رقصة الدانتو.. الفاكهة المحرّمة في الصومال

16 يوليو 2015
بعد الحرب أصبحت الفنون محرّمة (Getty)
+ الخط -
لم يعرف الشعب الصومالي في تاريخه طبقات اجتماعية تمايز بين أفراده، كما لم يعرف الطوائف والمذاهب المتعدّدة، ولكن بعد الحرب الأهلية في مستهل التسعينيات، ظهرت طبقات غريبة، مثل طبقة صوماليي الشتات، وطبقة صوماليي الدّاخل، وبدأ التجانس اللغوي ينزوي مع بروز صوماليين لا يجيدون اللغة الصومالية، مع طغيان لغات، كالعربية والإنجليزية وغيرها.


ولكن الرّوح الصومالية التي أحياها الفنان علي بشير ببعث فن الدانتو الشهير في قرى وبلدات الإقليم الصومالي في إثيوبيا (أوغادينيا)، جمعت الصوماليين أينما وجدوا، حتى أنّ اسمه ارتبط بها، وبات يُعرف جماهيرياً بـ(علي دانتو)، فحين كان صوماليو الشتات يُسألون عن الأكلات الشعبية، يردّون: الأنجيرو أو الموفو (خبز التّنور). لم يكن الإحساس بالتميّز يغمرهم، كما أن الإزار أو الفوطة أو ما نسميه بلغتنا "المعويس" ليس حكراً على الصوماليين أيضاً، لأن اليمانين ورجال الخليج قديماً يشاركوننا فيه، وكذلك الدرع للمرأة، إذ تشاركها المرأة اليمنية فيه. ولكن الدانتو أحدثت فارقاً.. إنّها بصمة صومالية خالصة، وما يزيدها وهجاً هو قدرتها على اجتياز مرابع العشائر التي اشتهرت بها حتى أنّ أحد شباب مقديشو كوّن فرقة للدانتو اسمها فرقة بنادر وقال إنّ علي دانتو ألهمه.

والدانتو ليست مجرد رقصة، بل هي فن جامع، ففيها الفنان الذي يغني ومجموعة راقصين من الجنسين، وتؤدّى عادة في الهواء الطلق وبحضور جمهور واسع. في أثناء أداء الرقصة، يقف الشباب في صف والبنات في الصف المقابل، يرفع الرجال أيديهم ويدقون كعوب أقدامهم بحركة رشيقة كأنّهم فهود متوثّبة، وتهزّ الفتيات أذرعتهن ويحنين ظهورهن محتميات بالزنود السمر المرفوعة فوقهن، ويترافق معها أهزوجة تحمل في طياتها فائضاً من البهجة والطرب، ثم يغادر أحد الشباب صفّه ليتقدّم إلى وسط الساحة، وتفعل فتاة الأمر نفسه، فيدوران حول بعضهما بطريقة تمزج الإغراء بالاستعلاء، ثم يوصلها إلى مكانها وينسحب لموقعه، ويستمر هذا التّبادل الثنائي، لتبدأ حركة دائرية في الساحة حتى يصبح الشباب في صف البنات والعكس بالعكس. 
لعلّ ما قدّمه الثنائي، أحمد بُدل ونمعو درين، من أعذب وأرق ما قدّمه نجوم هذا الفن، إذ هي عبارة عن طلب محبوبته التي تؤرقه وتحرم مقلتيه النّوم، ويتمنى أن يقبل أهلها ما لديه ويزوجونه لها، فهل سيقبلون به يا ترى، فترد نمعو بأنه استوطن خلاياها، وليس في القومية الصومالية مثله، فكيف لا يقبلون به؟ والجميل في هذه الأغنية ثراؤها بالرموز التّراثية، إذ يقول الفنان بأنّه يصبو لمجيئها لمضارب أهله، فيحلب لها ناقة ويقدّم حليباً صافياً لها. فالحليب تنصيب رسمي لزعماء العشائر المختارين حديثاً، ودليل ثراء ورمز ضيافة. وحين يشير إلى نيته تقديم "سوريد"، وهي "العطوة" المالية المقدمة من أسرة الرجل للذكور من أسرة الفتاة، ليس فقط لوالدها وأشقائها، بل أبناء عمومتها، وأبناء إخوتها إن وجدوا، وجدّها.. إلخ. وهي بمثابة استعراض لكرم عائلة الزوج وتعهّد بالمعاشرة بالحسنى والوفاء لأسرة الزوجة. ولا يوجد فن يجمع معالم من التّراث الصومالي المختلفة في دقائق ويبعث البهجة في نفوس الصوماليين مثل الدانتو.

ومن الطرائف أنّ هذا الفن يكاد ينافس النشيد الوطني الأشهر (صوماليي توسو)، في المناسبات السياسية والوطنية، فما من مسؤول صومالي يزور الإقليم الصومالي في إثيوبيا إلا ويُستقبل بوصلةٍ من الدانتو.

أمّا بالنسبة لصوماليي الدّاخل، فهي بمثابة فاكهة محرّمة يتناولونها بنهم، لأنهم لا يحظون بمشاهدتها مباشرة في أحياء مدنهم، أو في المسرح الوطني في العاصمة والذي أُعيد غلقه بعد تسلّم حسن شيخ محمود للحكم في عام 2012، فبعد الحرب أصبحت الفنون محرمة، والاختلاط بين الجنسين من الخطوط الحمراء.

*رقصة الدانتو

(الصومال)