في مسرحية الانتخابات الرئاسية التي جرت أحداثها على امتداد الوطن المصري، مشاهد كثيرة أثارت ردود فعل مستنكرة. واحد من تلك المشاهد أظهر نساءً وفتيات مصريات يرقصنَ ويزغردنَ أمام اللجان الانتخابية. وفي حين لم تصدر منظمات من المجتمع المدني ولا جمعيات نسائية - معظمها تابع للحكومة - أيّ بيانات رافضة لذلك المشهد أو مستنكرة استغلال هؤلاء النساء اللواتي يعانينَ من الحاجة، فإنّ مواقع التواصل الاجتماعي تحوّلت إلى مساحة رفض واسعة.
والمشهد العبثي جرى أمام معظم اللجان الانتخابية في الأحياء الشعبية، إذ استُغلت المرأة المصرية أسوأ استغلال، وجرى تحويلها إلى راقصة ومغنية تحت بند العوز والحاجة والخوف. يُذكر أنّ مصر لم تشهد "مهازل انتخابية" مثل تلك التي انتهت الأربعاء، والتي أطلقت عليها وسائل إعلام النظام "عرس ديمقراطي".
وكانت دائرة الخصوص في محافظة القليوبية، حيث يقيم أكثر من ثلاثة ملايين مواطن، من أكثر الدوائر التي شهدت رشاوى مادية متعددة، ورقصا على أغانٍ هابطة. وهذه الدائرة هي دائرة عضو مجلس النواب حسن عمر حسانين، أصغر عضو في المجلس وابن العمدة "ملياردير المحافظة"، الذي أكد أنّ دائرته هي الأولى في عدد الناخبين، في حين كانت الرشوة في اليوم الأخير تبدأ من 50 جنيهاً مصرياً (نحو ثلاثة دولارات أميركية) لتصل إلى 150 جنيهاً (نحو تسعة دولارات)، فضلاً عن الزيت والسكر وساندويشات "البانيه" والمشروبات الغازية. وقد تحوّل الأمر في النهاية إلى طوابير من الفقراء الباحثين عن الفلوس والأكل.
وشهدت الدائرة نفسها قيام البرلماني نفسه بدفع مال لنساء وفتيات من خارج الخصوص، لا سيّما من شبرا وبولاق الدكرور، بهدف الرقص. وتجمّع حشد حول هؤلاء "الراقصات"، في حين كان حرّاس شخصيون يؤمّنونهنّ إلى جانب عناصر أمنيّة. أمّا النائب، فراح يصيح أنّ دائرته هي الأعلى في التصويت في كل المحافظات.
في سياق متصل، تخبر ف. أحمد أنّها انتقلت من بيت زوجها في حيّ شبرا إلى منزل أهلها في الزاوية الحمراء بعد إلحاح من قبل ذويها وخوفهم من دفع الغرامة. وحين ذهبت بصحبة أمها إلى لجنة الانتخاب، اكتشفت السرّ. هي كانت تلحّ عليها من أجل الحصول على كرتونة تموينية تحتوي على زيت وأرز وسكر. وتشير إلى أنّ مقدّمي تلك الرشاوى كانوا يشترطون أن يكون الحبر السري على إصبع المستفيد لإثبات المشاركة في الانتخابات.
من جهتها، تقول امرأة في السبعين من عمرها، خافت من ذكر اسمها، إنّها اضطرت إلى ركوب توكتوك أرسله لها خصيصاً أحد أعضاء المجلس المحلي في إحدى قرى محافظة المنوفية للمشاركة في التصويت. تضيف: "أخافوني في حال لم أدلِ بصوتي أن يقطعوا المعاش عنّي، على الرغم من أنّني غير مهتمة في الأساس بمثل هذه الأمور".
إلى ذلك، يتحدّث أحد الأئمة كيف طلب منه مسؤول أعلى منه أن ينادي عبر مكبّرات للصوت في المسجد ويحثّ الناس على المشاركة في الانتخابات. ويشير وقد تحفّظ على الكشف عن هويته، إلى أنّ "الأمر غير مستساغ لي. لا يجب استغلال المساجد في السياسة، والحكومة هي التي تدعو إلى ذلك". ويتابع: "كانت ثمّة حالة من الهستيريا لاستقطاب الناس إلى صناديق الاقتراع، المشروع وغير المشروع. وقد استشعرت أنّ هذا الأمر غير مقبول شرعاً وخلقاً. وأنا أنتمي إلى مؤسسة الأزهر، وليس لي أيّ انتماء أو توجهات دينية أخرى".
تجدر الإشارة إلى أنّه أمام عزوف المصريين عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية، تداول مستخدمو موقعَي التواصل الاجتماعي "تويتر" و"فيسبوك" عدداً من تسجيلات الفيديو التي تظهر رقصاً لنساء وفتيات مصريات أمام مقار اللجان الانتخابية، في محاولة لحثّ المواطنين على المشاركة في الانتخابات. بالتوازي، عمد النظام إلى أساليب عدّة كالترهيب والرشوة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الناخبين إلى اللجان الفارغة. وقد تمكّنت هنا منصات التواصل الاجتماعي من كشف مهازل الانتخابات الرئاسية في مصر، وفضحت كذب الإعلام المحلي الذي تحدّث عن "حشود" من الناخبين.
"صوتك أمانة"
تحت شعار "صوتك أمانة"، كانت محاولات كثيرة في القاهرة الكبرى وفي عدد من المحافظات الأخرى، لحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت أخيراً. فكان طرق على الأبواب واستخدام لمكبّرات الصوت بهدف دفع الناس إلى الخروج من منازلهم، ترافق ذلك مع رشاوى قدّمت للغلابة على شكل "شنط تموينية" إلى جانب وجبات غذائية.