رفقا بالقوارير

16 مارس 2017
+ الخط -
قبل الحديث عمّا يحدث في الضفة الغربية، أريد أن أوضح شيئاً مهما، وهو أنّ أي دولة تتمثل في ثلاث سلطات حاكمة، تنفيذية وقضائية وتشريعية، ومنذ زمن بعيد، درسنا أنّه على أيّ دولة أن تلتزم الفصل بين تلك السلطات الثلاث، وكلّ واحدة منهم تنفّذ قراراتها بما تراه مناسباً، مع عدم مساس أي منهما بالأخرى.
كنّا نطالب السلطة التنفيذية بعدم المساس بقرارات القضاء والتدخل في إضفاء لمساتها على الأخير، وكنا دائما ندعو باستقلاليته في قراراته، وبالتالي، أي قرار قضائي ينفذ فهو يخلص من سلطته التي فوّضت إليه.
أما قرار المحكمة بمحاكمة الشهيد باسل الأعرج وزملائه في سجون الاحتلال، فالسؤال هنا: كيف لسلطة قضائية أن تأمر بإجراء محاكمة غير عادلة كهذه؟ هل تجهل أنّ باسل الأعرج استشهد، وأنّ زملاءه يبـيتون ليالي سوداء في سجون الاحتلال؟ هل ستكون المحاكمة عادلة، على الرغم من فقدان بند من بنودها، وهو حضور المتهمين ومثولهم في قفص الاتهام، ويقوم ذووهم بإنابة محام للدفاع عنهم؟ ألم يكن ما سردته من أركان المحاكمة العادلة؟
لست فقيها في القانون، ولكني اجتهدت قليلاً لأوضح بعض الملابسات الخاطئة التي قد نقع بها، ولأهل القانون تصحيح ما سردته إن كان به شيئاً خاطئاً.
ننتقل الآن إلى شرعية المظاهرات التي خرجت في رام الله، مندّدة بالمحاكمة، وكيف تحوّلت من إدانة للقضاء إلى إدانة للأمن والسلطة التنفيذية، والحديث عن تورطهما في المحاكمة، وبعد ذلك يخرج بعضهم بالتنديد والتهديد والوعيد للرئيس محمود عباس، أؤكد هنا أنّه من حق أي شعب أن يعبّر عن رأيه، حتى ولو مسّ شخص الرئيس، لأننا نقبع تحت دولة "ديمقراطية محتلة"، وتحت محتلة نضع مئات الخطوط، بل ملايين الخطوط الحمراء. نعم هناك من يسأل: لماذا هنا؟ سأجيبه بأن كيف لمدينة محتلة مثل حيفا، ومصنّفة بأنها من المدن التابعة للمحتل، أن تخرج وتندّد ضد قمع الأجهزة الأمنية الفلسطينية للمتظاهرين في رام الله، وتهتف برحيل السلطة، هل وصلت السلطة إلى حيفا؟، وأيضا تندّد بالرئيس محمود عباس، وزد على ذلك المطالبة برأسه، هل نعتبر ذلك دعوة للقتل؟ والسؤال هنا من يريد رأس أبو مازن: هل هم أهل حيفا، أم أهل الضفة، أم الاحتلال الاسرائيلي، أم هناك أجندات تتلاعب وسط أبناء هذا الشعب، وتحاول زيادة تفتيته أكثر مما هو عليه الآن؟
لا أريد الخوض في أنّ هناك مؤامرة تحاك على شعبنا الفلسطيني، وتضعه داخل دائرة مغلقة لن يستطيع الخروج منها، لا بالماضي ولا بالحاضر، لكن الحقيقة واضحة، ومن يغفلها هو من يحاول أن يضع يده في يد صانعي تلك المؤامرات، لكي يستفيد مادياً وسياسياً من تدهور الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما هو الواضح، منذ فترة هناك محاولات لإفشال خطوات لعملية السلام، والمفاوضات من الجانب الإسرائيلي، إلى جانب محاولة الزج بشخصيات أخرى لتحل محل الرئيس أبو مازن في المستقبل القريب، لا أخفي عليكم وأنتم تعلمون ذلك، وهو واضحا للعيان من يُحضَر للمرحلة المقبلة، ومن يثير الفتن والتفتت داخل البيت الفلسطيني والفتحاوي، هذا إلى جانب رؤى حكومة الاحتلال في اختيار شخصيةٍ ترضى عنها ويخدم أهدافها هي الأخرى.
ما يحدث الآن، باختصارٍ شديد، هو محاولة زج شعبنا الفلسطيني على فوهة بركانٍ لن يخمد، وعلى أطراف حفرة ستطمر فوقنا جميعاً، ولن نحصد منها سوى مزيد من الاحتلال، ومزيد من الانقسام.
أتمنى من الشعب الفلسطيني التعقّل والتفكير بعمق، حتى لا نحصد ما زرعه الأعداء بأرضنا، وحتى لا نتحسر على ما اقترفته أيدينا، ففلسطين تستحق منا التضحية أكثر، والدفاع عن قضيتنا يحتاج سياسة دهاء، حتى نستطيع الوقوف بجانبها وننقلها إلى برّ أمان.
21DE88C9-1996-4132-A3BB-48A5755CF8E2
21DE88C9-1996-4132-A3BB-48A5755CF8E2
نجوى اقطيفان (فلسطين)
نجوى اقطيفان (فلسطين)