أزمة رفض مقربي صالح الاعتراف بالشرعية: وجه آخر للخلاف السعودي الإماراتي باليمن

15 يناير 2018
الوضع الميداني متأثر بالخلافات السياسية (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تعد الأمور كما كانت في اليمن قبل مقتل الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بل أسست لصراعٍ صامت بين السعودية والإمارات، فقد أظهرت تطورات الأيام الاخيرة، وصول الأزمة بين الشرعية المحسوبة على السعودية، والموالين لصالح من المقربين من الإمارات، إلى مرحلة غير مسبوقة، مع توجيه الحكومة الشرعية رسائل مفتوحة للمحسوبين على صالح من المتحفظين عن التأييد الواضح للشرعية.

في هذا السياق، اعتبر نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، عبدالملك المخلافي، أن "الشرعية هي الطريق الوحيد لاستعادة الدولة والقضاء على سلطات الأمر الواقع، التي تمزق اليمن والحفاظ عليه موحّداً. وهي طريق وحيد لسلام حقيقي على أساس المرجعيات الثلاث التي تنص جميعها على الشرعيّة". وفي إشارة إلى أقارب صالح وفريق من حزبه، أضاف المخلافي أن "من يقول إنه ضد الحوثي ولا يعترف بالشرعية ويعمل في إطارها فهو يخدم الانقلاب مهما ادعى". وانتقد في تغريدات على صفحته الشخصية بموقع "تويتر"، ما اعتبره "محاولات البعض الإبقاء على إرث صالح وعائلته"، معتبراً أنه "بعد مقتل صالح من قبل الحوثيين شركائه السابقين، تخلّص المؤتمر من صالح وولدت أمامه فرصة جديدة، اذ فتحت الشرعية ذراعيها له رغم كل ما قام به، ولكن اصرار بعض قياداته على الإبقاء على إرث صالح وعائلته كثقل سيؤدي إلى ضياع هذه الفرصة وتمزق المؤتمر وسيبقى حزباً عائلياً وليس حزباً حقيقياً".

وليس بعيداً عن تصريحات المخلافي، قال رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، في خطاب إلى قيادات قريبة من عائلة صالح، إن "الالتحاق بصف الشرعية الدستورية المنتخبة من الشعب والمسنودة بالتحالف العربي والقرارات الدولية، هو المسار الصحيح لاستعادة الدولة، والحفاظ على الجمهورية والوحدة، وهو التوجه الوطني الحقيقي لمواجهة المليشيات الحوثية المدعومة من إيران". وأضاف أن "غير ذلك هو تكرار للخطأ، بل الوقوع في الخطيئة"، في إشارة إلى وقوفهم مع الانقلاب. وتابع بن دغر "إما أن تكونوا ضد الحوثيين أو معهم. وإذا قلتم ضد الحوثيين فما الذي يمنعكم أن تنضموا للشعب المقاتل، خصوصاً وقد قتل الحوثيين أفضلكم. وحدة الصف الجمهوري الوحدوي خلف الشرعية خط فاصل بين الحق والباطل".

وجاءت التصريحات الحكومية، بعد الظهور الأخير، لطارق محمد عبدالله صالح، القائد الأبرز للقوات الموالية لصالح قبل مقتله على أيدي الحوثيين، ودعوته إلى وقف الحرب ورفع الحصار، على نحو لا يختلف كثيراً عن التصريحات التي أدلى بها عمه، قبل يومين من مقتله في صنعاء. وأظهر هذا التصريح أن فريق صالح، لا يزال متحفظاً على التأييد الواضح للشرعية، على الرغم من إعلان قياداته الوقوف ضد الحوثيين، والترحيب بالحوار مع السعودية.



ومنذ أسابيع، دارت الكثير من النقاشات في الأوساط السياسية اليمنية، حول أزمة تحفظ قيادات مقربة من نجل صالح المتواجد في الإمارات، أحمد علي عبدالله صالح، على التأييد الواضح للشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي. وكانت الأزمة محل خلاف، أعاق محاولات للتقريب بين أجنحة حزب المؤتمر الشعبي العام. وفي وقت سابق، ذكر بن دغر، أن الأمين العام المساعد للحزب، سلطان البركاني الذي يمثل أحد أبرز رموز جناح قيادات الحزب المتواجدة بين أبوظبي والقاهرة والقريبة من نجل صالح، نقل رسائل مفادها تقريب وجهات النظر وأنهم يتفقون على مبادئ استعادة وهزيمة الانقلاب والحفاظ على الجمهورية والوحدة، من دون الإشارة بشكل واضح إلى الاعتراف بالشرعية، الأمر الذي أثار اعتراضاً في أوساط الشرعية.

