رفيق الحريري الصيداوي

17 فبراير 2017

رفيق الحريري في القمة العربية في بيروت (27/3/2002/Getty)

+ الخط -
ولد رفيق الحريري الذي قضى اغتيالاً في الرابع عشر من فبراير/ شباط 2005، في مدينة صيدا. وولدتُ في مخيم عين الحلوة جار المدينة، حيث درست المرحلة الثانوية. وكانت صيدا مدينتي التي شكلت طفولتي وشبابي، فقد كان ميناؤها المسمى، في طفولتنا، بحر العيد، هو المكان الأثير إلى قلبي، وقلوب أترابي، نمرح هناك بقروشنا القليلة، ونسافر في رحلات قصيرة بالفلايك إلى "الزيرة"، الجزيرة الصغيرة التي تحرس المدينة. نأكل الترمس والمخللات. وفي مرحلة تفجر مراهقتنا، نحلم بفتياتٍ في مثل أعمارنا، ربما نفوز بابتسامة غامضة تعجز عقولنا الطرية عن اكتشاف كنهها.
في صيدا، كنت أعرف مطعم الفول الأشهى ومطعم الفلافل الألذ، وكنت أعرف طريق مقبرة المدينة التي كانت، إلى سنوات خلت، وجهة أحبائنا الموتى الأخيرة. بهذا المعنى، كنت أعرف رفيق الحريري، ليس سياسياً عاد بعد سنين من العمل في المملكة السعودية مليونيراً طامحاً بدور فعّال في السياسة اللبنانية. كان لي أصدقاء حدّثوني عنه، عندما كان (هتّيف) مظاهرات حركة القوميين العرب في الستينات، يُحمل على الأكتاف في المناسبات القومية، وعن فقره، وكيف استدان ثمن بطاقة السفر إلى السعودية، من صديق صيداوي معروف، لم ينس الحريري كرمه معه فيما بعد. كنت كلما استمعت إليه خطيباً، لم أشعر بغربة لغة الخطاب، بل كنت أحس أنني ربما سمعت هذا الكلام من صيداويٍّ طيب في زاروب من زواريب المدينة البريئة، فلم أشعر يوماً بأنها مدينة طبقات متضاربة بفوارقها أو بأرستقراطية عائلاتها المعروفة. كان كل شيء في المدينة هادئاً وساذجاً في مطرح ما. ربما كانت لهجة الصيداويين هي التي منحتني هذه الأحاسيس، فقد كانت قريبة إلى لهجة أبناء المخيم.
من ضمن أسبابٍ كثيرة، كان ممنوعاً على سنّة لبنان، ورفيق الحريري كان ممثلاً جديداً ومختلفاً لهذه الطائفة من اللبنانيين الذين أتلفت روحهم العصبيات الطائفية، أن يكون لهم زعيم خارج التركيبة السنية التقليدية للعائلات المستهلكة منذ الاستقلال، التي تولت رئاسة الحكومات المتتابعة. وكان ممنوعاً أن يكون لسنة لبنان زعيم عصاميّ، آتياً من رحم فكرٍ عروبي حركي، فقد كان عضواً في حركة القوميين العرب، وكان ممنوعاً أن يكون لهم زعيم، ليس من بيروت أصلاً، فقد جاء من صيدا المدينة التي اعتبرت دائماً مدينة الفقراء، وخارج الحسابات، والتي اغتيل نائبها، معروف سعد، بسبب موقفه في دعم الصيادين الفقراء، في مواجهة احتكار الدولة البحر، ودعم القضية الفلسطينية. كما كان ممنوعاً على السنة عموماً أن يرثوا النفوذ الماروني الذي هُزم، ما كان واحدةً من نتائج الحرب الأهلية الطائفية. وقد رأى بعضهم أن تطوّر الطوائف اللبنانية، وتبدل أدوارها وأحجامها وفاعلياتها عدداً واقتصاداً وعلاقات إقليمية وعسكرةً وبعداً استراتيجياً لخدمة قوى إقليمية، متوحشة في أطماعها التوسعية، أن الوارث الشرعي للنفوذ الماروني في عصب الدولة في لبنان تمثله الطائفة الشيعية، فالموارنة في ظل موازين ما بعد الحرب الأهلية لم تعد هيمنتهم على القرار السياسي مقبولةً، في ظل تشتتهم وتفسّخ قواهم ونزاعاتهم الداخلية، وانحراف بعضهم في العلاقة مع إسرائيل، والشيعة طائفة استطاعت تثبيت حضورها بعد هيمنة ملالي إيران على الثورة الشعبية في إيران، وبدء استراتيجية التمدّد الإيراني في المنطقة عبر الطائفة، ونشوء حزب الله قوة عسكرية هائلة، وجدت في القتال ضد إسرائيل وسيلةً ناجعةً لتعزيز نفوذ الحزب، مستفيداً من ازدياد حجم الطائفة السكاني، والدعم الآتي من البرجوازية الشيعية في المهجر، مضافاً إليه حضور حركة أمل التي تم دمجها في التركيبة السياسية التي تشكلت على أنقاض الحرب الأهلية.
أمام هذا الواقع الطائفي وامتداداته، مع الاستبداد السوري والطموح الإيراني في المنطقة، كان لا بد من نهاية دموية لحلم الحريري، وحلم طائفته وحلم لبنان المختلف.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.