعون أي صوت في الخارج. يقولون إن المراسل يهذي بسبب الصيام ويتّهمونه بالفبركة.

سيمرّ وقت قبل أن يكتشف أحدهم مكيدة أسامة الذي انقلب على ظهره من شدّة الضحك. غضبوا أولاً ثم بدأوا بالضحك. صارت ضحكاتهم تعلو واحداً بعد الآخر، ثم انفجروا بالضحك حتى بدوا كأنهم مصابون بمسّ. ساعة الهدنة هذه يجب الإفادة منها بالأكل والضحك قبل أن يعاودهم القصف.

وحده ريكي، القط الأسود، لم يتحمّل المزحة. خرج من المنزل ولم يعد. يقولون إنه قضى برصاصة قنّاص.

***

يحمل الفتية صواني الستانلس بعد تغطيتها جيداً ويذهبون إلى "النادي" قبل الإفطار بساعتين. النادي هو المركز الشديد الرطوبة تحت الأرض حيث يلتقون ليتعلّموا الموسيقى والألعاب الكشفية. لقد حضّرت أمهاتهم الطعام في المنزل. كل واحد فيهم أتى حاملاً صنفاً معيّناً كي يتقاسمه مع رفاقه. هشام أتى حاملاً صينية معكرونة، أكلته المفضلة. لكن المعكرونة ليست أكلة رمضانية يا هشام، يقول قائل. فيعد هشام بأن يعوّض بصينية بيتزا في مرة أخرى.

قبيل الإفطار يسرق الفتية قناني المياه الباردة ويخبئونها تحت الطاولات. تدريجياً تختفي جميع القناني عن الطاولات. فيغضب "السيد عثمان" مسؤول النادي ويعلو صراخه. لكن السارقين الصغار لا يعيدون القناني. يبتسمون في سرّهم قبل أن يعلو صوت المؤذن القريب.

لم يكن الصوم بدافع ديني. كان أبعد من ذلك بكثير. وسرقة المياه الباردة حلال، حتى في رمضان.

اقرأ أيضاً: ابتَعِد عن الصبي
المساهمون