ومع ظهور طارق صالح، يوم الخميس الماضي، من محافظة شبوة، الخاضعة بصورة أو بأخرى، لنفوذ الإماراتيين، برزت ملامح أخرى لأزمة رفض قيادات مقربة من صالح وأقاربه الاعتراف بالشرعية بشكل صريح. وبدا من خلالها وكأنه موقف منسق مع أبوظبي أو لا يجد معارضة منها على الأقل، في مقابل غضب قيادات الشرعية، المتواجدة في الرياض أو المحسوبة على هادي عموماً، من الموقف الرمادي الذي اختارته قيادات في حزب المؤتمر، وذلك وسط انقسام الموقف في قيادات الشرعية، بين من يطالب أقارب صالح بالتكفير عن تحالفهم مع الحوثيين بتأييد الشرعية، وبين من يرى أن حزب المؤتمر، في طريقه للابتعاد عن إرث صالح وعائلته.



وأعادت الأزمة الأنظار إلى اللقاء الذي جمع كلاً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في 13 ديسمبر الماضي، مع توجه الأخير إلى الرياض، إثر مقتل صالح وفشل "انتفاضة" دعا إليها، وكانت مدعومة من السعودية والإمارات، وكان الواضح من الزيارة في سياق تطورات الشهر الماضي، أن اليمن على رأس أولوياتها، بما في ذلك، وضع حزب صالح وترتيبات الوضع اليمني لما بعد مقتله، إلا أن التطور، الذي كان مفاجأة الزيارة، هو اجتماع ضم بن سلمان وبن زايد، برئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح (المحسوب على الإخوان المسلمين)، محمد اليدومي، والأمين العام للحزب، عبدالوهاب الأنسي.

ووفقاً لتصربحات مصادر قريبة من قيادة حزب الإصلاح لـ"العربي الجديد"، فإن "اللقاء جاء بتنسيق سعودي ومحاولة لإيجاد حالة من التفاهم، بين أكبر الأحزاب اليمنية المؤيدة للشرعية (الإصلاح)، وبين الإمارات، التي تؤدي دوراً قيادياً إلى جانب السعودية، بالحرب الدائرة في اليمن.
وبعد شهر من اللقاء، يبدو أنه لم يكن سوى محاولة سعودية لإقناع بن زايد بالتنسيق مع حزب الإصلاح، بعد فشل تحركات حزب صالح، لكن إرث الصراع بين صالح والسعودية وما ارتبط بذلك من ملفات وحروب، خلق حاجزاً بين الرياض وبين أقارب صالح وجناح حزبه، الذي بدا أقرب إلى أبوظبي في هذه المرحلة.

وعزّز وجود التباين بين الرياض وأبوظبي في اليمن، القرارات التي أصدرها هادي، في 24 ديسمبر الماضي، وأطاحت بقيادات "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المطالب بالانفصال والذي تأسس بدعم إماراتي، من مناصب حكومية. وشملت التعيينات، بعض الأسماء التي بدت كما لو أنها رسالة واضحة للإمارات، على غرار تعيين، صالح الجبواني وزيراً للنقل، وهو إحدى الشخصيات التي ظهرت بتصريحات تلفزيونية في أشهر سابقة، وصفت الوجود الإماراتي في الجنوب بـ"الاحتلال". ومن المستبعد أن تكون القرارات، صدرت من دون ضوء أخضر من الرياض.

ولم تقف ملامح الخلافات، عند التعيينات، بل شهد اليمن الأسابيع الماضية، تطورات على غرار تصريحات لوزير الداخلية أحمد الميسري، الذي عينه هادي، بقرارات الشهر الماضي، أكد فيها على رفض وجود أجهزة أمنية، خارج مؤسسات الدولة، في رفض ضمني، للأجهزة الأمنية التي تأسست بدعم الإمارات، وتُعرف بأنها موالية للأخيرة، وهي ممثلة بقوات الحزام الأمني في عدن ومحيطها، وقوات النخبة الحضرمية في حضرموت، والنخبة الشبوانية في شبوة. وبدا أن أزمة قادة حزب المؤتمر وأقاربهم مع الشرعية، غير بعيدة عن أزمة صامتة بين أبوظبي والرياض.



المساهمون