تتردد حكومة الحبيب الصيد في الإعلان صراحة عن قرب زيادة أسعار عدد من المواد الاستهلاكية الرئيسية بداية من العام الجديد، حيث شارفت سياسة تجميد الأسعار التي اعتمدتها الحكومة منذ توليها في يناير/كانون الثاني 2015، على النهاية.
ومن المنتظر أن تشهد السنة المقبلة مراجعة أسعار عدد من المواد المدعومة على غرار الخبز والشاي والسكر بنسب طفيفة؛ وذلك في إطار سياسة الحكومة لإصلاح منظومة الدعم التي تدخل ضمن الإصلاحات الكبرى المفروضة على تونس من دوائر القرار المالية العالمية.
ويعتبر كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن إصلاح سياسة الدعم التي تعتمدها تونس منذ الاستقلال باتت عاجلة، ولا تقل أهمية عن بقية الإصلاحات التي يتوجب على الحكومة اتخاذ إجراءات بشأنها.
وبالإضافة إلى دوائر القرار المالي العالمي تواجه الحكومة ضغوطاً من جانب المنتجين المطالبين بتحرير الأسعار كليا، معلنين رفضهم لمواصلة وضع الدولة يدها على القطاعات الإنتاجية والتحديد المسبق للأسعار.
ويقول منتجون إن كل الدول المتقدمة أنهت ما وصفوه بسياسة الوصاية على الأسعار، مؤكدين أن وصاية الدولة على المنتجين أدت إلى العزوف عن الإنتاج، بسبب الخسائر الكبيرة التي تتكبدها المنظومات الزراعية والصناعية.
ويقر وزير التجارة رضا الأحول في تصريح لـ "العربي الجديد" بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية عموما، رغم الجهود التي بذلتها وزارته للضغط على نسب التضخم، مؤكدا على أن الحكومة لا يمكن أن تذهب إلى ما لا نهاية في مسألة الدعم الحكومي للمواد الأساسية، وأن التوازنات المالية للبلاد تفترض بعض التضحيات دون تحديد نوع هذه التضحيات.
ويربط عضو الحكومة قرار الترفيع في أسعار المواد المدعمة بمدى تطور سعر الدولار مقابل الدينار التونسي الذي تشهد تراجعا غير مسبوق (الدينار يساوي 2.09 دولار حاليا)، مشيرا إلى أن الزيادة في أسعار المواد الأولية من عدمه مرتبط بتطور أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، مؤكدا أن الأسعار العالمية للمحروقات والحبوب ستؤثر مباشرة على موازنة الدولة؛ وهو ما قد يدفع الحكومة إلى تعديل أسعار بعض المواد الأساسية دون المسّ كثيرا من القدرة الشرائية للتونسيين.
في المقابل، كشف عضو البرلمان عن حركة "النهضة" وكاتب الدولة للمالية السابق سليم بسباس، في تصريحات إعلامية أن زيادة مرتقبة ستشمل سعر الخبز الصغير إلى جانب زيادة طفيفة في أسعار الحليب والسكر والشاي والقهوة، موضحا أن توقيت التعديل سيكون وفق قرار من وزير التجارة بعد التنسيق مع وزير المالية لاحترام التقديرات التي تضمنتها ميزانية الدولة للعام المقبل.
اقرأ أيضاً: الإصلاحات الاقتصادية في تونس لا تبدو في طريق معبدة
وأفاد بسباس، أن الموازنة تضمنت مبلغا إجماليا لدعم المواد الأساسية بقيمة 1.6 مليار دينار (800 مليون دولار) ولكن مع اعتبار زيادة طفيفة سوف تشمل بعض المواد الأساسية على غرار الخبز والسكر والقهوة والشاي والحليب، ملاحظا أن جملة المبالغ المقتصدة من هذه المواد حوالى 70 مليون دينار (35 مليون دولار).
وأوضح عضو البرلمان أن مجلس نواب الشعب يصادق على الموازنات غير أن تفعيلها يبقى مرتبطا بقرار الحكومة، لافتا إلى أن تعاطي الحكومة مع إصلاح منظومة الدعم يجب أن يكون شاملا، وأن الزيادة المقترحة لا تنم عن منحى إصلاحي.
وتوقع البرلماني، إصلاحا أكبر من خلال تصويب وترشيد الدعم في تونس يتضمن أيضا خيارات كبرى باتجاه دعم الأسعار أو إقرار تحويلات عينية لصالح الفئات المعنية والمستهدفة.
وشهدت سلة المواد الاستهلاكية على امتداد السنوات الأربع الماضية زيادة قدرتها الجمعيات المعنية بالمستهلك بنحو 60% في حين لم تتجاوز الزيادات في المرتبات والأجور 10% في أقصى الحالات.
ويربط خبراء الاقتصاد بين مؤشر الأسعار وارتفاع نسبة التضخم بالظرف الاقتصادي العالمي، وضعف الاستثمار خلال الفترة الانتقالية التي تعيشها البلاد.
ويرى اقتصاديون أن الاستقرار الذي تشهده نسب التضخم في حدود 4.2% يعد مكسبا مهمّا للاقتصاد، غير أنها لا تزال كبيرة، خاصة في أسعار المواد الغذائية التي تبلغ 10%، فضلا عن ارتفاع التضخم في قطاعات حيوية أخرى، كالنقل والسكن، ما يشكل ضغطا على القدرة الشرائية للمواطنين.
ويشدد المهتمون بالشأن الاقتصادي على ضرورة السعي إلى مزيد من خفض نسب التضخم حتى لا تتجاوز 2% إجمالا، وذلك عبر الزيادة في الإنتاج على الصعيد الصناعي ووضع سياسة نقدية تمكّن من وقف تدهور قيمة الدينار.
وكانت الممثلة المقيمة لصندوق النقد الدولي بتونس جورجيا البرتيني، قد توقعت، ضمن التقرير الذي أعده صندوق النقد الدولي حول آفاق النمو الإقليمي، أن تكون نسبة التضخم في تونس في حدود 5% مقابل 4.9% خلال 2014.
اقرأ أيضاً:
تونس تفاوض صندوق النقد على قرض جديد
تونس تروج لاقتصادها عبر نوبل للسلام